جلست أراقب هذا الزخم الحادث بين جميع الأطراف السياسية وما يحدث فى الإعلام من مشاجرات ومهاترات واعتراضات تارة على تعيين رؤساء تحرير بعضهم ينتمون للنظام السابق بأيدى الإخوان من خلال لجنة اختيار رؤساء التحرير. التى حاولت الإعتماد على معايير وضعت لأول مرة بعد عقود كان يتم فيها تعيين رؤساء التحرير من قبل النظام السابق بترتيبات أمنية لضمان الولاء.. وتارة بالهجوم على الإخوان واتهامهم بأنهم يسعون لأخونة الدولة عن طريق اختيار قيادات فى كل المواقع تدين لهم بالولاء وتارة أخرى حول صدى القرارات الأخيرة للرئيس محمد مرسي بإقالة المشير طنطاوى وآخرين مع أن المشير قضى مايربو على العشرين عاماً وزيراً للدفاع والإنتاج الحربي، وكان أمراً بديهياً أن يفسح المجال لقيادات شابة جديدة تستكمل مسيرة الدفاع عن بلدنا الحبيب.. المهم، فكرت ماذا أكتب لكننى وجدت عقلى يعانى من نفس حالة اللخبطة والشقلبة وخفت أن أؤيد "فل" أو أن أهاجم ثورة فآثرت السلامة وقررت أن أطرح مجموعة من التساؤلات على أهل موقع التواصل الإجتماعى "تويتر" لأرى ماذا يدور فى الأذهان... كانت تساؤلاتى لمن يرفضون حكم الإخوان، لماذا يرفضونه؟ وما هو مفهوم التعصب من وجهة نظرك أيها المواطن؟ وما هى أوجه التشابه والإختلاف بين حكم مبارك والإخوان؟.. قالت أنا ثورية يسارية، وأرفض حكم الإخوان لأنه يميني رأسمالي محافظ يتبع نفس أدوات نظام مبارك بمعدل أقل من الفساد لذلك فأنا ضده! وأضافت دعك من مواقف الإخوان المتخاذلة من الثورة والتي بيعت خلالها دماء إخواننا مرة تلو الأخرى! لكن بصراحة الإخوان في "مصر" انتهازيون وطالبو سلطة. الثورة كانت أملا لهم للإطاحة بنظام مبارك والحلول محله. لهذا شاركوا فى الثورة، وميلهم للإصلاحية عن الثورية يجعلهم على استعداد للتفاوض من أجل المكاسب أكثر من النضال من أجلها. أنا هنا أتحدث عن القيادات، عملهم الخدمي وسط الناس على مر السنين الماضية كان حجر الأساس في وصولهم للحكم بالصناديق، غير أن العمل الخدمي الأهلي يصلح للمنظمات غير الحكومية خارج إطار النظام، ولا يصلح كسياسة دولة. سياسيا أراهم يمينيين رأسماليين ورجال أعمال- أتحدث عن القيادات مجددا- ولهذا لن يتم تغيير نظام مبارك جذريا، فقط محاولة القضاء على الفساد الفج فيه، ورغم ما يقال عن محدودية سلطات الرئيس بسبب الإعلان الدستورى فإنه غير صحيح، ألا تعتبر قرارات مرسي الأخيرة مثلا دليلا على اتساع صلاحياته بعكس الخطاب المشاع لدرء التهم عنه؟! لو أراد الإخوان عزل المجلس العسكري بكامله فيستطيعون. ولكن السؤال الحقيقى هو هل يريدون؟! وأخيراً أحب أن أضيف أن تقديم نفسك في العمل السياسي تحت غطاء الخطاب الديني يضفي القدسية على أفكارك ويجعلك ديكتاتورا بالفطرة! قال آخر، المقارنة بين نظام لم يتسلم اي مسؤولية كاملة للآن و لا نعرف ماهيته و بين نظام مبارك دون ادني شك ظالمة، اتفق مع موضوع أن إضفاء نوع من الحماية عن طريق نوع معين من الخطاب الديني خطأ وخطير. لكن هذا لم يقول به الاخوان للآن. دعونا ننتظرلنري! هم فعلاً مختلفون أيديولوجيا و تنظيمياً. لست منهم لاكون في وضع يشرح بتفاصيل اكثر لكن أنا أتطلع للتغيير و أظنهم قادرون ان أخذوا فرصة عادلة وفي رأيي لن ياخذوها، و تصرف الدولة العميقة يضر بكل أسس كينونة المجتمع المصري.. أضاف، هم قالوا انهم يستطيعون النجاح والنهوض بالدولة، اما ان نعطيهم الفرصة كاملة دون ترقب الأخطاء، او لنرجعهم الي السجون و نعيد مبارك! فجأة إخترقت آذانى عبارة "طُظ" من المذياع، قالها المرشد السابق محمد مهدى عاكف فى حوار لأحد البرامج التليفزيونية الرمضانية، قال إن " إذا إرتضى الشعب الحكم الإسلامي إذاً "طُظ" في أي واحد يرفضه... تذكرت مبارك حين قالوا له أن بعض السياسيين إعترضوا على نتائج الإنتخابات وأسسوا برلماناً موازياً، قال لهم "خليهم يتسلوا وكأنه أيضاً يقول لهم طُظ "... تذكرت أيضاً مسيرة "الطُظ" فى المجتمع المصرى، جرب أن تنبه أحداً إلى احترام إشارة المرور سينظر إليك و"طُظ" كبيرة ترتسم على وجهه، "طُظ" فى إشارة المرور ، و"طُظ" فى القانون وطُظ فيك أنت شخصياً.. كثير من "الطظ" يملأ المجتمع والناس يشاهدونه بلا مبالاة.. القضية إذاً ليست فى تغيير النظام ولا القوانين ولا الأشخاص، القضية الحقيقية هى قضية "طُظ"، تلك "الطُظ التى اجتاحت المجتمع المصرى منذ عقود، لا أعرف على وجه التحديد متى لكنى أتذكر أن أكبر"طُظ" قالها محجوب عبد الدايم فى رائعة نجيب محفوظ الشهيرة "القاهرة 30".. ومن وقتها و"طُظ" تنخر فى أركان المجتمع المصرى، لا أحد يحترم القانون، ولا أحد يحترم حريات الآخرين، ولم يعودوا يحترمون النساء فيتحرشون بهم فى كل مكان وعلى مرأى ومسمع من الجميع وجميعهم يتحصنون "بالطُظ" الكبرى.. مصر تعانى من فيروس "الطظ" أكثر مما تعانى من الأمراض المتوطنة الأخرى التى انتشرت أصلاً بفعل "الطظ" فى الإهتمام بالشعب وصحته والسياسات التى تكفل له حياة كريمة.. لن يتقدم هذا البلد إلا إذا قررنا جميعاً أن نتغلب على هذا الفيروس المدمر وأن نستعيد اهتمامنا بالتفاصيل التى من خلالها تبنى الأمم وتنجح فلا يقال لها "طظ"... المزيد من مقالات أحمد محمود