وكيل تعليم الفيوم يشهد حفل ختام الأنشطة التربوية للعام الدراسي 2025    البورصات الأوروبية تغلق تعاملات الثلاثاء على ارتفاع جماعي    الجامعة العربية ترحب بتعيين كامل الطيب إدريس رئيسًا لمجلس وزراء جمهورية السودان    الجامعة العربية ترحب بتعيين كامل إدريس رئيسا للوزراء في السودان    تشكيل الإسماعيلي لمواجهة طلائع الجيش بكأس عاصمة مصر    كاميرات ترصد الكارثة.. سرقة ثروات نوال الدجوي في وضح النهار ( تفاصيل)    هربوا من الحر فاحتضنتهم الترعة.. نهاية مأساوية لثلاثة أطفال غرقوا بقرية درين في نبروه بالدقهلية    عرض فيلم «المشروع x» في سينما قصر ثقافة العريش بشمال سيناء    مسرحية "يا إحنا يا هى" تحيى ذكرى وفاة سمير صبري.. شاهد    أسماء بنات جميلة ونادرة مسلمة    محافظ الإسكندرية: توجيهات رئاسية بإعادة إحياء موقع أبو مينا الأثري    هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب    إزالة 88 حالة تعد ضمن المرحلة الأولى للموجه ال 26 بأسوان    ياسمين صبري تشارك متابعيها كواليس «فوتوسيشن» جديد    الإسكان: تفاصيل طرح سكن لكل المصريين 7 غدا ومميزات المبادرة    في جراحة دقيقة وعاجلة.. فريق طبي ينقذ يد مريض من البتر ب مستشفى السنبلاوين العام    بروتوكول تعاون بين جامعة جنوب الوادي وهيئة تنمية الصعيد    القائم بأعمال سفير الهند: هجوم «بهالجام» عمل وحشي.. وعملية «سيندور» استهدفت الإرهابيين    المحاولة الخامسة منذ 2008.. توتنهام يبحث عن منصات التتويج أمام مانشستر يونايتد    أول رد من بيراميدز على تصريحات سويلم بشأن التلويح بخصم 6 نقاط    اتحاد الكرة يستقر على تغيير ملعب نهائي كأس مصر للسيدات    «بعد حديث مهيب».. أسامة حسني يكشف تفاصيل تمديد عقد إمام عاشور مع الأهلي    بث مباشر.. الأهلي 13-11 الزمالك.. دوري السوبر للسلة    غدا.. طرح الجزء الجديد من فيلم "مهمة مستحيلة" في دور العرض المصرية    بآلة حادّة.. شاب يقتل والدته جنوبي قنا    شروع في قتل عامل بسلاح أبيض بحدائق الأهرام    إقبال منخفض على شواطئ الإسكندرية بالتزامن مع بداية امتحانات نهاية العام    عبد المنعم عمارة: عندما كنت وزيرًا للرياضة كانت جميع أندية الدوري جماهيرية    بعد 9 سنوات.. تطوير ملاعب الناشئين في نادي الزمالك    المشرف على "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" تستقبل وفدًا من منظمة هيئة إنقاذ الطفولة    خالد عبدالغفار يبحث تعزيز التعاون مع وزيري صحة لاتفيا وأوكرانيا    رئيس الوزراء يعرب عن تقديره لدور «السعودية» الداعم للقضايا العربية    محافظ سوهاج يسلم التأشيرات والتذاكر للفائزين بقرعة حج الجمعيات الأهلية    «الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية» يوضح مواصفات الحجر الأسود؟    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    «زهور نسجية».. معرض فني بكلية التربية النوعية بجامعة أسيوط    وزير الصحة: مصر تقود مبادرة تاريخية لدعم أصحاب الأمراض النادرة    طريقة عمل البصارة أرخص وجبة وقيمتها الغذائية عالية    بالصور.. يسرا وهدى المفتي من كواليس تصوير فيلم الست لما    شقق متوسطى الدخل هتنزل بكرة بالتقسيط على 20 سنة.. ومقدم 100 ألف جنيه    تشديد للوكلاء ومستوردي السيارات الكهربائية على الالتزام بالبروتوكول الأوروبي    جامعة القاهرة تستقبل وفدا صينيا بمستشفى قصر العيني الفرنساوي    5 فرص عمل للمصريين في