«فى اختلاف امتى رحمة» احد الاحاديث المنسوبة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم والتى اجمع الفقهاء على عدم صحتها. لكن ظل هذا القول طوال التاريخ قولا مأثورا ومعتبرا يعبر عن احتياج كل البشر لقبول اختلافهم مع الآخرين. حسنا فعلت ليان شواف مديرة مهرجان السينما العربية بباريس عندما اختارت اغلب افلام مهرجانها ممن تركز على التطرف وأهمية قبول الآخر فى عالمنا العربى وتحديدا فى الفيلم اللبنانى «غذاء العيد» الذى فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة بالمهرجان، وهى نفس الجائزة التى حصل عليها فى مهرجان دبى السينمائى الاخير. يقدم الفيلم لقاء على الغذاء لمختلف افراد اسرة فى العيد المسيحى المسمى احد الشعانين. جل الفيلم او اكثر من ثلاثة ارباع مشاهده على مائدة الطعام التى يتوالى عليها طبق تلو الآخر وتتوالى المناقشات بين أفراد الاسرة. التركيز على ابنتى الاسرة ريتا وكريستين وزوجيهما وكذلك على الابنين سيرج وجابى المتناقضين فى الطباع. أما الأم جوزفين فهى تحاول الحفاظ على تماسك اسرتها رغم الاختلافات. يبدو من الحوار ان الجميع يعرج على الشأن اللبنانى بمختلف موضوعاته، خاصة الشأن اللبنانى المسيحى بكل تفاصيله. ومن ضمن ما يحسب للمخرج لوسيانت بورجيليت الذى كتب السيناريو ايضا التطرق لموضوعات شائكة لا يجرؤ احد على طرحها، مثل حديث الاسرة عن ضرورة امتلاك الخورى او القسيس هناك سيارة ومنزلا ومحمولا والإيحاء بأنه يحصل على أموال غير مشروعة من عمله. وانتقادهم رفض هذا الخورى الزواج بين مارونية وكاثوليكى وقوله بان المسيحية الحقة هى المارونية. ورفض اغلب الجالسين هذا الرأى الذى يتحيز لطائفة بعينها. ويتطور الحديث عن الاديان بمعناها الاشمل. وتدافع ريتا عن حق الانسان فى اختيار ما يريد من دين وعدم خضوعه للديانة المفروضة عليه منذ ميلاده. عند انقطاع الكهرباء وتشغيل المولد يتطرق الحاضرون الى اوضاع البنية الاساسية المهترئة بلبنان ويرجعون السبب الى السلطات وفساد المحليات، فيعترض الاب انطوان لعلاقاته الجيدة مع السلطة هناك. يمر محصل الكهرباء فتفزع الخالة لانه ملتح وتقول: هل ارسلوا لنا داعشيا يوم العيد. نفس تلك السيدة تبدو متحفظة دينيا وبعد قليل متشددة تجاه المسلمين، اذ تنتقد وجود محجبات بمدينة باريس عندما تزورها، وان هؤلاء افسدوا تلك المدينة الجميلة. وانها تسعد بلبنان أكثر لان كل طائفة لها حيها الخاص حيث لا تضطر لرؤية المختلفين عنها فى الدين او الهوية. تكتشف الام سرقة مبلغ 12 الف دولار من المنزل وتخبئ الأمر عن الجميع حتى لا تفسد عليهم يوم العيد. لكن القلق يقتلها ولا تستطيع اكمال الجلوس معهم. الخالة المتشددة تعنف ابنها المراهق وتلعن اليوم الذى انجبته لرغبته فى تركهم والنزول مع اصدقائه. وتبدو هناك حالة من عدم قبول الاسرة لعلاقة الابن سيرج بحبيبته المسلمة ليلى التى اصطحبها معه للغذاء. وتظل الصراعات صغيرة مع كل موضوع جديد يطرح حتى تعلن الام عن فقدان المال بعد اكثر من ثلثى الفيلم. ويتفجر الصراع الاكبر عندما يتهم اغلب الموجودين بعضهم البعض بالسرقة، ويظهر كيف ان نفوس الجميع مليئة بالكراهية وعدم القبول ببعض. وكأن اختلاف هؤلاء هو نقمة لهم وليس نعمة كما هو الطبيعى فى تكامل البشر. لنتساءل هنا هل: السبب فى ذلك هو اختلاف الطباع ام الطبيعة الشخصية لافراد تلك الاسرة ام للمحيط الطائفى الذى جعلهم هكذا؟ يحارب البشر العنصرية منذ بداية التاريخ، والكثير من بلادنا العربية اصيبت بهذا الداء. ومن هنا تنبع اهمية الفيلم الذى يحارب المشاعر السلبية للبشر تجاه بعضهم، واحيانا دون سبب. يعيب الفيلم عدم تفجر الصراع الرئيسى لموضوع السرقة مبكرا، مما جعل الفيلم يبدو فى أوقات كثيرة دردشة تلقائية حول موضوعات لبنانية مهمة وحساسة. وظيفة الصراع الدرامى هى دفع الحبكة الى الامام واظهار الشخصيات من خلال الافعال وليس الاقوال. ينتهى الفيلم بالاب يخبر الام بأن المبلغ تم ايداعه بالبنك ولم يسرق. كان بالاحرى على المخرج ان يجعلنا نشك فى الكل باعتبارهم سارقين بعد فترة وجيزة من بدء الفيلم لتتطور الاحداث. وكما ان موهبة المخرج واضحة، نقص خبرته السينمائية واضح ايضا. لكن خلفيته المسرحية كان لها الأثر الأكبر لنجاحه، حيث افادت اضفاء التلقائية على حوار الممثلين وقدرتهم على حفظ مقاطع طويلة رغم انهم يمثلون للمرة الأولى امام كاميرا السينما. لمزيد من مقالات د. أحمد عاطف