أخيرا أقر ترامب أن قمة سنغافورة بين بلاده والكوريتين، والتى كانت مقررة فى الثانى عشر من الشهر القادم، ربما لا تتم. جاء ذلك عقب لقاء بالبيت الأبيض جمع بين ترامب ورئيس كوريا الجنوبية مون جاى ين قبل أيام، وبعد تصاعد التوقعات المتفائلة. فرئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون يتعهد بحقبة جديدة من السلام، ويظهر حسن النوايا بإطلاقه سراح ثلاثة معتقلين أمريكيين، والإدارة الأمريكية تمضى بكل جدية فى استعدادات القمة، كما تقرر إصدار عملة تذكارية بهذه المناسبة التاريخية. أما الرئيس ترامب فيبدو متحمسا للإنجاز العظيم ، الذى يحققه عندما يجعل شبه القارة الكورية بشقيها الشمالى والجنوبى منطقة منزوعة السلاح النووي، ولا يخفى الزهو لنجاحه فيما فشل فيه رؤساء أمريكا السابقون، والانتشاء لفكرة فوزه بجائزة نوبل للسلام إذا تحقق ذلك. ولكن فجأة تعلن بيونج يانج أنها لم تعد راغبة فى هذه المفاوضات. وقدم المراقبون فى واشنطن عدة تأويلات لموقف بيونج يانج المحير، أبسطها أنه يعكس نمطا متكررا من جانب كوريا الشمالية التى دائما تبدى استعدادا للتفاوض يعقبه إعراض وانسحاب. وهناك تفسير آخر يكمن فى تشدد الجانب الأمريكي، فقد أغضب مستشار الأمن القومى جون بولتون قيادة كوريا الشمالية بتلميحه لنموذج ليبيا ، التى تخلت طوعا عن فكرة التسلح النووي، وفى ذلك إهانة للطرف الآخر لأن النموذج الليبى انتهى بعد أقل من ثمانية أعوام بانقلاب مأساوى دعمه الغرب ضد القذافي. ويتمثل الخلاف بين موقف بيونج يانجوواشنطن فى أن المفاوض الأمريكى يحبذ أن تتخلى بيونج يانج عن سلاحها النووى مقابل تعهدات عدم اعتداء ومساعدات اقتصادية، بينما يحبذ المفاوض الكورى الشمالى فك نظام التحالف الأمريكى الشرق آسيوي، ورحيل القوات الأمريكية من كوريا الجنوبية واليابان وتفكيك المظلة النووية الأمريكية، وهى ثلاثة بنود لا يرحب الجانب الأمريكى أن تكون أساسا لبدء المفاوضات. وهناك تفسير ثالث قدمه الرئيس الأمريكى خلال المؤتمر الصحفى نفسه، الذى أعقب لقاءه برئيس كوريا الجنوبية قبل ثلاثة أيام، وهو الصين. فقد ظهر هذا التغير فى موقف بيونج يانج بعد زيارة قام بها رئيس كوريا الشمالية لمدينة داليان الصينية فى السابع والثامن من الشهر الحالى. ويظن المسئولون الأمريكيون أن الرئيس الصينى شى جين بينج أوعز للرئيس كيم بالتعنت فى تلك المفاوضات، ويعتقد هؤلاء بأن الصين التى تعلن رغبتها فى جعل الشرق الآسيوى خاليا من التهديد النووي، قلقة من احتمال أن تصير كوريا الشمالية حليفة لأمريكا. كما أن الصين كقوة إقليمية لا يستهان بها تبدو غير راضية عن تهميشيها فى تلك المفاوضات، ويتهم المراقبون الأمريكيون الصين بأنها انتهكت خلال الشهرين الماضيين العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية، عندما صارت حدودها معبرا للسلع والمواد التى تمد اقتصاد بيونج يانج بأسباب الحياة، وأبرز مثال يؤكد هذا الاتهام أن أسعار الوقود فى المناطق الشمالية من كوريا الشمالية شهدت انخفاضا ملحوظا من الصعب أن يتحقق دون قدوم إمدادات بترولية من الصين. الحل المقترح هنا أن تلجأ واشنطن لسياسة الجزرة، أى مزيد من الإغراء والترغيب، فواشنطن التى تدخل حاليا فى مفاوضات تجارية مع بكين لخفض العجز التجارى وقيمته 375 مليار دولار، يمكن أن تربط التوصل إلى حل يرضى الصين فى هذه المفاوضات بمساعدة الصين فى نزع السلاح النووى من كوريا الشمالية. جزرة مماثلة يمكن استخدامها مع بيونج يانج من خلال الإغراء بمزيد من المساعدات الاقتصادية التى يحتاجها خمسة وعشرون مليون نسمة يعيشون ظروفا معيشية صعبة فى كوريا الشمالية.