أخيرا انعقدت القمة «التاريخية» بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في سنغافورة، وتمت صفقة نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية والصاروخية بنجاح، كما كانت ترغب وتريد واشنطن لتتخلص الولاياتالمتحدةواليابان وكوريا الجنوبية من «كابوس» التهديدات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، وهي التهديدات التي وصلت في وقت ما إلي حد «محو» اليابان وكوريا الجنوبية من علي خريطة العالم بقنابل نووية تزيد قدرتها التفجيرية بأكثر من 005 ضعف قنبلتي هيروشيما ونجازاكي اللتين ألقتهما القوات الأمريكية علي المدنيتين اليابانيتين مع نهاية الحرب العالمية الثانية في 5 و8 أغسطس عام 5491. وقمة سنغافورة تاريخية بالفعل، وربما تشبه لحد كبير الزيارة الشهيرة للرئيس الراحل أنور السادات لإسرائيل في عام 7791، فهي تاريخية أولا: لأنها أول قمة بين زعيمي البلدين علي الإطلاق، إذ لم يلتق أبدا رئيس أمريكي من قبل أي زعيم كوري شمالى منذ تأسيس الدولة في عام 8491 بالرغم من أنه لم يحكم كوريا الشمالية منذ ذلك الوقت إلا ثلاثة أشخاص هم كيم ايل سونج الأب المؤسس الذي حكم لمدة 64 عاما، ثم ابنه كيم جونج ايل، ثم حفيده الزعيم الحالي كيم جونج أون. ثانيا: لأن قمة سنغافورة سوف تغير مسار دولة كوريا الشمالية تماما، وربما نظام الحكم فيها وتضع مصير حكم أسرة كيم ايل سونج فيها مسار شكوك، بل إن استمرار بقاء دولة كوريا الشمالية ذاتها سوف يكون علي المحك في حال تسارعت إجراءات عودة الوحدة إلي شبه الجزيرة الكورية لتعود دولة واحدة كما كانت قبل عام 8491. فقد كانت ومازالت كوريا الشمالية دولة معزولة تماما عن العالم وتفرض عليها الولاياتالمتحدة وجيرانها الآسيويون فيما عدا الصينوروسيا عقوبات قاسية، وتعمل هي من جانبها علي تطوير أسلحة نووية وقدرات صاروخية تهدد بها هؤلاء الجيران في الشطر الجنوبي لشبه الجزيرة واليابانوالولاياتالمتحدة، ولا يستطيع مواطنوها السفر للخارج بسهولة، كما أنه لم يكن من السهل أن يزورها أي أجنبي سواء كان مسئولا سياسيا أو مستثمرا أو غيره حيث تحاصره الشكوك من جانبي كوريا الشمالية والخارج علي السواء. ولقد كانت هناك مؤشرات كثيرة علي أن قمة ترامب وكيم سوف تنجح وأن الطرفين عاقدان العزم علي عدم العودة إلي الوراء وإتمام صفقة نزع الأسلحة النووية لكوريا الشمالية مقابل تقديم واشنطن ضمانات مكتوبة لزعيم كوريا الشمالية تؤكد أولا: عدم سعي الولاياتالمتحدة أو حلفائها الآسيويين للإطاحة بحكمه أو تغيير النظام في بيونج يانج، ولذلك كانت النصيحة الرئيسية التي تلقاها ترامب قبل سفره إلي سنغافورة من «ثعلب» السياسة الأمريكية في آسيا هنري كيسنجر هي «لا تذكر أبدا أمام كيم نموذج ليبيا ولا تتحدث عن معمر القذافي والمصير الذي لقاه بسبب سعيه للحصول علي أسلحة نووية»! ثانيا: تقديم مساعدات مالية وتكنولوجية لدعم الاقتصاد الكوري الشمالي المنهار، ومساعدة حكومة بيونج يانج تكنولوجيا علي التحول من الصناعات العسكرية التي كان يخصص لها معظم الدخل القومي للبلاد إلي الصناعات المدنية لرفع مستويات المعيشة للسكان البالغ عددهم نحو 52 مليون نسمة، وتقليل فرص حدوث اضطرابات اجتماعية أو سياسية نتيجة الانفتاح والتغيير الكبير المتوقع حدوثه في البلاد. ولكن السؤال الآن هو.. كيف سيكون النظام الجديد في كوريا الشمالية دون أسلحة نووية أو تهديدات؟وهل يكون كيم جونج أون آخر حاكم في سلالة كيم ايل سونج وفي تاريخ ما يسمي ب «كوريا الشمالية»؟ الواقع أن معظم المحللين في الشأن الآسيوي يرون أن «نموذج فيتنام» هو الأقرب إلي التطبيق في كوريا الشمالية، وهو نموذج متطور لما هو قائم في الصين بمعني أن يظل الحزب الشيوعي الحاكم يدير شئون البلاد تماما كما في فيتناموالصين وربما يظل كيم جونج أون في الحكم علي رأس هذا الحزب حتي وفاته، إذا لم تتم الوحدة بين شطري كوريا، ولكن من المرجح ألا يتم توريث الحكم في كوريا الشمالية بعد كيم جونج أون، ومن المرجح أن تتبني كوريا الشمالية سياسة الانفتاح الاقتصادي وتسمح للشركات الأمريكيةواليابانية والكورية الجنوبية والأوروبية والمستثمرين بالدخول إلي أسواقها وافتتاح مصانع وشركات في بيونج يانج، حيث من المتوقع أن تقدم اليابان وكوريا الجنوبية علي وجه التحديد قروضا ومساعدات مالية وتكنولوجية لتطوير الاقتصاد الكوري الشمالي، وأتصور أن صراعا كبيرا سوف يتم أو يجري حاليا حول تقسيم «كيكة» إعادة إعمار كوريا الشمالية وتطوير اقتصادها بين الشركات الأمريكية التي سوف تحصل علي نصيب الأسد مع حلفائها من اليابانيين والكوريين الجنوبيين، ثم الصين الحليف الأول لكوريا الشمالية والتي ساعدت بشكل رئيسي علي انعقاد قمة كيم وترامب بطرق كثيرة، ثم روسيا التي تتمتع بعلاقات جيدة مع حكومة بيونج يانج. الخلاصة أن كوريا الشمالية دولة تعيد صياغة نهجها وسياساتها بالكامل حاليا، وسوف تعيش مرحلة انتقالية ربما تكون من أصعب مراحل التحول التي تشهدها الدول في تاريخها وربما تشهد تبعات «ربيعا» فوضويا مثلما حدث فى بعض الدول العربية!.