بعد حرب 1967 آمنت اسرائيل بأن جيشها هو الجيش الذى لا يمكن هزيمته، ووصلت الثقة الى حد الغرور حتى إن الجنرال اسحق رابين صرح قائلا بواسطة قواتنا الجوية نستطيع ان نغزو أى مكان فى العالم حتى لو كان القطب الشمالى. وفى المقابل رفضت مصر شعبا وحكومة الهزيمة واصبح شعارنا كمواطنين وقوات مسلحة «ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة» ولم ترضخ سياسيا لاسرائيل وكان القرار لا مفاوضات ولا صلح مع اسرائيل طالما أن هناك أرضا مصرية محتلة وبدأت حرب الاستنزاف. اعتبارا من شهر يونيو 69 بدأت اسرائيل فى سياسة الردع باستخدام قواتها الجوية وتحولت حرب الاستنزاف الى حرب جوية بقصف مواقع القوات المسلحة غرب القناة مع التركيز على كتائب الصواريخ وعناصر المدفعية المضادة للطائرات ولم تتمكن عناصر الدفاع الجوى فى هذا التوقيت من التصدى لهذه الهجمات الجوية وقد أعلن ايجال آلون فى بداية حرب الاستنزاف أن اسرائيل ستمنع اقامة شبكة صواريخ جديدة فى منطقة الجبهة أو ترميم الشبكة القائمة. وفى يوم 25 ديسمبر 69 وبعد وصول الدعم الامريكى لاسرائيل من طائرات الفانتوم وسكاى هوك بدأت أعنف عمليات هجوم جوى ضد كتائب الصواريخ المتمركزة بالجبهة بواسطة 192 طائرة قتال ولمدة 8 ساعات متتالية وبنهاية هذا اليوم اصبحت جبهة القتال خالية من عناصر صواريخ الدفاع الجوى. اعتبارا من 6 يناير 1970 وافقت لجنة الدفاع والامن الاسرائيلى على قصف العمق المصرى وبدأت عمليات قصف العمق المصرى بغرض اضعاف القيادة السياسية وصرحت جولدا مائير بأن الطريقة الوحيدة التى يمكن أن تمنع حربا شاملة فى المستقبل هى ضرب العمق المصرى بعنف. واعتبارا من يناير 1970 تم توجيه العديد من الهجمات الجوية ضد الاهداف المدنية بالقاهرة الاسماعلية السويس التل الكبير انشاص دهشور هايكستب وكتائب الصواريخ واشترك فى عمليات القصف فى العمق المصرى 3838 طلعة طائرة استغرقت نحو 168 ساعة خلال الاربعة اشهر الاولى من عام 1970، وراح العشرات من المدنيين الابرياء شهداء وجرحى. وفى 17 ابريل 1970 تم وقف قصف العمق والتركيز على مهاجمة قواعد الصواريخ. وماذا كان رد فعل القوات المسلحة إزاء استراتيجية اسرائيل فى استخدامها الموسع لقواتها الجوية؟. كانت نتيجة الدراسات العسكرية والفنية للقوات المسلحة المصرية هى أنها لن تكون قادرة على القيام بعمليات هجومية لتحرير الارض إلا إذا استطاعت إقامة نظام دفاع جوى قادر على حماية القوات البرية.. وصدر القرار الجمهورى بتشكيل قوات الدفاع الجوى كفرع رئيسى فى القوات المسلحة المصرية وذلك فى فبراير 1968 تحت قيادة اللواء محمد على فهمى. وكان قرار قيادة قوات الدفاع الجوى هو بناء حائط للصواريخ يكون قادرا على التصدى لطائرات العدو ومنعها من مهاجمة قواتنا المسلحة والتمهيد لحرب التحرير. ولقد توصل مخططو الدفاع الجوى إلى أنه لابد من أن تكون هناك منظومة متكاملة تمكن قوات الدفاع الجوى من تنفيذ مهامها القتالية بنجاح تام بإعادة تنظيم مراكز قيادة مشتركة مع