أعرف ما أنت فيه من هَمّ، ولكن أرجو ألا يدفعك عنوان المقال إلى السبّ، وألا تعتبر أن الكاتب قد تجرع كأسين، فطارت رأسه إلى العالمية، ثم راح يكتب حالمًا بكأس العالم. إن أردت؛ اقرأ وفكّر بهدوء، لعلك تجد ما يستحق. لماذا أخفقت مصر فى كأس العالم؟!. إنه سؤال الوقت!. طيب؛ لكن دعنا الآن نطرح السؤال من الجانب الآخر، ليكون: «.. ولماذا تنجح مصر فى كأس العالم؟!». إذا جاءت إجابتك من نوعية «الشعب كان نِفسه يفرح لأنه يستحق»؛ سأقول لك إن هذه الإجابات لا تقنع أحدًا أو تروى ظمأً، إلا عندنا فقط، أما أهل الشاطئ الآخر من الكبار؛ الذين نجحوا بالفعل أو شرَّفوا بلادهم بحق؛ فهى لا تعنى لهم شيئا!. لو قلت لك الآن إن الجماهير هى سبب خروجنا بهذا الشكل المهين؛ أعلم أنك لن تستطيع معى صبرًا، وأنك سوف تسبّ وتلعن، لكن مهلًا، فالمقصود هنا ليس جماهير الكرة، التى تمنّت - وتمنَّيتُ معها طبعا- أن تفرح، بل المقصود هو ثقافة وفكر وإدارة وأسلوب الجماهير؛ الناس؛ الأغلبية؛ الشعب، فى كل مجال؛ أسلوب الحياة الذى نشترك فيه جميعا، سواء من اللاعبين المتخاذلين، أو المسئولين فى اتحاد الكرة من أصحاب المصالح، أو الإعلاميين الرياضيين من أهل الهوي، أو المتفرجين عاشقى الكرة. إنه الفكر الذى يحكمنا؛ مسئولين ومرؤوسين، لينعكس فى أسلوب عمل وإدارة, رأى ونقد؛ تشجيع ورفض, تأييد ومعارضة، ليرسم كل ذلك ملامح شيء اسمه المنظومة, منظومة نشترك فيها جميعا، فإذا كان الناس فى الأرض، كيف ننتظر أن يكون المسئولون من كوكب الزهرة؟!. اتحاد الكرة عمومًا؛ لم يعد أسلوب إدارته يحتاج إلى تعليق، بل تحقيق، وهو نتاج هذه المنظومة. تكفى هنا الإشارة إلى واقعة واحدة نشرتها الصحف قبل 3 سنوات، وأعاد البعض الآن التذكير بها، حول رينار المدرب الحالى للمنتخب المغربى المحترم، الذى كان الاتحاد على وشك التعاقد معه وقتها، لكن عضوًا فى اتحاد الكرة السابق - لا أعرفه- حذره من الحضور إلى مصر، بحجة سوء الأوضاع الأمنية، خلافا للحقيقة، ثم تم التعاقد مع كوبر بعدها!. هل يمكن أن نفتح تحقيقا حول هذه الواقعة وحدها أو نطمع فننتظر تحقيقات شفافة حول كل ما جري؟!. وأيضا؛ لدينا لاعبون حوَّلوا غرفهم فى معسكر المنتخب إلى استديوهات لتسجيل لقاءات لقناة تليفزيونية مقابل المال، وإعلاميون رياضيون هاجموا ذلك بعنف، فقط لأن هذه اللقاءات لم تتم مع قنواتهم وبرامجهم هم، وقبل ذلك وبعده؛ رؤساء أندية ينفقون مئات الملايين على لاعبين أجانب، دون الاهتمام بالناشئين. كل ما سبق هو نتاج المنظومة ذاتها. لكن الجماهير أيضا جزء من هذه المنظومة، نعم أقصد الآن جماهير الكرة. اغضب إن شئت. ولكن؛ أتريد الدليل؟!. انبرى الناس فى مهاجمة الفنانين الذين سافروا لتشجيع المنتخب على نفقة الشركة الراعية، كأن السباب والتشويه والتشويش من وسائل إثبات الشرف والوطنية، وكأن الشخصيات العامة مستباحة الكرامة، وكأن أيًّا من الجماهير الغاضبة كان سيرفض إن جاءته الدعوة!. لكن المسألة أيضا يجب ألا تمر. كيف؟!. السؤال بسيط: هل هناك شبهة إهدار للمال العام فى الواقعة؟. الإجابة ننتظرها من الأجهزة الرقابية. وانتهى الأمر. أتريد دليلًا آخر؟!. «لما نقول الفراعنة الدنيا تقوم تسمعنا»؛ هذه العبارة الركيكة المكتوبة على حافلة لاعبى منتخب مصر؛ بلد الفن والإبداع والأدب، هى نتاج اختيارات الجماهير فى التصويت الذى أقامه الاتحاد الدولى لكرة القدم على الإنترنت!. أعرف ما تريد قوله؛ «هو ده يعنى سبب خروجنا؟!». بالطبع لا، لكنه جزء صغير من نفس المنظومة؛ منظومة القبح والسباب؛ المصالح والهوي؛ منظومة اللا إدارة، واللا عمل؛ منظومة العبث!. الحكاية بسيطة؛ قطاع الناشئين، البداية من هنا، من اليوم، لأجل الغد، فلا بناء يمكن أن يرتفع عن الأرض دون قواعد قوية، راسخة، ندعمها، كإعلام وجماهير، ونصبر عليها، حتى تشتدّ. أخيرًا.. كتبت هنا يوم 9 مايو مقالا بعنوان الديمقراطية بعد 300 سنة!، استعرضت فيه ملامح التاريخ الطويل لنضال شعوب أوروبا عبر مئات السنين حتى وصلت إلى منظومة واضحة، بالتدريج. الأمر ذاته ينطبق على كرة القدم، أو أى عمل جاد، المهم أن نحدد ما نريد، وكيف نبدأ، ثم نقرر بإخلاص أن نبدأ، ووقتها فقط سنعرف إجابة السؤال؛ متى نفوز بكأس العالم؟، دون أن نحتاج إلى وضع علامة تعجب كما فى العنوان.