سقوط ضحايا ومصابين في قصف إسرائيلي على قطاع غزة    صحيفة: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا    ضغوط جديدة على بايدن، أدلة تثبت انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي في غزة    سيد عبد الحفيظ: أتمنى الزمالك يكسب الكونفدرالية عشان نأخذ ثأر سوبر 94    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الجونة    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    تستمر يومين.. الأرصاد تحذر من ظاهرة جوية تضرب مصر خلال ساعات    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    لو بتحبي رجل من برج الدلو.. اعرفي أفضل طريقة للتعامل معه    مينا مسعود أحد الأبطال.. المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم السبت في الصاغة    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    وكالة فيتش تغير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    حي شرق بمحافظة الإسكندرية يحث المواطنين على بدء إجراءات التصالح    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    العالم يتأهب ل«حرب كبرى».. أمريكا تحذر مواطنيها من عمليات عسكرية| عاجل    بعد انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم السبت 4 مايو 2024 في البورصة والأسواق    صوت النيل وكوكب الشرق الجديد، كيف استقبل الجمهور آمال ماهر في السعودية؟    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الإذاعى أحمد أبو السعود    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    «صلت الفجر وقطعتها».. اعترافات مثيرة لقاتلة عجوز الفيوم من أجل سرقتها    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    وفاة الإذاعي أحمد أبو السعود رئيس شبكة الإذاعات الإقليمية الأسبق.. تعرف على موعد تشييع جثمانه    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    الخطيب يهنئ «سيدات سلة الأهلي» ببطولة الكأس    تعثر أمام هوفنهايم.. لايبزيج يفرط في انتزاع المركز الثالث بالبوندسليجا    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لأنهم يقفون ضده بعفوية الوعى والكتابة..
إبراهيم عبد المجيد: المبدعون ليسوا بحاجة إلى من يطلب منهم مقاومة الإرهاب
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 05 - 2018

حين يصل الأديب إلى مرحلة «الحكمة والشيب الجميل»، يمكنه أن يتمشى باستمتاع بين تجاربه وأفكاره، وأعماله الإبداعية، وعقود عمره العامرة بالإنتاج، ليتأمل بستانه الخاص، ما أينع منه وازدهر، وما أخفته تراكمات الحياة، يستحلب خُلاصات إبداعه، مستمتعا بجوائزه، ونتاج كدِّه. كما يفعل الكاتب «إبراهيم عبد المجيد» الآن.
قدم 18 رواية، من «فى الصيف السابع والستين» حول النكسة، إلى «قبل أن أنسى أنى كنت هنا» وبينهما قدم درراً لامعة، وست مجموعات قصصية من «مشاهد صغيرة حول سور كبير»إلى «حكايات ساعة الإفطار»، وأربعة كتب منوعة هى «أين تذهب طيور المحيط» (أدب رحلات)، ومسرحية « 24 ساعة قبل الحرب»، و«السبت فات والحد فات» (مقالات)، و«من الذى يصنع الأزمات فى مصر»، و«أيام التحرير»، و«ماوراء الخراب»، وآخرها «ما وراء الكتابة .. تجربتى فى الإبداع» الفائز بجائزة الشيخ زايد 2016، وتُرجمت له أعمال إلى لغات عديدة، وتم تحويل بعضها إلى دراما تليفزيونية، وترجم هو عن الإنجليزية كتاب «مذكرات عبد أمريكي» للكاتب «فريديرك دوجلاس».
وحاز جوائز عديدة، أهمها جائزة الدولة التقديرية، ونجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية، وكتارا، والشيخ زايد، لكن مذاق أول جائزة فاز بها عام 1969 وهو شاب صغير لم يفارق وجدانه إلى الآن، خاصة أن الكاتب «احمد تيمور» توجها بوصفه «قاصا موهوبا».
رحلة «إبراهيم عبد المجيد»، تستحق التأمل، والاستمتاع بها، والتحدث حول جوانب عديدة منها، كما فعلنا معه فى هذا الحوار.
إبراهيم عبد المجيد فى أثناء حواره مع مندوبة «الأهرام»
كيف تخايلك فكرة العمل، وكيف تتفاعل معها فى البداية؟
لا يوجد كاتب يعرف كيف تأتيه الفكرة. لكن بشكل عام كل ما يترك فى روحه أثرا، أو نوعا من التفكير والتأمل مما يشاهده فى الحياة، أو يقرأ عنه. وعندى هى طاعتى للموهبة وانفجاراتها فى الروح، مع فهم أكبر للحياة، والبحث عن عالم أجمل مما حولي، فالإبداع فعل جميل فى قلب الجمال، إن لم يكن هو الجمال ذاته، حتى لو كان عن الشر والأشرار .
ما المراحل التى يمر بها عمل لك، وهل تتشابه أم أن لكل عمل ظروفه؟
أهم مرحلة هى الأولى وهى أنى أتركه للنسيان. لا أكتب فى مفكرة كما يقولون. وأعرف أنه سيتم تكوينه فى اللاشعور أو نسيانه. إذا نسيته فلا مشكلة، وإذا عاد إلى الذاكرة يلح عليّ لأكتبه. والكتابة إذا بدأت لا أتوقف عنها، وإذا توقفت، أعود لقراءة ما كتبته لأستعيد علاقتى به. وبعد ذلك تكون مرحلة الوصول إلى الشكل الفنى الملائم، ثم التدخل فى اللغة والأزمنة اللغوية مثلا لتناسب المكان والزمان والشخصية وهكذا.
ما الطقوس التى اعتدتها فى أثناء كتابتك أعمالك؟
فى حجرة مكتبي، وسط الضوء الأبيض، والموسيقى التى تبدأ بالطرب العربى لنصف ساعة مثلا، ثم موسيقى كلاسيك، وكل هذا بعد منتصف الليل، وفناجين القهوة. الطقوس تصنع عالما واسعا أنسى فيه البشر، وأعيش مع شخصيات رواياتي، ويصبحون هم عالمى الحقيقى وزمانهم ومكانهم زمانى ومكاني.
هل القدرة على الكتابة تختلف من مرحلة عمرية لأخرى، وما أفضل مرحلة؟
قولى الرغبة فى الكتابة. فى الشباب كان هناك إحساس بالترف فى الوقت، ومن ثم لا مشكلة فى التأني، ومع التقدم فى العمر إحساس بضيق الوقت لذلك تكون الرغبة فى الكتابة أكثر وفى وقت أقل. ولكل مرحلة جمالها.
هل ثلاثيتك عن الإسكندرية «لا أحد ينام فى الاسكندرية»، و«طيور العنبر»، و«الاسكندرية فى غيمة» رغبة فى إعادة رسم ملامح إسكندرية الكوزموبوليتان بعد مسخها. وهل يمكن للرواية إعادة الملامح المنسية؟
الإسكندرية ليست مجرد هواء يهب من البحر ، إنما هواء أرسله التاريخ العجيب للمدينة.. تاريخ التمرد والنزق والتسامح.. والكتابة عن هذه المدينة أفق مفتوح تبحر فيه كل السفن الممكنة.. إنها بلورة سحرية تعطيك من كل ناحية عشرات الصور. فى طفولتى وصباى كنا نسكن حيّ كرموز العتيق أقدم أحياء الإسكندرية، والمسافة بين كرموز و البحر المتوسط لا تستغرق أكثر من ثلث ساعة على الأقدام، لكنها كانت بالنسبة لنا نحن أبناء الحى الفقير رحلة, فى كل خطوة عبرها تتغير أشكال الناس الذين يقابلوننا، فإذا وصلنا محطة الرمل وجدنا رائحة البرفانات والفتيات والفتيان يتهادون على الكورنيش، وكافيتريات لامعة خلفها ناس بيض البشرة يشربون الجعة وعربات الحنطور تمرح بالأحباء. هذه هى الإسكندرية «المارية» أى المبتهجة السعيدة، التى كانت السمة الغالبة على شعبها طول التاريخ، رغم التندر على الحكام فتسلطوا عليه حتى كادوا يبيدونه. لقد اجتمع عليها الحكام والطاعون و الزلازل لكن الشعب السكندرى مازال يتندر على الحكام، ولم يعد ممكناً إبادته. وليست الكتابة عن الإسكندرية بالأمر السهل، فهى ليست مجرد مدينة ممتدة تتحرك فيها الشخصيات، بقدر ما هى حالة وجودية ليس أولها الحزن و ليس آخرها الثورة. وللإسكندرية نصيب عند الكاتب للتحرر من الأساليب الكلاسيكية، ومن هذه الحرية التى يمارسها الكاتب فى كتاباته. نجيب محفوظ مثلا تحرر من الكتابة الكلاسيكية فى رواية «اللص والكلاب» و«ميرامار» وأهمية شاعر كبير مثل «كفاكيس» ليس فى مضامين شعره فقط، ولكن فى التجديد فى اللغة اليونانية ذاتها، وفى بناء القصيدة، والأمر يمتد إلى رباعية «داريل»، أقصد التجديد فى الفن الروائي. وهذه الأعمال وغيرها بنت المدينة كما هى بنت الكاتب الموهوب وتستطيع أن تمد الخيط على كل الموهوبين الذين كتبوا عن هذه المدينة، روبير سوليه و هارى تزالاس وتسيركاس وغيرهم.. أن تكون حراً وتعيد بناء العالم على هواك.. سمة أخرى مما نسميه السكندرية. اقرأ داريل أو جاك حسون أو زنانيرى،أو إدوارالخراط، وقل لى أين الإسكندرية هنا. ستجد سكندريات، لكل سكندريته، و كل سكندرية متجاوزة للحقيقة، وأحياناً، بل غالباً للخيال المتاح. وحين كتبت «لا أحد ينام فى الاسكندرية» أردت أن أعود بالقارئ إلى الحياة فى الحرب العالمية الثانية، وكيف كان التسامح تحت الموت والقنابل بين كل الأديان والأجناس. وكيف كانت مدينة عالمية. وفى «طيور العنبر» التى تدور أحداثها فى الخمسينيات أردت أن يعيش القارئ الأحداث التى جعلت من الاسكندرية مدينة تفقد روحها العالمية بخروج الأجانب مضطرين منها بسبب السياسة الناصرية فتحولت إلى مدينة مصرية حقا لكنها ابتعدت عن العالم ثم أخيرا الإسكندرية فى غيمة وأحداثها فى السبعينيات وكيف صارت المدينة سلفية وهابية. كيف فقدت العالمية والمصرية معا وعادت إلى العصور الوسطي
تحفل رواياتك بمشهدية سينمائية لافتة، كأنك السينما تنافس الأدب بداخلك؟
السينما حياتى منذ طفولتى المبكرة ومنها عرفت الروايات الكبرى المأخوذ عنها الفيلم، وكانت دور السينما فى كل أحياء الاسكندرية، والمدينة مهد الفن السينمائى فى مصر أواخر القرن 19، وبداية العشرين لذا تحتل مكانا بارزا فى أعمالى عن الاسكندرية , وصدر لى هذا العام كتاب «أنا والسينما» عن الدار المصرية اللبنانية. والسينما فى طفولتى عالم من البراءة والجمال، اختفى مع دور سينما هُدمت ومدينة فقدت طابعها العالمى.
للميديا تأثير إيجابى كبير فى الثقافة والأدب، فما تأثيراتها السلبية بتقديرك؟
هناك طبعا فائدة بل فوائد أقلها وصول الأدب إلى كل الدنيا وتحدى الرقابة فى الدول التى تتعنت مع الإبداع. لكن فنيا هناك أكثر من جناية على الأدب سببها الذين يكتبون وفى ذهنهم الميديا قبل الفن. أى عدد اللايكات أو الصفحات الممولة مثلا. فهى تركز أكثر على التسلية طمعا فى جمهور أكثر من المشاهدين. المواقع والصفحات الأدبية التى ينشئها الكثير من الشباب مثلا كثيرون منهم فى مصر يطلبون منى أحيانا التعليق. ولقد تابعت بعضها فوجدت أكثر أصحابها يكتبون دون معرفة سابقة بطبيعة الجنس الأدبي, هل هو رواية أو قصة أو شعر. يكتفون بالحكاية. ولا يفرقون حتى بين الحكاية كمادة للتشويق وبين المقال فكثير من الحكايات تنتهى برأى أو عظة. ولقد سألت بعضهم يوما هل قرأ كتابا فى فن القصة فكانت الإجابة وما أهمية ذلك وأنا أعرف الكتابة. بل هناك كاتبة أو كاتب شاب لا أذكر بالضبط تفاخر أنه يكتب ولا يقرأ. للأسف هذه الصفحات والمدونات أكثرها ساذج رغم أن هناك قراء ومعجبين لها بالآلاف. فالأمر يعكس تدنيا بلا شك فى مستوى التلقى . لكنه أيضا يعكس استسهالا. فما الذى يجبر قارئا أن يبحث عن معنى أعمق لما يقرأ؟ وللأسف هناك من النقاد من أشاع فى حياتنا الأدبية مصطلحات لا أعرف لها معنى ولاقيمة مثل القصة الومضة أو القصة القصيدة وهكذا. فتقرأ مثلا من يقول «خرجت من بيتى مسرعا ممنيا نفسى بلقائها ووصلت إلى المقهى فجلست انتظرها لكن خاب أملى ولم تأتِ» انتهت القصة الومضة كما يقولون والحقيقة أنها خبر لا يعنى أحدا. وجدت حبيبتك أو لم تجدها هذا أمر يهمكما ولايهمنا نحن! وبعض النقاد أيضا غالبا يمشون وراء نوع من الكتاب يخترع هذا الكلام فيحدثك عن القصة الشعرية بينما تاريخ القصة منذ ثلاثينيات القرن الماضى كان تاريخ التخلص من شعرية اللغة المجسمة فى المحسنات البديعية وغيرها. شعرية القصة تأتى من بنائها وتكوينها ولغات شخصياتها وزمنها ومكانها وليست من لغة مجنحة بالمحسنات والتشبيهات الخ . للأسف قد تجد مؤتمرا يحاول أن يدشن ذلك. لا أقف عند هذه الأشياء وأعرف أن الزمن سيمحوها وحده لكنها بلا شك تترك وراءها كتابة سهلة لا معنى لها.
شىء آخر تفعله الميديا وهى نقل بعض سطور الحِكَم والأمثال فى الرواية باعتبارها تخص الكاتب بينما هى فى الأغلب الأعم من حوار شخصيات الرواية ولا علاقة للكاتب بها. الرواية فن غير السيرة وهذا موضوع آخر !. ووصل الأمر ببعض المواقع الالكترونية أن تنشر أشعارا منسوبة لشعراء كبار مثل صلاح جاهين ومحمود درويش والسياب وغيرهم والشعر ركيك تافه لا يمكن أن يقوله أى منهم. لا أعرف لماذا تفعل المواقع ذلك بينما يمكنها بسهولة العثور على دواوين هؤلاء الشعراء.
هل تؤمن بجد بأن الثقافة قادرة على مواجهة الإرهاب، وكيف يمكن فعل هذا؟
الثقافة فى مواجهة الإرهاب. وهى عبارة جذابة يندفع خلفها الكثيرون. بل فى مصر عادة بعد كل عملية إرهابية نجد احتشادا فى وزارة الثقافة لإعلان بدء النشاط الثقافى فى مواجهة الإرهاب. والسؤال الذى أريد أن أذكِّر الجميع به خاصة فى مصر هو هل جاء الإرهاب إلينا من الفضاء؟ هل صدرته إلينا دول أخري؟. الإجابة على السؤال الأول واضحة. أن الإرهاب لم يأتِ من الفضاء بل هو نتاج أرضى تام وراءه أفكار يتم الترويج لها من زمان، ووراءه نظم سياسية، ودعم مادى رهيب لأصحابه. ومن ثم تكون الإجابة على السؤال الثانى واضحة لكن من المهم أن نعرف انه ليس صنيعة خارجية كاملة بل هو صنيعة محلية أيضا وبالأساس. الذين عاصروا سنوات السبعينيات من القرن الماضى فى مصر رأوا كيف وقف النظام السياسى تحت حكم الرئيس السادات مع الجماعات التى تسمى نفسها إسلامية سواء كانوا الإخوان المسلمين أو السلفيين والوهابيين فى مواجهة الاشتراكيين والناصريين والقلة الموجودة ذلك الوقت من الليبراليين. بل وضعت لهم القوانين التى تعفيهم من أى مساءلة فى اختراق قوانين المبانى مثلا فصار من يبنى عقارا مخالفا للقانون يُعفَى من أى غرامة مالية أو عقاب بهدم العقار مادام يقيم تحته مسجدا. ورغم أن هذا القانون أُلغى أيام مبارك فلا يزال من يفعل ذلك متأكدا من عدم قدرة أى جهة أخلاقيا أو عُرفيا على هدم العقار المخالف مادام به مسجد. بل أكثر من ذلك كان يتم تدريب عناصر فى مصر تلتحق بحركة طالبان فى أفغانستان ضد الاحتلال السوفييتى بدعم مالى من السعودية ودعم عسكرى من أمريكا واعترف ولى العهد «محمد بن سلمان» أخيرا بهذا. وأولئك الإرهابيون توزعوا فيما بعد على العالم من البوسنة إلى العراق إلى الشام. كثير جدا من الأمثلة تعرف منها أن شعار الثقافة فى مواجهة الإرهاب شعار طيب بالمعنى الشعبى المصري, أى ساذج! على أن هناك إرهابا آخر ينمو على مهل وهو الناتج عن الظلم الاجتماعى والسياسي. فكل من يحبس ظلما يتشرب أفكار الإرهابيين الحقيقيين الذين سُجن معهم فى زنزانات واحدة. الرواية والشعر والفن عموما لا يرضى بما حوله وينشد المبدعون دائما عالما أفضل حتى وهم يعبرون عن القبح السائد.
