بدء مؤتمر الهيئة الوطنية لإعلان الجدول الزمني لانتخابات النواب    طرح النهر يغرق ومصر تُجيد إدارة الفيضان.. خطة استباقية تُثبت كفاءة الدولة في موازنة الأمن المائي وسلامة المواطنين    المديرة التنفيذية لصندوق "قادرون باختلاف" تترأس اجتماعاً لاستعراض استراتيجية عمل الصندوق وإعداد مقترح الهيكل التنظيمي    رئيس اتحاد غرف التجارة: الابتكار العمود الفقري للاقتصاد الرقمي    رئيس الوزراء: تنظيم معرض تراثنا للعام السابع على التوالي يؤكد اهتمام القيادة السياسية بقطاع الحرف اليدوية    السيسي يوجه بتأمين الإمدادات البترولية لتشغيل محطات الكهرباء دون انقطاع    أسعار الدواجن في مرسى مطروح اليوم    السبت 4 أكتوبر 2025.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    وزير الزراعة يعلن تحقيق الصادرات الزراعية المصرية 7.5 مليون طن حتى الآن    بعد رد حماس على خطة ترامب.. ماذا يحدث داخل تل أبيب؟    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى أكثر من 67 ألف شهيد ونحو 170 ألف مصاب    المجر تتمسك بالنفط والغاز الروسيين بينما يسعى الاتحاد الأوروبي والناتو إلى خفض الإمدادات    وزير الرياضة يهنئ أبطال التايكوندو بتصدر التصنيف العالمي    اليوم.. حسام حسن يعلن قائمة منتخب مصر لمواجهتي جيبوتي وغينيا بيساو    بمشاركة 1000 شاب وفتاة.. الشباب والرياضة بالقليوبية تنظم مسيرة شبابية احتفالا بذكرى النصر    دفاع المتهم الثالث في قضية المخدرات الكبرى يطلب من المحكمة تمكينه من الاطلاع على ملف القضية    "الأرصاد": فرص أمطار اليوم على هذه المناطق    ضبط عناصر بؤر إجرامية لجلب المخدرات ومصرع 4 عناصر جنائية شديدة الخطورة عقب تبادل إطلاق النيران مع قوات الشرطة (صور)    قوافل طبية وغذائية لدعم الأسر المتضررة من ارتفاع منسوب مياه النيل بدلهمو بالمنوفية    إخماد حريق بمصنع ملابس في مدينة العاشر من رمضان    فردوس عبد الحميد في مهرجان الإسكندرية: ندمت على تقصيري مع أولادي رغم حبي للفن    التضامن: فريق التدخل السريع وفرقه المحلية تعاملوا مع 662 بلاغاً بمحافظات الجمهورية خلال شهر سبتمبر    "المسلخ رقم 5" رواية ترصد انتشار اضطراب ما بعد الصدمة الناتج عن الحروب    الشروق تنشر تفاصيل حالة مقبرة أمنحتب الثالث قبل وبعد مشروع الترميم    وزير الخارجية يلتقي سفراء الدول الإفريقية المعتمدين لدى اليونسكو    إيرادات فيلم "فيها إيه يعني" تتجاوز حاجز ال10 ملايين جنيه    مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الشرقية    «التأمين الصحي»: خطة تطوير شاملة لمستشفى النيل بالقليوبية ورفع كفاءة خدمات الطوارئ والرعاية    الرعاية الصحية ببورسعيد بعد إجراء جراحة دقيقة: التكنولوجيا الصحية لم تعد حكرا على أحد    وكيل صحة الشرقية يشارك في المؤتمر العلمي الرابع لأمراض الكلى بسوهاج    جامعة قناة السويس تطلق قافلة طبية شاملة بمدينة سانت كاترين    "الوكالة الوطنية للإعلام": سقوط طائرة إسرائيلية مسيّرة عن بُعد في منطقة "وادي فيسان" في "جرود الهرمل" شرقي لبنان    خطوات تنزيل تردد قناة طيور بيبي الجديد 2025 على جميع الأقمار الصناعية    "تابع الآن قيامة عثمان" تردد قناة الفجر الجزائرية الجديد على جميع الأقمار الصناعية بجودة hd    موجة انتقادات لاذعة تطارد محمد صلاح.. ماذا فعل النجم المصري؟    القبض على المتهمين بالاعتداء على شاب أثناء سيره بصحبة زوجته فى الحوامدية    ما حكم من لم يقدر على الوضوء لأجل الصلاة؟.. الإفتاء توضح    تفاصيل حفل استقبال طلاب الطب البيطري بجامعة قناة السويس    تاريخ الإغلاقات الحكومية فى أمريكا.. بدأت فى 1976 وآخرها كان الأطول    ورشة تدريبية في فنون المونتاج بجامعة قناة السويس لتعزيز المهارات    موعد مباراة بايرن ميونخ وفرانكفورت في الدوري الألماني.. والقنوات الناقلة    زكى القاضى: موافقة حماس تنقل الكرة لملعب ترامب.. والخطة لا تشمل الضفة الغربية    وصول سارة خليفة وعصابتها لمحكمة الجنايات وسط حراسة مشددة    هالة عادل: عمل الخير وصنع المعروف أخلاق نبيلة تبني المحبة بين البشر    90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 4 أكتوبر 2025    مصرع سيدتين وإصابة 7 في حادث تصادم مروّع بالفيوم    95 منظمة دولية وإقليمية تشارك في «أسبوع القاهرة الثامن للمياه»    تشكيل الزمالك المتوقع أمام غزل المحلة بالدوري    من غير مواد حافظة.. طريقة عمل الكاتشب في البيت لسندوتشات الأطفال    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة قنا    دار الإفتاء توضح: حكم الصلاة بالحركات فقط دون قراءة سور أو أدعية    وزير الخارجية يثمن الدعم الفرنسي للمرشح المصري لرئاسة اليونسكو خالد العناني    مواعيد مباريات اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 والقنوات الناقلة    هل إجازة 6 أكتوبر 2025 الإثنين أم الخميس؟ قرار الحكومة يحسم الجدل    اللواء مجدى مرسي عزيز: دمرنا 20 دبابة.. وحصلنا على خرائط ووثائق هامة    فلسطين.. طائرات الاحتلال المسيّرة تطلق النار على شرق مدينة غزة    اسعار الذهب فى أسيوط اليوم السبت 4102025    تفاصيل موافقة حماس على خطة ترامب لإنهاء الحرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف نغير العالم؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 06 - 2018

صحيح أن جوهر التراجيديات إنها استبصار في المستقبل، استبصار يباعد عنا، ويمنع تخلينا عن المستقبل بإدراكنا الحكمة التي تتولد من المعاناة، وصحيح كذلك أن سؤال الرؤية التراجيدية، هو دائمًا ما يعبر عن صرخة التعاسة الإنسانية وهي تنادي الجواب المباشر كي تسترد عافيتها، مهما تكن درجة الاستحالة التي يكون عليها العالم في زمنه التاريخي والحضاري؛ إذ المسعى الذي يطرحه السؤال، كيف يمكن أن نغير وجه العالم؟.
إن سؤال الرؤية التراجيدية يقف على أنقاض أحداث المعاناة، وعند بوابة عالم المستقبل؛ لذا كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر هي موضوع تأمل ودراسة مجموعة من المسرحيين في منتدى بعنوان «حول المسرح والتراجيديا وأحداث 11 سبتمبر»، الذي دعت إليه مجلة المسرح الأمريكية، شارك فيه عدد من كبار المسرحيين المشتغلين بالصناعات الثقافية الإبداعية في الجامعات الأمريكية، بالإضافة إلى بعض الشخصيات من ذات التخصص في جامعات المكسيك وألمانيا وأيرلندا، وذلك تجاوبًا مع مفهوم التراجيديا في سياق هذه الأحداث التي تغير وجه العالم، ولمخاطبة الوقائع التراجيدية التي يجب عليهم مواجهتها، وتحديدًا الكشف عن المعاناة التراجيدية بين الثقافة كامتلاء روحي، وبين الممارسات السياسية المتحالفة مع الخواء الروحي والاجتياح بالقوة المادية الطاردة لكل القيم الإنسانية، وذلك فرضًا للسيطرة.
ضمت وثائق هذا المنتدى ستًا وعشرين مداخلة موقعة من أصحابها، منها مداخلة «آونا تشودري» من جامعة نيويورك، التي تؤكد أن الوهم المتغطرس بالسيادة المجردة والبعيدة والمرئية، يعد أهم عنصر في التراجيديا التي ألمت «بالبرجين»، وآمل أن نكون قد خرجنا بعبرة وعظة من سقوط «البرجين» سقوطًا عنيفًا، وهي عبرة وعظة تعرف في التراجيديا الكلاسيكية بمبدأ سقوط العظماء.
أصابت «آونا تشودري» في رصدها بأن سقوط » البرجين« هو قمة المعاناة، ومن فوق أنقاضهما تبدى طرح سؤال الرؤية التراجيدية: ترى إلى أين سيمضي العالم من قلب هذه الأحداث؟ إن شرط التراجيديا ليس نهايتها؛ وإنما شرطها الصحيح هو مساحة وقدر وكثافة المعاناة التي تعرضها، وتبلغ حدًا من الزخم والحدة، حتى إنه ما من نهاية يمكن أن تمحو انطباع هذه المعاناة الهائلة من الأذهان، فإذا ما تساءلنا: ترى هل يمكن أن يمحى حدث «البرجين» من الذاكرة؟ فلا يمكن أن تكون الإجابة أن قتل «بن لادن» و«الملا عمر» وغيرهما يساوي، أو باستطاعته أن يرفع المعاناة التراجيدية التي تشقي باستمرارها المرعب الذاكرة، فعلى القياس لا يمكن أن يمحو فقأ «أوديب» لعينيه معاناة الفعل التراجيدي، بقتله لأبيه ومضاجعته لأمه، إن تعظيم تأثيم الخطأ التراجيدي يعني أنه لا يعدله عقاب، إذ ما ينتج منه من معاناة هائلة، وعذابات مذهلة لا يبررها قصاص، ولا تلغيها أي أحكام وذلك لأن التراجيديا تبنى أفعالها وأحداثها على استحالة المراجعة، ولا تعرف المصالحة، وأيضًا لا تقبل المساومة، وذلك لأن قيمتها أنها محنة نستبصر من خلالها المستقبل بقدر إدراكنا للحكمة من معايشة أحداثها؛ لذا فإن «آونا تشودري» على حق فيما أعلنته عن أملها في إدراك العظمة والحكمة من معاناة «السقوط»، وذلك دفعًا لمستوى الوعي، امتلاكًا لأدوات القطيعة مع العماء مستقبلاً.
أما «ديانا تيلور» فإنها في مداخلتها تحاول القبض على الواقع، بإعادة ترتيب الأحداث على نحو يتيح فهم ما لم يفهم، فتتخذ من البناء التقليدي للتراجيديا إطارًا لهذا الترتيب، من حيث البداية والوسط والنهاية، فالبداية للحدث التراجيدي- كما ترى- ليست على النحو الذي بدأ به الحدث، فهي تتساءل: «هل يبدأ الحدث التراجيدي -حقًا- من الحادي عشر من سبتمبر؟ قد يقول بعضهم إنه تم اختطافنا قبل وقت طويل من ذلك التاريخ، ربما مع بداية الخريف السابق عليه، عندما خرجت الانتخابات عن مسارها «الطبيعي».
إن «ديانا تيلور» تحفر لتقرأ وقائع وممارسات أحداث مفتوحة وصارخة على خريطة المجتمع الأمريكي، تراها على صلة بامتدادات الحدث التراجيدي، كإشارتها إلى الخلخلة التي أحدثتها الممارسة السياسية لمصداقية إجراءات فحص بطاقات الانتخابات الأمريكية لمنصب الرئاسة. ومن الواضح أن «ديانا تيلور» ترتكز في بنائها للأحداث على الكشف عن ممارسات مشخصة في المجتمع الأمريكي، تستجيب لما يعرف في بناء التراجيديا بالاعتداء الجائر أو الانتهاك أو الاغتصاب لحقوق الآخرين، والذي يشكل أحد عناصر المعاناة.
وتتوالد إشارات «ديانا تيلور» لإخفاقات ممارسات في المجتمع الأمريكي تعريها في امتداداتها ماضيًا وحاضرًا: «فالبنود المهمة على الأجندة الوطنية، مثل تحسين التعليم وغيره، قد تبخرت، والضحايا ظلوا دون حصر، مع أنه تم التعرف عليهم، وسوف يزداد الضحايا عددًا كل يوم مع صدور تشريعات مناهضة للإرهاب والعواطف المعادية للمهاجرين، وقد يوضح آخرون أننا كنا في طريقنا إلى صدام حتمي منذ عقود مع الدول الإسلامية المنتجة للنفط، هل المواطن المدني من بين الضحايا المستهدفين؟».
إن «ديانا تيلور» تعترف -على المجاز- باستمرار وامتداد الممارسات التي يغيب عنها مفهوم حقوق الآخرين، وتفتقد القيم الإنسانية، ومعنى حياة الناس وموتهم على السواء؛ بل تكاد تتفق «ديانا تيلور» مع «آونا تشودري» في أن فهم العظة، وإدراك الحكمة لن يأتيا من النهاية؛ وإنما من فعل «السقوط ذاته»، إذ ترى «ديانا تيلور» أنه «بالنسبة إلى النهاية، يبدو أن لا شيء مؤكدا، إلا أن النهاية لن تكون سريعة، ولا معنى لها، ولن تطهرنا». وفي سياق رفضها تطرح بديلاً يخالف عنوان المنتدى؛ إذ ترى: «ربما كانت اللغة العربية، لا التراجيديا، هي اللغة التي نحن في حاجة إلى فهمها، حتى نفهم القضايا والمخاطر».
وبهذا المعنى فإن «ديانا تيلور» ترفض مبدأ الصدام الحضاري، وتؤيد فكرة الحوار الحضاري، فدعوتها إلى ضرورة فهم اللغة العربية تعني محاولة فهم حصيلة ما يمارسه أو يتداوله أو ينتجه أو يفعله أصحاب هذه اللغة، أي حصيلة مفاهيمهم ومناهجهم ووسائلهم وعلاقاتهم بقيمهم، أي فك الحصار عن مساحات الفهم والاستيعاب، ورفض الإقصاء، وتغذية الخلافات.
إنها دعوة إلى التواصل والتداول، تتطلب الاعتراف بحقوق الآخرين دون الاعتداء الجائر بالقوة المادية استهدافًا إلى الاستتباع كآلية لإدارة الوجود، أم أن القوة تبحث عن أهدافها؟
لمزيد من مقالات ◀ د. فوزى فهمى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.