ظروف كثيرة قد تتسبب -لا قدر الله- في بُعد المرء عن الله في رمضان، منها الدراما الرمضانية التي وصفتها إحدى الصحف بأنها "مسحرة"، والأوضاع الاقتصادية الملتهبة التي طالت غالبية البيوت، والاستقطاب المجتمعي الذي يكاد يأتي على أسر كاملة.. إلخ. لكن "رمضان" يأتي، برغم هذا كله، فرصة لتحقيق مزيد من القرب من الله تعالى. وانظر إلى هذه الآية التي تخللت آيات الصيام: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ"، (البقرة:186)، إذ يقف الكثيرون معها،عند فضل الدعاء فقط، واستجابة الله له، وهذا مما لا بأس به، ولكن ماذا عن قوله: "فَإِنِّي قَرِيب"؟ قال الحسن: "سببها أن أعرابيًا قال: يا رسول الله: "أقريب ربنا فنناجيَه أم بعيد فنناديَه؟ فسكت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فأنزل الله "قوله السابق". وقد تكرر وصفه تعالى لنفسه بأنه "قريب" في القرآن.. إذ جاء على لسان صالح، في خطابه لقومه ثمود: "فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ".( هود: 61). وقال تعالى -موجهًا نبيه محمدًا إلى دعوة قومه-: "وَإِنِ اهْتَدَيْت فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيع قَرِيب".( سبأ: 50). فأين أنت من هذا "الإله" الذي يطمئنك إلى أنه "قريب" منك.. مهما كانت ظروفك، وأوجاعك؟ ألا يكفي أن القرب منه تعالى يؤدي إلى الجنة، وهي أغلى ما يمكن أن تفوز به؟ فقد قال: "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّات النَّعِيم". (الواقعة: 12).. أي: "والسابقون إلى كل خير هم السابقون إلى أفضل الثوب في الآخرة". وقال: "فَأَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) ".(الواقعة).. أي: "فراحة، وأمان، ورائحة طيبة له"، بحسب المفسرين. وفي وصف سجايا النبي عيسى عليه السلام، قالت الملائكة: "وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ". ( آل عمران: 45). فيا لها من نعمة، وكرامة.. أن تكون من "المُقرَّبين" من رب العالمين". ولكن السؤال: كيف تحقق هذا القرب من الله تعالى؟ الإجابة في الحديث القدسي: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ". (البخاري عن أبي هريرة). فأولياء الله هم الذين يتقربون إليه بما يقربهم منه، وأعداؤه هم الذين أبعدهم عنه، بأعمالهم المقتضية لطردهم، وإبعادهم منه، فقسم أولياءه المقربين إلى قسمين: أحدهما: من تقرب إليه بأداء الفرائض، ويشمل ذلك: "فعل الواجبات، وترك المحرمات. والثاني: من تقرب إليه -بعد الفرائض- بالنوافل، "فظهر بذلك أنه لا طريق يوصل إلى التقرب إلى الله تعالى، وولايته، ومحبته، سوى طاعته التي شرعها على لسان رسوله"، وفق العلماء. فهل عرفت الآن: لماذا تخلل قوله تعالى: "فَإِنِّي قَرِيب" آيات الصيام؟ إنها دعوة لنا جميعا، إلى أن نجتهد، في القرب منه سبحانه، بقدر ما نستطيع، في هذا الشهر الفضيل. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد