كم كانت سعادتنا بالغة عندما أعلن رئيس الجمهورية فى خطابه فى مجلس النواب بعد أدائه اليمين لولايته الثانية أنه سوف يولى اهتمامه الكبير للتعليم والصحة وبناء الإنسان المصرى أى الثقافة. وربما كانت الثقافة أو هى فى الواقع أكثر أعباء هذه المرحلة أهمية فإن بناء الإنسان أصعب من بناء أى شىء آخر وتعمد الدول الناهضة دائما على الارتقاء بثقافة شعوبها حتى يتيسر لها النهوض بالأعباء الأخرى. ولذلك فإن أكثر حقائب الوزارة الجديدة خطورة هى حقيبة وزارة الثقافة فإن أعباءها ثقيلة وتتطلب العمل الدائب حتى يتوافق بناء الإنسان المصرى مع النهضة العمرانية الضخمة التى هى أشبه بالمعجزات وتذكرنا ببناء الأهرام والمعابد الخالدة التى نفخر بها دائما أمام العالم كله. ولقد كنت أتحدث مع صديقى المقرب الدكتور فوزى فهمى وهو من كبار المثقفين، وإنجازاته فى مجال الثقافة والفنون كبيرة وعديدة خاصة عندما كان يتولى رئاسة «أكاديمية الفنون». كان الحديث يدور حول مقدرة الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة الحالية فى النهوض بهذه المسئولية الضخمة التى يتطلع المثقفون وغير المثقفين إلى جنى ثمارها. وفى الحقيقة فقد أشاد الدكتور فوزى فهمى بشخصية الدكتورة إيناس عبد الدايم وأخبرنى بأنه من خلال معرفته بها لمس بها النشاط وحب العمل والإبداع ويتوقع أن يتحقق على يديها الكثير فى مجال الثقافة عامة ومجال الفنون خاصة. فذكرت له نشاطها الذى لا ينكره أحد عندما كانت ترأس دار الأوبرا حيث جعلت منها منارة للفنون الموسيقية ولا ينقص من هذا النشاط إلا القليل من الدعم المادى الذى يقف دائما حائلا بينه وبين الكثير من الأنشطة الثقافية. نحن نعلم جيداً أن أعباء الثقافة وتبعاتها كبيرة للغاية مما يزيد من جهد الدكتورة الوزيرة ولكن فى نفس الوقت لا نخلى واجب المثقفين من المسئولية. إن مركب الثقافة يتطلب جهد الجميع للسير به فلا يجب أن يكتفى السادة المثقفون بالوقوف والتربص بما تقوم به الوزيرة بل عليهم أن يقوموا هم الآخرون بتبعاتهم والوفاء بها لتحقيق هذه النهضة التى ننشدها جميعا كل فى تخصصه حتى ولو كان ذلك بعيداً عن مناصب وزارة الثقافة وبعيداً عما يمكن أن يجنيه أى واحد منهم من مكاسب مادية أو شخصية. ويجب أن تعلم الدكتورة الوزيرة بأن منصب وزير الثقافة فى هذه المرحلة لا تقل مسئولياته عن مسئولية رئيس الحكومة نفسه ولذلك فنحن نعتبر الدكتورة الوزيرة بمثابة رئيس وزراء الثقافة فى مصر كل من يعمل معها ويساعدها هو بمثابة وزير للثقافة ولذلك فإن أصعب مشاكل الدكتورة الوزيرة سوف يكون عنصر اختيار المسئولين فى وزارتها. ويجب أن يتحقق هذا العنصر بخبرة واسعة ودقة شديدة حتى لا تضطرها عروض سوء الاختيار إلى البحث من جديد عن الأصلح. يجب اختيار من هم على درجة عالية من الكفاءة والمعرفة والرؤية الثاقبة والموضوعية التامة فى النظر إلى كل أمر من الأمور. ويجب ألا تعتمد الدكتورة الوزيرة على السلك الوظيفى فقط فتقوم بترقية أحدهم لوظيفة على درجة كبيرة من الأهمية لمجرد استحقاقه لها إداريا بصرف النظر عن تواضع ثقافته وفهمه لطبيعة العمل المنوط بالوظيفة. فإذا كان الأمر واجب النفاذ إداريا فيجب أن يكون إلى جانب هذا الموظف مستشار لديه المعرفة والخبرة والرؤية والحماس لمساعدة الدكتورة الوزيرة فى تحقيق أحلامها وما تصبو إليه من ارتقاء بأنشطة الوزارة يجب أن تعلم الدكتورة الوزيرة بأن ليس كل من حصل على درجة الدكتوراه يصلح للعمل لها فإن أكثرهم لا تتخطى معرفتهم ماكتبوه فى رسائلهم بينما هناك الكثير من المثقفين الحقيقيين الذين زهدوا فى الحصول على الدرجات العلمية ونهلوا كثيرا من منابع الثقافة بموسوعية تحتضن آفاقا كثيرة من المعرفة ويتطلب هذا من الدكتورة الوزيرة الشجاعة والحكمة فلا تبالى بما يقوله الحاسدون والمنافقون ولست أجد فى هذا المقام سوى أبيات من قصيدة الشاعر الفرنسى العظيم بوالو «فن الشعر» حيث ينصح قائلا : ميزوا بين الصديق الوفى والمخادع فالذى يصفق لك حقيقة يسخر منك اطلبوا النصح لا المديح المتملق سرعان ما يصيح فكل ما يسميه يثير الإعجاب ينثنى فرحا ويتباكى حنوا ويغدق عليك بالثناء الغالى فيحصرنا عصر الكتاب الجهلاء وكذلك عصر المنافقين السفهاء يجب على الدكتورة الوزيرة أن تبدأ فى إعادة النظر فى تكوين لجان المجلس الأعلى للثقافة فإذا أحسنت اختيار أعضاء هذه اللجان ورؤسائها فسوف يحدث التحرك الحقيقى والارتقاء بمستوى العمل الثقافى وفاعليته وذلك من خلال ما يملكون من سعة المعرفة ومن خلال الندوات والمؤتمرات الثقافية التى يجب الإكثار منها. ونحن نعلم أن هذه الأنشطة تستوجب ميزانيات كبيرة وأن هناك بعض اللجان لا تستطيع أن تمارس أنشطتها لعدم وجود هذه الميزانيات ولذلك يجب أن تقاتل الدكتورة الوزيرة للحصول عليها لتستطيع أن تحقق ما يريده رئيس الجمهورية من نهضة حقيقية والارتقاء بالثقافة لبناء الإنسان المصرى. وللحديث بقية عن قطاعات وزارة الثقافة وأكاديمية الفنون ومعاهدها وما يجب أن تكون عليه. لمزيد من مقالات ◀ مصطفى محرم