يدفع ترامب الأمور فى العلاقات الدولية إلى منعطف غير مسبوق، ولم يعد يُجدِى التعامل بالقواعد التى كان معمولاً بها حتى وقت قريب، خاصة بعد أن تعقَّدت الخيوط، وباتت سياسته تجافى حلفاء أمريكا التقليديين الأقربين، مثل رفاق مجموعة السبع الصناعية الكبرى. وذلك بالتوازى مع تأجيج الأزمات مع الأعداء القدامى، مثل إيران. وأما ما يبدو أنه نُذُر أمل فى لقاء قريب مع كوريا الشمالية، فهى لم تكن مبادرة منه، ولم يكن أمامه إلا أن يُبدِى استجابة، وسوف تكشف الأيام المقبلة عن موقفه الحقيقى. وقد فرض كل هذا أن يتحلّى صُنّاع القرار فى جميع دول العالم بمهارات فائقة، وأصبح عليهم، بعد المؤشرات الجديدة، أن يتحرروا من الرؤى والآليات السابقة التى كانت فاعلة فيما مضى، وأن يطوِّروا قدراتهم على القراءة السريعة والارتجال، شريطة تحديد خطوط أساسية تقى من الوقوع فى تبعات التهور والاندفاع، سواء من ترامب أو ممن يردّون الفعل على سياساته. ويخطئ من يظن أن الموضوع سهل، مع ندرة الاختيارات الواضحة بين الأبيض والأسود، ومع انتشار الرماديات، ومع احتمال وارد فى أن يزداد الفرز فى المواجهات مما يجعل اتخاذ موقف مسألة لا خيار فيها. ومع كل هذا، فإن قوى مؤثرة لم تمد يدها بعد، مثل روسيا والصين والهند..إلخ. لم يصل خيال أحد، قبل عدة أشهر فقط، إلى أن تصل الأمور فى لقاء كويبك بكندا إلى هذا الاستقطاب حول جملة مسائل محورية، مثل الملف النووى الإيرانى، وبنود حماية البيئة، والشروط الجمركية الأمريكية على بعض الواردات من دول الحلفاء..إلخ، وبإصرار ترامب على إعلان الخلاف معهم بالانسحاب من البيان الختامى، أضِف أيضاً هذه اللغة الخشنة المُستَجَدَّة التى لم يسلم منها أقرب الحلفاء، رئيس وزراء كندا، الذى اتهمه ترامب بالكذب والضعف!! قد يكون أخطر ما فى الموضوع أن ترامب ليس وحده، وإنما هو مُعَبِّر عن اتجاه أمريكى، له جماهيره، وممثلوه فى الحركة السياسية، وفى مراكز الأبحاث والإعلام..إلخ، كان صوتهم خافتاً عبر سنوات، فجاء ترامب ليعلن آراءهم بهذه الفظاظة من فوق أكبر المنابر، رافعاً شعار «أمريكا أولاً» الذى يرضيهم ويجذبهم للاصطفاف حوله. لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب