بعد الثورة المصرية تزايد نشاط إصدار الصحف وإنشاء القنوات الفضائية. ومع غياب وسائل الضبط الأمني المعتادة قبل الثورة وعدم توافر وسائل ضبط مهنية علمية بديلة اختلط الحابل بالنابل في الكثير من وسائل الاتصال الجماهيري. فاختلت مقاييس الصدق والأمانة ومعايير الضمير والإخلاص في الخطاب السياسي. وانطلقت حملات الثورة المضادة والباحثين عن دور والمرتزقة بالابتزاز في اختلاق الأكاذيب والشائعات المثيرة للقلاقل والمعوقة لمسار الإصلاح. وتزايد الخلل علي نحو يمثل مشكلة أدت إلي طلب ممارسة سياسة ضبط حكومية في إطار وزارة الإعلام. بينما فكر البعض في اللجوء إلي القضاء كوسيلة للضبط. وهو أسلوب معالجة فردية قد يصبح محدود التأثير بتكرار صور بديلة للشخصيات المنحرفة المستهدفة. وظهر شعار مقارعة الحجة بالحجة الذي يصلح لمستويات متقاربة من المنطق والجدارة ولايمكن تطبيقه عمليا علي المستويات المتدنية من الخطاب الذي ينحدر أحيانا إلي مستوي السباب. ومن الممكن إنشاء كيان متخصص لمتابعة الخطاب الاتصالي الجماهيري, وتطبيق معايير منهجية للقياس تسمح بتقويم خطاب صحفي أو متابعة خطابات صادرة من شخص ما أو مؤسسة معينة بحيث يصدر هذا الكيان نشرات دورية لتحليل مضمون ما تنشره وتذيعه وسائل الاتصال الجماهيري ومستويات صلاحيته. ومجرد الإعلان عن التقويم العلمي لخطاب أو شخص أو مؤسسة هو وسيلة ضبط محايدة, ودليل قوي في أية متابعة قضائية. إن الاهتمام بحماية المستهلك من الطعام الفاسد والبيئة المسممة والسلعة المغشوشة يجب أن يواكبه بذات الدرجة الاهتمام بحماية مستقبل الرسالة الاتصالية من الكلمات الفاسدة المسمومة المغشوشة. وفي هذا السياق يجب الاتفاق علي تعريف لعبارة الكلمة المفيدة أو مقاييس جدارة الكلمة. فهناك ثلاثة مستويات من التعبير. يستمد كل مستوي مصداقيته من المستويين الآخرين. ولاتتحقق الفائدة إلا بقدر تكاملها جميعا معا. علي المستوي الأول يبدأ الخطاب بالشعارات والتمنيات والأهداف, وعلي المستوي الثاني يتحول الخطاب إلي التحليلات والحسابات والمواءمات لصياغة سياسات تحقق إمكانية التنفيذ, وعلي المستوي الثالث يتحول الخطاب إلي توصيف محكم لعمليات وآليات وخطوات التنفيذ والضبط. وعلي كل مستوي من المستويات الثلاثة يتم تقويم الاتساق الداخلي للخطاب. وهو ما يعني التسلسل المنطقي والعلاقة الصحيحة بين المعطيات وبين النتائج. كما يتم تقويم الاتساق الخارجي بين الخطاب وبين الواقع الفعلي. وهو ما يعني المصداقية وقوة السند. إن القلب الجياش بالنيات الطيبة لبذل الجهد لا يكفي وحده. فالحماسة والعاطفة مهما بدا الصدق فيهما لا تفتحان الأبواب المغلقة ولا تحلان المشكلات ولا تردان الحقوق. وقد لا يوجد شك في صدق النيات وسلامة الشعارات لكن العبرة بالحساب وآليات التنفيذ. وعلي سبيل المثال عندما يتعلق الخطاب بسياسة الباب المفتوح يكون التطبيق علي النحو التالي: علي المستوي الأول تحديد معني الباب المفتوح والصور المناسبة منه لكل حالة وجدوي اللقاء من خلال الكتابة أو الاتصال أو المقابلة وأنماط المشكلات والمظالم وأساليب الحل وفاعلية كل منها. وعلي المستوي الثاني التحليل والحساب لقياس معدل طلبات المقابلة في اليوم وتوقعه ومتوسط الوقت المطلوب والفعال لكل مقابلة والمتاح أمام صاحب الباب المفتوح لتحقيق هذا الواجب ضمن واجبات أخري. وعلي المستوي الثالث منظومة متكاملة من النماذج النمطية الورقية والإلكترونية اللازمة لكتابة المشكلة أو المظلمة ومقترحات أصحاب أفكار التطوير والابتكار. وهناك ترتيب محكم لأسلوب ودورة العمل اللازمة لتناول هذه النماذج وتنفيذها بكفاءة تسمح بلقاءات مباشرة قصيرة لكنها فاعلة مع تحقيق دورات الضبط والتقويم والمراجعة الذاتية. وكذلك آليات تكامل أسلوب التواصل مع الأساليب التقليدية للتسلسل الإداري الرسمي. وبهذا يكون هناك ضمان حقيقي لباب مفتوح فعليا وليس شكليا, حقيقيا وليس مظهريا, مستمرا وليس موسميا. المزيد من مقالات محمد مجدى قابيل