القوات الجوية مع وجود شبكة انذار متكاملة لاكتشاف العدو الجوى على جميع الارتفاعات والتنسيق مع القوات الجوية بخصوص تمركز المقاتلات واسلوب التعاون مع توافر شبكة مواصلات للقيادة والسيطرة والانذار بأنواعه المختلفة مع توحيد القيادة والسيطرة لجميع عناصر الدفاع الجوى تحت قيادة واحدة. كان إنشاء حائط الصواريخ للدفاع الجوى الذى أشادت به المعاهد الاستراتيجية العالمية ملحمة كفاح مصرية تستحق أن تدرس عسكريا للكشف عن اعجاز الشخصية المصرية فى التحدى حيث تم بناء حائط الصواريخ خلال 40 يوما تضافرت فيه الجهود ليل نهار للشركات الهندسية المدنية وعناصر المهندسين العسكريين معا تحت وابل من القصف الجوى المستمر وبدأت باجتماعات حضرها الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية فى 9 ابريل و16 ابريل والفريق محمد فوزى وزير الحربية واللواء محمد على فهمى قائد قوات الدفاع الجوى ومعهم بعض من قادة لواءات الصواريخ وعدد من قادة كتائب الصواريخ... للتخطيط لإقامة حائط الصواريخ الذى استخدم لانشاء 30 مليون متر مكعب من اعمال الحفر والردم و3 ملايين متر مكعب من الخرسانة، بالاضافة الى 2000 كيلومتر من الطرق والمدقات وتمكنت كتائب صواريخ الدفاع الجوى من احتلال المواقع بنظام الوثبات بحيث تحمى احداها الأخرى..... وفى صباح يوم 30 يونيو 1970 اكتمل بناء حائط الصواريخ ولم ينته اليوم حتى تم تدمير طائرتى فانتوم، طائرتى سكاى هوك وأسر ثلاثة طيارين وتوالى بعدها اسبوع ثقيل على العدو الجوى الاسرائيلى واطلقوا عليه اسبوع تساقط الفانتوم واستمرت مهاجمة تجميع الصواريخ وخلال 38 يوما وحتى 7/8/1970 كانت خسائر الجانب الاسرائيلى هى تدمير 17 طائرة واصابة 34، بالاضافة الى عدد من الاسرى .بمعنى ان الذراع الطويلة لاسرائيل قد بترت وتآكلت طائراته ولم يجرؤ من الاقتراب من قناة السويس مما اتاح لقواتنا البرية الفتح وبناء الدفاعات والاستعداد لحرب التحرير، ونتيجة لذلك اعادت اسرائيل طرح مبادرة روجرز لايقاف اطلاق النيران التى رفضتها اسرائيل بعد يونيو 67.....وفى يوم 7 اغسطس وقبل اعلان وقف اطلاق النيران يوم 8 اغسطس صدرت التعليمات الى وحدات صواريخ الدفاع الجوى بالتقدم فى حدود 30 كم فى اتجاه قناة السويس مع تدعيمها بكتائب صواريخ اخرى، وبذلك اصبحت قناة السويس تحت الحماية المباشرة مؤمنة بصواريخ وعناصر الدفاع الجوى المصرى مما يؤمن عملية عبور قواتنا البرية. لقد استحق يوم 30 يونيو من كل عام أن يكون عيدا لقوات الدفاع الجوى، فهو تجسيد حقيقى لما تم انجازه من حائط الصواريخ الشهير والذى لم يعد مجرد قدرة الصواريخ المصرية على إسقاط عدد 12 طائرة اسرائيلية فى اسبوع واحد حتى إنه اطلق عليه اسبوع تساقط الفانتوم ولكن كان بمثابة ملحمة كفاح مصرية تستحق أن تدرس عسكريا واجتماعيا للكشف عن إعجاز الشخصية المصرية من القوات المسلحة وعناصر دعمها من مختلف طوائف الشعب المصرى العظيم .
القائد الأسبق لقوات الدفاع الجوى لمزيد من مقالات فريق محمد زاهر عبدالرحمن