مجال دباغة الجلود بالأردن (شروط التقديم)    مهرجان كان يمنح دينزل واشنطن السعفة الذهبية بشكل مفاجئ |صور    محافظ بورسعيد: المحافظة ظلمت بسبب إدراجها ضمن المدن الحضرية    ب48 مصنعاً.. وزير الزراعة: توطين صناعة المبيدات أصبح ضرورة تفرضها التحديات الاقتصادية العالمية    الإفتاء توضح فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة.. وغرة الشهر فلكيًا    استمارة التقدم على وظائف المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسى 2026    محافظة القدس تحذر من دعوات منظمات «الهيكل» المتطرفة لاقتحام المسجد الأقصى    بعد دخول قائد الطائرة الحمام وإغماء مساعده.. رحلة جوية تحلق بدون طيار ل10 دقائق    "أونروا": المنظمات الأممية ستتولى توزيع المساعدات الإنسانية في غزة    جامعة سوهاج تعلن انطلاق الدورة الرابعة لجائزة التميز الحكومى العربى 2025    مكتب الإعلام الحكومي بغزة: تصريحات يائير جولان إقرار واضح بجريمة الإبادة الجماعية ضد شعبنا    هل يجوز الحج عمن مات مستطيعًا للعبادة؟.. دار الإفتاء تُجيب    ماذا تفعل المرأة إذا جاءها الحيض أثناء الحج؟.. أمينة الفتوى ترُد    الحبس 3 سنوات لعاطلين في سرقة مشغولات ذهبية من شقة بمصر الجديدة    «الوطني الفلسطيني» يرحب ببيان بريطانيا وفرنسا وكندا لوقف العدوان على غزة    عاجل- الصحة العالمية تُعلن خلو مصر من انتقال جميع طفيليات الملاريا البشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يعتبر نفسه مجرد «قارئ نصوص»
د.حسين حمودة : محبة الأدب دفعتنى إلى محبة النقد
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 05 - 2018

* تبعيتنا للغرب مرهونة باختيارنا أن نكون تابعين أو لا نكون والقرار السليم بانفصالنا عنه يحتاج إلى عمل كثير جدا منظم ومنضبط ومتصل فى كل المجالات

* نحن تقريبا بحاجة إلى أن نبنى تاريخنا من جديد وننظر فيما أنجزناه وما لم ننجزه وإلى إشاعة قيم مثل الحرية والعدل والإيمان بالتعدد على كل المستويات

* العمل الإبداعى يتحقق بالتفاعل بين خبرة وتجارب مبدعة وخبرة وتجارب متلقّية وهناك دائما «ثغرات» أو «فجوات» ينطوى عليها العمل الإبداعى يقوم المتلقى بملئها

الدكتور «حسين حمودة» أستاذ الأدب العربى بآداب القاهرة، وأحد ألمع الذهنيات النقدية على الساحة الإبداعية الآن، ليس فقط، لأنه تتلمذ على يد الكبار ، سهير القلماوي، وشكرى عياد، وحسين نصار، وشوقى ضيف، وعبد المحسن طه بدر ، وجابر عصفور، وأحمد شمس الدين الحجاجي، وسليمان العطار، ويوسف خليف، وعبد المنعم تِليمة. بل لأنه يتوافر على نفسه، ويقرأ كل ما تنبغى معرفته، من أجل عمله المحبب، أو لفهم الواقع والتفاعل معه.
بدأ حياته بكتابة الشعر، ونشر بعضه، وطبع ديوانا وحيدا بطريقة الماستر، وحصل لثلاث سنوات متتالية على جائزة الشعر التى كانت تقدمها كلية الآداب. لكن الشعر كان مرحلة فى حياته تركت أثرا إيجابيا، هو إحساسه بجماليات اللغة، وبقيت روح الشعر كامنة فى كتاباته رغم انحيازه للنقد فى النهاية، ربما بسبب رواية «الحرافيش» ل «نجيب محفوظ» التى كتب عنها أول مقالاته، وتبعها بأخرى عن «التمثّل بين الأدب الشعبى والأدب المدون»، وكانت الثالثة عن «عالم محمد البساطي»، ثم اختار أدب «يحيى الطاهر عبد الله» رسالة للماجستير، وتوقف أمام تمثلات المدينة فى روايات الستينيات فى أطروحته للدكتوراه، وبعدها أوقف وقته على النقد حتى بات من شيوخ الطائفة.
له عدة كتب مهمة، منها كتاب «شجو الطائر.. شدو السرب»، و«الرواية والمدينة» و«فى غياب الحديقة.. حول الزمان والمكان فى روايات نجيب محفوظ»، و«ميادين الغضب.. قراءات فى روايات مصرية»، وغيرها، ويحاول الانتهاء من عدة كتب متوازية تحت يديه.
وهو من القلائل الذين يؤكدون، بلا قصدية، أن النقد ليس جهدا أكاديميا حبيس قاعات المحاضرات، والكتب، بل تفاعل أن مع واقع إبداعى متدفق، وليس مجرد تناول كتابيّ، ولا مناقشة فى الندوات، بل محاولات متصلة لإعادة صياغة الحياة، وأنه أكثر نزاهة من منصات العدالة.

د. حسين حمودة فى أثناء حواره مع مندوب «الأهرام»

رأينا نتاج جهودك الأكاديمية، وكتاباتك النقدية لكننا لم نعرف الكثير عن بداياتك، وعن موضوعى الماجستير والدكتوراه؟
بداياتى ارتبطت بكتابة الشعر، بالفصحى وبالعامية، ونشرت عددا من القصائد فى بعض المجلات وديوانا مطبوعا بطريقة «الماستر». وخلال سنوات دراستى الجامعية حصلت لثلاث سنوات متتالية على جائزة الشعر التى كانت تقدمها كلية الآداب. وفى نهاية سنوات الدراسة بدأت أهتم بكتابة ما يشبه النقد، ومنه مقالة عن رواية «الحرافيش» ل «نجيب محفوظ»، وأخرى مطولة عن «التمثّل بين الأدب الشعبى والأدب المدون»، أى عن إمكانات إفادة الأدب الحديث، الفردي، بتقنياته الخاصة، من جماليات الأدب الشعبى الجماعى الموروث، ثم كتبت مقالا مطولا عن «عالم محمد البساطي»، ثم كانت بعد ذلك خطوات الرحلة التى امتدت منذ أواخر السبعينيات وحتى الآن. ورسالة الماجستير كانت عن أعمال يحيى الطاهر عبد الله، والدكتوراه كانت عن موضوع «الرواية والمدينة»، تناولت فيها الجوانب النظرية المتصلة بتكوين المدن عبر تاريخها، والقيم والسمات التى ارتبطت بها دائما فى العصور القديمة والوسيطة والحديثة، وخصوصية المدينة الشرقية، ثم توقفت عند تمثلات المدينة فى عدد كبير من روايات «كتّاب الستينيات» فى مصر.
وما الذى حبّب إليك النقد قبل أن نعرفك، هل هى قراءات الأدب؟ وهل زادتك الدراسة شغفاً بالأدب؟ ومن الذى شجعك ودفع بك إلى هذا الطريق؟
محبة الأدب دفعتنى إلى محبة النقد.. فحاولت، خلال الكتابة عن الأعمال الأدبية التى رأيتها جميلة، أن أتلمّس بعض جوانب الجمال فيها.. والحقيقة أننى لا أعتبر نفسى ناقدا.. أرانى مجرد «قارئ نصوص» مخلص للنصوص.. مرحلة دراستى بالجامعة كانت حلقة سبقتها حلقات.. شغفى بقراءة الأدب كان قد بدأ قبل الدراسة بسنوات بعيدة، وكان أبى هو أول من كشف لى هذا الطريق.. كان قارئا نهما، وكانت قراءاته تتحرك بين طيف واسع من الروايات والقصص والمقالات.. لم أحب كل ما كان يقرأ، طبعا، لكنه فتح عينيّ على عالم الأدب الرحيب.. فترة الدراسة بالجامعة كانت مفيدة لي، تعلمت من أساتذتى وكان من بينهم سهير القلماوى وشكرى عياد وحسين نصار وشوقى ضيف وعبدالمحسن طه بدر وجابر عصفور وأحمد شمس الدين الحجاجى وسليمان العطار ويوسف خليف وعبدالمنعم تليمة، وتنفست العطر الذى بثّه فيهم أساتذة أقدم رحلوا، وعلى رأسهم طبعا طه حسين وأمين الخولي. الدراسة نظّمت لى بعض قراءاتى لكنها لم تقلل فوضويتى فى القراءات. فقد كنت، ومازلت، مدفوعا بالانسياق وراء ما تقودنى إليه قراءة ما إلى قراءات أخري، دون وضع خطوط مسبقة أو محكمة، لكن من المؤكد أننى كنت سعيد الحظ بدراستى فى كلية الآداب بجامعة القاهرة.
نعرف أنك كتبت الشعر لبعض الوقت كما ذكرت ثم انقطعت عنه، وتفرغت للنقد؟ فهل كان شعرا جيدا، وتجربة تستحق الذكر، أم تتجنب الحديث عنها؟
حين أنظر الآن إلى ما كتبت من شعر أجده قليل القيمة بالقياس إلى ما كتبه شعراء كثيرون أحببت شعرهم، ليس فيما كتبت ما يمكن أن أتباهى به الآن، الشعر كان محطة فى حياتى تركت أثرا وحيدا، فيما آمل، مرتبطا بالإحساس باللغة التى ظللت أبحث عن جمالها فى الشعر وفى غير الشعر، ولعل الروايات التى حملت متعة خاصة، بالنسبة لي، كان جمال اللغة جزءا منها، مثل رواية «الحرافيش» لنجيب محفوظ، و«فساد الأمكنة» لصبرى موسي، وبعض روايات إبراهيم الكونى وإدوار الخراط.. إلخ. لقد بقيت معى روح الشعر وإن لم تبق كتابته.
النقد الأكاديمى يطرح ويناقش نظريات وافدة، فنحن نلعب دور المتلقى فقط، فلماذا لم تنتج القريحة العربية نظرياتها الخاصة، مع أن باعنا فى الثقافة كبير وقديم؟
التساؤل حول عدم بلورة نظرية نقدية خاصة يحتاج إلى تفسير وإلى إعادة نظر، فى الوقت نفسه. نعم، نحن غالبا، فى مجال النقد، خلال العقود الطويلة الماضية، ظللنا نسير وراء ما أنتجه الغرب، وأحيانا كنا نردد المفاهيم التى ارتبطت بهذا النتاج دون تفكير، بل كنا أحيانا نقوم بالترويج لأفكار وتصورات نقدية غربية بعد موتها فى الغرب نفسه، جزء من أسباب هذا يرتبط بأن أغلب النقد الغربى اقترن بأنواع أدبية لم نعرفها فى عصورنا الوسطى والقديمة، مثل الرواية والقصة القصيرة والمسرح، وبالتالى لم يكن عندنا، فى ميراثنا النقدى القديم، ما يجعلنا نراكم بعض الاجتهادات الخاصة بنا، وجزء من أسباب هذا يرتبط بنوع من «الاستسهال» وغياب روح المساءلة، بل ربما غياب الروح النقدية نفسها التى تراجعت منذ زمن طويل بعد غلق أبواب الاجتهاد، وجزء من أسباب هذا يتصل بإمكانات كان بوسعنا الإفادة منها فى بعض الدراسات الخاصة بالشعر، الذى ظل «ديوان العرب» لقرون طويلة، والذى صاحبت مسيرته كتابات نقدية ولغوية عربية قديمة. نحن لم نفد من هذه الكتابات لأن تاريخنا الثقافي، وربما تاريخنا كله، لم يتخلص من تلك الآفة التى يمكن توصيفها ب «الذاكرة المتقطعة». فى حالات وفى مجالات كثيرة نحن لا نبنى على ما سبق؛ ونبدو كأننا دائما مدفوعون دائما للبدء من جديد، وللأسف قد يتصور بعضنا أنه البدء والمنتهي، على عكس الأمر فى الثقافة الغربية التى تراكم طول الوقت فوق ما سبق إنجازه، وتتساءل حوله، وتبلوره، وتضيف إليه، لهذه الأسباب، وغيرها، نحن نكتفى بأن نكون متلقين للأفكار والمناهج النقدية الغربية، أما الجانب المتصل بعدم إنتاجنا ل «نظرية نقدية» خاصة بنا، فهذا أمر يحتاج لإعادة تأمل، فليست هناك نظرية نقدية خاصة بثقافة ما أو بلغة ما، الاجتهادات تتعدد من هنا ومن هناك، وعلينا ألا ننشغل كثيرا بهذا. فقط علينا السعى إلى أن نكون جزءا فاعلا من الاجتهادات النقدية فى الثقافة الإنسانية كلها.
وعطفا على هذا. من ينظر للتراث العربي، عند الجاحظ على سبيل المثال، يجد أعاجيب إبداعية تحتوى على رؤى إنسانية وأفكار فكرية واجتماعية متجددة، تصلح على الأقل للاستلهام منها، أو البناء عليها؟ كما استفاد الغرب من ابن رشد مثلا فى الفلسفة، وابن خلدون فى علم الاجتماع؟
نعم.. معك حق.. ظاهرة الذاكرة المتقطعة التى أشرت إليها حكمت تاريخنا كله، ومن ذلك علاقتنا بتراثنا النقدى والسردى بوجه خاص.. هناك، بجانب الجاحظ، كتابة أبى حيان التوحيدي، وهى كتابة جميلة تستطيع أن تقول وأنت مطمئن إنها عابرة للأزمنة، قادرة على أن تتجاوز زمنها إلى أزمنة أخري.. وفى بعض القراءات لبعض نصوصه، ومنها نصه «الغريب»، رأى عدد من دارسى التوحيدى أن الكثير من التصورات الفلسفية الغربية الجديدة مبثوث فيها، الغرب استكمل تراثنا وأدمجه فى مسيرته أكثر مما استكملناه وأدمجناه فى مسيرتنا، وطبعا تستطيع أن ترى هذا فى مجالات عدة؛ فى الطب والرياضيات والفلسفة والعمارة وفيما أصبح يسمى «علم الاجتماع»، وفى غير ذلك من المجالات.
وتبعا للسؤالين السابقين.. هل تظن أننا سنظل فى هذه التبعية للنظريات النقدية والإبداعية فى الغرب، أم هناك سبيل إلى ندية مع الغرب، وكيف ترى الغرب؟
تبعيتنا للغرب مرهونة باختيارنا، أن نكون تابعين أو لا نكون، والقرار السليم، وانفصالنا عن الغرب يحتاج إلى ما هو أكثر من مجرد القرار، يحتاج إلى عمل كثير جدا، منظم ومنضبط ومتصل، فى كل المجالات، نحن تقريبا بحاجة إلى أن نبنى تاريخنا من جديد؛ بحاجة إلى أن ننظر فيما أنجزناه وما لم ننجزه، وبحاجة إلى إشاعة القيم التى يجب أن نشيعها، مثل الحرية والعدل والإيمان بالتعدد على جميع المستويات، الغرب دفع ثمنا فادحا فى سبيل ترسيخ هذه القيم، ونحن يمكننا أن ندفع بعض الثمن فى سبيل ترسيخها، لكن من المؤكد أن الثمار التى سوف نجنيها من هذا الثمن أكبر منه بكثير.
ولك جهد مشهود فى دورية «نجيب محفوظ»، وهى تؤكد أنك جاد ودؤوب ومنتج، لكنك تعمل فى صمت، وبلا دعاية، فتكون النتيجة، وكأن عملا مهما مثل هذه الدورية لا تصدر، أو لا تأخذ حظها من التغطية الخبرية فى الصحافة مثلا؟
«دورية نجيب محفوظ» بدأت بعد اقتراحات فكرت فيها لجنة «تخليد نجيب محفوظ» التى تشكلت عقب وفاته 2006. وهى المقترح الوحيد الذى تم تنفيذه. وكانت هناك اقتراحات أخرى من أهمها إقامة مركز نجيب محفوظ الذى يمكن أن يضم أعماله وترجماتها إلى اللغات المتعددة والدراسات عنها، ومقتنياته ومخطوطاته ومسودات كتاباته، فضلا عن مركز للسينما يضم كل ما كتبه من سيناريوهات، والأفلام التى شارك فيها، والأفلام التى أخذت عن أعماله..إلخ. طبعا لم يخرج هذا المركز للنور حتى الآن، فقط هناك حشد من الأخبار تطل علينا بين حين وآخر عن قرب افتتاحه. أما «الدورية»، السنوية، والتى كانت اقتراحا قديما للدكتور يحيى الرخاوي، فقد صدر منها حتى الآن تسعة أعداد، وهناك عدد بالمطبعة قيد الصدور، وأسهم بالكتابة فى أعدادها السابقة عدد هائل من المبدعين والنقاد من الوطن العربي. مشكلة الدورية نفس مشكلة ما يصدر من مطبوعات عن بعض هيئات النشر الحكومية، أقصد مشكلة التوزيع؛ إذ يظل أغلب هذه المطبوعات حبيس المخازن. والدورية التى يصدرها المجلس الأعلى للثقافة لا توزع إلا فى بعض المعارض التى يشارك فيها المجلس، وفى مركز البيع الصغير الكائن أسفل مبنى المجلس. وطبعا هى بحاجة لمزيد من العناية بتوزيعها على نطاق أكبر، شأن الكثير من المطبوعات المهمة التى يصدرها المجلس وهيئات النشر بوزارة الثقافة بوجه عام.
