كثيرون عندما يمرون على هذه الآية - التي تتخلل آيات الصيام -: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" (البقرة:186) يقفون عند فضل الدعاء واستجابة الله تعالى له وهذا مما لا بأس به، ولكن ماذا عن قوله تعالى: "فَإِنِّي قَرِيبٌ"؟. قال الحسن عن سببها: "إن أعرابيًا قال: يا رسول الله: "أقريب ربنا فنناجيَه أم بعيد فنناديَه؟ فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى قوله "السابق". في القرآن، تكرر وصف الله، سبحانه، لنفسه بأنه "قريب".. إذ قال على لسان نبيه صالح، عليه السلام، لقومه ثمود: "فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ".(هود: 61). وقال تعالى - موجهًا خطابه إلى نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: "قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي ۖ وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ".( سبأ: 50). فأين أنت من هذا "الإله"، الذي يطمئنك إلى أنه "قريب" منك؟ ألا يكفي أن القرب منه، سبحانه، يؤدي بك إلى الجنة، وهي أغلى ما يمكن أن يفوز به إنسان. قال تعالى: "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّات النَّعِيم" (الواقعة: 10: 12).. أي: "والسابقون غيرهم إلى كل فضيلة وطاعة؛ أولئك هم المقربون عند الله - تعالى- وأولئك هم الذين مقرهم جنات النعيم."(التفسير الوسيط). وقال تعالى: "فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ* فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ". (الواقعة:89:88).. أي: "فراحة، وأمان، ورائحة طيبة له". (الوسيط). وفي وصف السجايا العطرة للنبي عيسى عليه السلام، قالت الملائكة الكرام: "وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ".(آل عمران: 45 ). يا لها من نعمة، وكرامة، إذن.. أن تكون من "المُقرَّبين من رب العالمين". ولكن: كيف يتحقق هذا القرب من الله تعالى؟ الإجابة نجدها في الحديث القدسي: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ. وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ". (البخاري عن أبي هريرة). فأولياء الله هم الذين يتقربون إليه بما يقربهم منه، وأعداؤه هم الذين أبعدهم عنه، بأعمالهم المقتضية لطردهم، وإبعادهم منه، وقسَّم، تعالى، أولياءه المقربين، إلى قسمين: أحدهما: من تقرب إليه بأداء الفرائض، ويشمل ذلك: "فعل الواجبات، وترك المحرمات". والثاني: من تقرب إليه بعد الفرائض بالنوافل، "فظهر بذلك أنه لا طريق يوصل إلى التقرب إلى الله تعالى، وولايته، ومحبته، سوى طاعته التي شرعها على لسان رسوله".(جامع العلوم والحكم). فهل عرفت الآن: لماذا تخلل قوله تعالى: "فَإِنِّي قَرِيب" آيات الصيام؟ إنها دعوة لنا جميعا، إلى أن نجتهد، في القرب منه سبحانه، بقدر ما نستطيع، في هذا الشهر الفضيل، وما أكثر الوسائل المعينة على ذلك.. فهل نفعل؟ [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد;