هذا هو حالنا للأسف الشديد.. كلما حلت بنا ضائقة أو دهمتنا أزمة إخفاق وشعور بخيبة الأمل تثور النفوس بما فى داخلها من ضيق مكبوت وتفرزه فى شكل حزن طاغ وصراخ مسموع لا يقتصر على البكاء والنحيب فحسب وإنما يصل فى ذروة الانفعال إلى مجاراة لغة «الندابات» اللاتى كن يتم استئجارهن فى الزمن القديم لتسخين جنازة الوداع للمتوفى ومحاولة استنطاق المشيعين للترحم عليه حتى ولو لم يكن يستحق الرحمة أو حتى مسيرة الوداع! والحقيقة أن هذه العادة الجنائزية فى التعامل مع الأحداث المؤلمة عادة فرعونية وعربية قديمة توارثناها جيلا بعد جيل ورغم أن هذه العادة اختفت وتلاشت تقريبا فى الحقب الزمنية الأخيرة بعد أن نضج الوعى المجتمعى بحقيقة وحتمية الموت ومن ثم انقرضت مهنة «الندابة» فى الجنازات ولكن مع ذلك بقيت جذور وظلال هذه العادة متأصلة فى بعض النفوس وكأنها أشبه بالغريزة الذاتية التى تبحث عن متنفس لإخراج مكبوت الطاقة فى الأزمات والملمات العامة.. وليس ما نعيشه هذه الأيام عقب إخفاق منتخبنا الوطنى لكرة القدم فى مباريات الدور الأول لكأس العالم فى روسيا سوى صورة من صور التعامل الجنائزى مع الأحداث والذى لم نستطع أن نتخلص منه رغم أننا نعيش عصرا تجاوز منذ سنوات بعيدة مثل هذه الأفكار والعقائد السلبية التى تتعامل بلغة البكاء على ما ضاع وتعجز عن التعامل الصحيح بثقافة استنهاض الأمل فى غد أفضل بمنهج المراجعة والتصحيح. ولأننا جميعا أصابنا قدر من الحزن والألم لما جرى فإن علينا أن نعى أن الألم ظاهرة صحية والحزن انعكاس صادق لمشاعر حية ولكن دون انزلاق إلى إحباط وتشاؤم يصيب الجسد المجتمعى «روحا وعقلا» بالضعف والهوان ويفرز أحاسيس سلبية بالعجز وفقدان الأمل فى الغد.. وهذا هو ما لا يجوز وما لا ينبغى أن نسمح به! وغدا نستكمل الحديث خير الكلام: ضيق الأفق يحرم المرء من استيعاب الأحداث وفهم مسبباتها! [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله