برغم الغبار الكثيف.. الذي مازال يحيط بموقع جريمة الغدر والخسة في رفح.. وبرغم الغموض الذي مازال يكتنف الكثير من ملابسات هذه الجريمة الوحشية.. وبرغم الحيرة التي مازالت تسيطر علي الذهن وهو يتساءل كيف يمكن لرجال أن يطلقوا النار بهذه الطريقة الحيوانية علي جنود وهم يتناولون طعام الإفطار في نهاية يوم صوم طويل.. برغم كل ذلك إلا أنه يمكن قراءة بعض المؤشرات واستخلاص بعض الدلالات وكذا الدروس من تلك الجريمة البشعة. أولا: هذه الجريمة تخرج عن السياق المعتاد لكل الجرائم التي توصف بالإرهابية, والتي قد تكون شهدتها سيناء والمنطقة عموما طيلة السنوات الماضية, ولا يمكن تصور أن يقدم عليها إلا أفراد متمرسون علي الإجرام وسفك الدماء ممن لا دين لهم ولا خلاق. ثانيا: أن مخططي هذه الجريمة البشعة تعمدوا أن تكون علي أقصي درجات الوحشية في قصد مكشوف ألا وهو إحداث أكبر قدر ممكن من الاستفزاز للأطراف المراد إثارتها سواء في مصر أو الإقليم وصولا إلي هدف نهائي هو إخراج الأمور عن السيطرة وإحداث نوع من الفوضي غير المتحكم فيها. ثالثا: إن التقصير في بعض زوايا المنظومة الأمنية والاستخبارية كان واضحا للغاية قبل وفور وقوع هذه العملية ومن هنا جاءت قرارات الدكتور محمد مرسي بإقالة رئيس المخابرات العامة وتغيير عدد من الشخصيات الأمنية أو المحلية بما في ذلك محافظ شمال سيناء باعتباره المسئول السياسي والأمني الأول في محافظته موفقة تماما وفي وقتها وهي رسالة لكل ذي صلة بأن زمن الانفلات من المحاسبة قد ولي إلي غير رجعة. رابعا: إن المعالجة السياسية للوضع الراهن في سيناء وتداعيات مابعد الحادثة الإجرامية لا تقل أهمية عن المعالجة الأمنية والعسكرية الجارية, ومن ثم فإن هناك حاجة عاجلة لتحرك سريع من جانب القوي السياسية والمدنية والمجتمعية للمساهمة في الجهود المبذولة لتأمين المنطقة الحدودية والعمل علي احتواء آثار هذا العمل الإجرامي بالتعاون التام مع أهلنا في سيناء وكذلك بالتواصل مع أهلنا في غزة. تلك هي بعض المؤشرات الأولية في انتظار ما ستأتي به التحقيقات من معلومات إضافية حول ملابسات وأبعاد تلك الجريمة النكراء. المزيد من أعمدة هشام فهيم