قضيت عدة سنوات فى جامعة أوكرانية، كنت سفيرا مخلصا للثقافة المصرية هناك، ومؤكد تعرفت على ثقافتهم بشكل ما، وأدبهم، فهل ثمّة مشتركات بين إبداعاتنا وإبداعاتهم؟ وما هى إن وجدت؟
شعب أوكرانيا يشبهنا فى بعض الجوانب، خصوصا فيما يتصل بروح الاحتفال، وبالودّ فى التعامل مع الغرباء. وثقافتهم، التى تتقاطع مع الثقافة الروسية، لها امتداد تاريخى طويل وعريق، والغريب أنهم يهتمون بثقافتنا وبالتعرف عليها وبترجمتها أكثر مما نهتم بثقافتهم.. وهم لهم إنجازات فى الأدب والنقد الحديث، وأيضا يعنون بميراثهم الثقافى وبالحفاظ على رموزه.. المدينة التى عشت فيها، «أوديسا»، بها عدد من المتاحف الثقافية، تضم مقتنيات ومخطوطات أدباء أوكرانيين وروس..حتى لمن عاشوا بهذه المدينة لفترات قصيرة.. بها مثلا متحف لبوشكين، وأركان من متاحف لأنطون تشيخوف، وللشاعرة أنّا أخماتوفا.
تتميز أوكرانيا بالجمال الظاهر فى كل شيء، فما الجمال الكامن هناك، فى الفنون والثقافة كما رأيته؟
الجمال الأكبر الكامن هناك يتمثل فى الروح الاحتفالية الفولكلورية بشكل خاص؛ رغم أنهم يؤمنون بالعلم وبقيم التقدم الحديثة. احتفالاتهم الشعبية كثيرة، وأشهر احتفال يقام فى مدينة «أوديسا» يأتى إليه الناس من كل أنحاء أوروبا.. هو «يومورينا» أو «يوم الضحك»، الذى يقام فى أول أبريل من كل عام، وهو استمرار ل «عيد الحمقي» الذى كان يقام فى العصور الوسطي. والغريب أن هذا الاحتفال يتلاقى فى ملامحه، بشكل حرفيّ تقريبا، مع احتفال مصرى كان يقام فى العصور الوسطي، هو «عيد النوروز»، ومع احتفال مغربى لا يزال يقام حتى الآن هو «سلطان الطلبة». لكن احتفالنا توقف واحتفالهم لا يزال متصلا.
تركز بشكل ملحوظ فى دراساتك النقدية على تأثير المكان والزمان على الإبداع الروائي، فهل تراهما أهم الركائز فى تفسير الإبداع، أم ثمة أبعاد أخري؟
المكان والزمن عنصران مهمان فى الإبداع السردى مع عنصر الشخصيات أى البشر.. الناس يعيشون زمنهم فى أماكن تشكّل أو تمثّل هويتهم، وهذه الأماكن لها ميراثها القصير أو الممتد فى التاريخ، والعلاقة بين الزمن والمكان جوهرية تترتب عليها موضوعات كثيرة جدا فى الأدب الروائى والقصصي، وهناك تعبيرات يصعب الفصل فيها بين الزمن والمكان، كأن نقول: «البيت القديم»، أو «المبنى التاريخي» أو «القاهرة الجديدة» وعلى سبيل المثال، مدخل الزمن، والمكان مدخل مهم جدا لتناول تجربة نجيب محفوظ كلها، من أولها إلى آخرها، وظل محفوظ فى كل أعماله تقريبا مشغولا بقضايا ليست معزولة عن البشر وأماكنهم ومسيرتهم فى الزمن الحاضر والماضى والمأمول، الزمن والمكان، مع الشخصيات، مداخل أساسية لتناول الأعمال السردية، طبعا مع البناء واللغة وطرائق السرد.. إلخ.
فى كتابك «شجو الطائر.. شدو السرب» حول إبداعات «يحيى الطاهر عبدالله» قلت إن لفظة «شجو» تشير إلى «ثمن فادح لمحاولة استكشاف طريق فردى خاص»، فماذا قصدت بالضبط، وهل هناك من الأدباء الجدد ما يدفع هذا الثمن الفادح الآن؟
كنت أقصد ب «الثمن الفادح» ما يدفعه المبدع الفرد من أجل استكشاف طريق غير مأهول فى إبداعه، وأيضا ما يدفعه بسبب الاختلاف عن، والاختلاف مع، الأعراف الاجتماعية وغير الاجتماعية، التقليدية، التى يرفضها ويتمرد عليها.. ويحيى الطاهر، فيما أتصور، قد دفع الثمنين معا.. مثل بعض المبدعين والمبدعات الذين يختارون ويخترن المغامرة الإبداعية التى تختلف مع ما هو قائم على كل المستويات..ويدفعون ويدفعن أثمانا ما نتيجة هذا الاختيار.
وقلت فى كتابك ذاته أيضا، إن «حكايات الأمير» تتجاوز كونها «مجرد إعادة إنتاج لألف ليلة وليلة» كأثر شعبى قديم، أو إعادة لأى أثر شعبى آخر، فما الفارق بنظرك بين «إعادة الإنتاج» هذه كما قصدتها، واستلهام التراث فى الإبداع عموما؟
الكاتب المعاصر عندما يستلهم الأثر التراثي، الشعبى وغير الشعبي، لا يكتفى بإعادة التصورات المبثوثة فى هذا الأثر، ولا الجماليات التى صيغت بها تلك التصورات، هو يبدأ دائما من زمنه هو، ومن سياقه هو، وليس من زمن ولا من سياق ذلك الأثر التراثي، وبالتالى هو لا يكرر ما طرحه هذا الأثر على مستوى الأفكار والقضايا وعلى مستوى الجماليات، بل يجب عليه أحيانا أن يسائل هذه الأفكار والقضايا والجماليات، لكنه فى كل الأحوال يتحاور معها، ويضيف إليها، بما يجعل عمله الأدبى ينتسب إليه وحده، ويعبر عن عالمه الذى يعيشه..والإبداع عموما يستمد شيئا كثيرا قيمته خلال انشغاله بسؤال الإضافة إلى ما سبق إنتاجه، والعمل يكون إبداعيا بقدر ما يقوم به من استكشافات وإضافات إلى ما سبق، وعلى ذلك فالاكتفاء بإعادة إنتاج ما سبق طرحه فى التراث لا يعدّ إبداعا، التواصل مع التراث، أو استلهامه، يتصل دائما بالامتداد بهذا التراث إلى مساحات إبداعية جديدة.
يردد البعض أن القارئ شريك فى العملية الإبداعية، فهل توافق على هذه المقولة، ولأى مدى تظنها دقيقة أو لها علاقة بالحقيقة؟
نعم.. القارئ شريك أساسى فى العملية الإبداعية. وقد بنى بعض النقاد الذين ينتمون إلى ما يسمى «نظريات التلقي»، مثل «جادامر» و«ياوس» و«إيزر»، أفكارا وتصورات مهمة فى هذه الوجهة؛ ومنها تصورات حول أن العمل الإبداعى لا معنى له دون عملية تلقّيه، وأن معنى العمل الإبداعى يتحقق بالتفاعل بين خبرة وتجارب مبدعه وخبرة وتجارب متلقّيه، وأن هناك دائما «ثغرات» أو «فجوات» ينطوى عليها العمل الإبداعى ويقوم المتلقى بملئها، وبعض المبدعين، فى الأدب الحديث خصوصا، أصبحوا يمنحون مساحة كبيرة للقارئ، ويراهنون على تفاعله مع أعمالهم، ولا يفرضون عليه طريقا واحدا ضيقا فى تلقى أعمالهم؛ بل يتركون له فضاءات رحبة يستطيع أن يتحرك فيها، وإمكانات متعددة لتفسير ولتأويل الأعمال التى يقرأها، على العكس من بعض الكتابات الكلاسيكية التى كانت تفرض على القراء طرقا محددة، وربما محدودة، عليه أن يسير فيها.
وفى كتابك «الرواية والمدينة» ذكرت أنهم كانوا يعتبرون الرواية نوعا ثانويا، ومحتقرا، ثم أصبحت قادرة على المزاحمة، فكيف ترى دورها الآن بعد سنوات عديدة مما رصدته سابقا؟
الرواية، فى وقت من الأوقات، ارتبطت بنظرة ضيقة كانت تجعلها نوعا أدبيا هامشيا وربما محتقرا. فى فترات مبكرة من تاريخ الرواية الغربية، وفى فترة مبكرة أيضا من تاريخ الرواية العربية، بل ونجد هذا الموقف قائما مع «القص» العربى القديم، بوجه عام. لكن الرواية تجاوزت تلك النظرة منذ زمن بعيد فى تاريخها الغربي، منذ أصبحت «شعر الدنيا الحديثة» بتعبير نجيب محفوظ فى مقالة كتبها فى أربعينيات القرن الماضي، ردا على عباس العقاد الذى كان يبخس ما فى فن الرواية من جمال، أو يرى جمالها ضئيلا جدا، وطبعا، تأكيدا على تجاوز هذه النظرة، ما نلاحظه جميعا الآن من أن الرواية أصبحت، فى العالم كله تقريبا، النوع الأدبى الأكثر انتشارا، مثلما أصبحت السينما الفن الأكثر انتشارا بين الأنواع الإبداعية كلها.
عملت فى آداب القاهرة، وما زلت، وفى الجامعة الأوكرانية، وفى الجامعة الأمريكية، فما الفروق التى يجب أن تشير إليها فى المناهج، وطرق التدريس، ولماذا خرجت جامعة القاهرة من التصنيفات العالمية، وكيف لكلية «طه حسين» أن تصل إلى ما نراه، وما السبيل بتقديرك للنهوض مجددا؟

نعم عملت بهذه الجامعات، وكان من بين الدارسين والدارسات من ينتمون إلى ثقافات متعددة واهتمامات متباينة.. لكن القاسم المشترك، فى كل هذا، ارتبط بتدريس الأدب والثقافة، وبطريقة التدريس التى كانت دائما ولا تزال تقوم على الحوار والنقاش بين الدارسين والدارسات وبيني. وفيما يتصل بجامعة القاهرة، فقد تراجع حضورها من التصنيفات العالمية فى بعض الفترات، وإن كانت بدأت أخيرا باستعادة بعض هذا الحضور، والنهوض بكلية الآداب، وبالجامعات المصرية كلها، مرهون بضرورة توفير ميزانيات كافية، وتوفير مكتبات حديثة تضم المؤلفات الجديدة فى كل مجالات المعرفة، وتوفير أماكن كافية ومريحة للطلاب ولقاعات الدراسة، وبتطوير طرق التدريس بحيث تتجاوز مفاهيم التلقين ومخاطبة الذاكرة، إلى التفكير الحرّ والنقاش والإبداع، وأيضا بربط المناهج والمقررات بالحياة المعاصرة، بحيث تركز على الاهتمامات والقضايا التى نعيشها فى مجتمعنا وفى زمننا الراهن.
تكتب عن ابنتك كلاما جميلا أحيانا، فهل يمكن أن تحدثنا قليلا عن الأبوة، والصداقة بين أب مثقف وابنة فى مقتبل العمر. هل تمنحك أفقا جديدا، وأملا فى حياة أجمل، كبنت، وكجيل عموما؟
أتصور أن كل بنت، بالنسبة لكل أب، أجمل من أى كلام عنها. ويعرف هذا كل أب أنجب بنتا. والحقيقة أن عندى أعدادا كبيرة من بنات لم أنجبهن، بناتى اللاتى أقوم بالتدريس لهن. وهؤلاء جميعا، مع الطلاب الذين هم أيضا أبنائى الذين لم أنجبهم، يمثلن ويمثلون الامتداد القادم فى هذه الحياة. حاضرهن وحاضرهم اختلف كثيرا أو قليلا عن حاضرنا، لكن هناك جوانب إيجابية فى الشباب الراهن وفى ظروف حياتهم عموما؛ منها أن أوهامهم أقل، ووسائل التكنولوجيا لديهم أحدث وأفضل، وإمكانات الوصول للمعارف أكثر سهولة ويسرا، وقدراتهم على التعبير عن أنفسهم أعلي، وطبعا هناك مشكلات أخري، منها ما يتصل بسبل العيش التى تزداد صعوبة. ولكن، فى المجمل، أتصور أن فرص النجاح والسعادة فى الحياة مفتوحة أمامهن وأمامهم، وهن يستطعن وهم يستطيعون الإفادة من هذه الفرص لأنهن ولأنهم يستحقون السعادة، ولأن السعادة تستحق السعى من أجلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.