المبدعون ليسوا فى حاجة إلى من يطلب منهم مقاومة الإرهاب .
وفى مصر مثلا فى التسعينيات قامت وزارة الثقافة المصرية بجهد كبير فى إصدار كتب ضد الإرهاب وإقامة مؤتمرات فى كل البلاد، بل فى الميادين أحيانا، لكن فى نفس الوقت كانت الجهود المضادة تهدم كل هذا فى خطبة واحدة. لا تطلبوا من المبدعين الوقوف ضد الإرهاب لأنهم يفعلون ذلك بالفطرة، لكن لابد من تدشين برامج تعليمية عظيمة، وبناء المدارس والجامعات، وإنهاء القوانين التى تعرقل حرية الفكر ، وهذه أقرب الطرق للقضاء على الإرهاب. فالإرهاب صنيعة سياسية قبل أى شيء. والفصل بين الدين والدولة مهم جدا. واتركوا الأدباء يكتبون ضد القبح ليعرف الناس الجَمال الغائب أو يحلمون به!
هل يمكن للكاتب أن يحافظ على مستوى معين لأعماله، هل بيده الأمر وحده؟
إذا عرف أن الكتابة ليست مجرد كلام مرسل، لكنها بناء فني، ومهم جدا المواظبة على القراءة فى الفنون والأدب والتاريخ وما إلى ذلك.
هل تختار لغتك، أم أنها تتشكل بتراكم الخبرات والدُربة، والذائقة الخاصة، أم تداعيات العمل هى التى تفرضها، ومتى يدخل فيها الخيال؟
اللغة بنت الشخصيات والزمان والمكان. لليل لغة، والنهار لغة، وللأماكن الضيقة لغة، والواسعة لغة، المهم أن يتناسب ذلك مع الشخصيات وموقعها من الرواية. اختيار اللغة عمل أساسى فى الرواية. أما الخيال فيفرض نفسه. هناك أماكن تدفع إلى الخيال. مثلا.. فى روايتى «المسافات (1982) كل أحداثها بين بحيرات وصحراء وخطوط سكك حديدية لا تأتيها القطارات فهنا يقفز الخيال والأساطير . وفى روايتى الأخيرتين «قطط العام الفائت» و«قبل أن أنسى أنى كنت هنا» يقفز الخيال لأنى من البداية اخترت الابتعاد عن السياسة، مع أن الأولى عن الثورة، والثانية عن شهداء الثورة. الخيال يساعد كثيرا على تجاوز السياسة المباشرة خصوصا والثورة لم تبتعد كثيرا زمنيا.
متى تكتب؟
اخترت الليل للكتابة طول حياتي، فى الليل لا أحد، والنهار لحياتى العادية، لذلك لا تأثير سلبيا علي. وساعدنى على ذلك أنى لم أواظب على الذهاب إلى عملى طوال عمري.
متى نقول هذا كاتب شهير؟
الجوائز تحقق الشهرة، وتحويل الأعمال الأدبية إلى دراما وسينما، والمبيعات العالية، وليس الظهور فى البرامج.
«نجران تحت الصفر» للأديب الفسطينى «يحيى خلف»، كانت السبب المباشر فى كتابة روايتك «البلدة الأخرى»، فكيف تفلت من هيمنة العمل الملهم، لتمنح روايتك خصوصيتها؟
أحببت رواية «يحيى خلف» «نجران تحت الصفر»، ولا زلت، وقرأتها قبل ذهابى إلى السعودية، وكانت أهم عوامل تشجيعى على الكتابة، لكن المكان والزمان والتناول مختلف طبعا. فلكل أديب عالمه ورؤاه. والاستلهام أن تتأثر روحيا لكن تكتب نفسك.
هناك كُتّاب تصنعهم دور النشر لتحقيق مبيعات هائلة، وليس لهم علاقة بالأدب فى حقيقة الأمر،كيف تفسر هذا الإقبال عليهم من الشباب؟
هذه ظواهر عابرة لا أهتم بها ولا تقلقني. فالقراء فى كل الدنيا أنواع. من يقرأ ليتسلى، وآخر ليستمتع، والثالث يستمتع ويفكر. وقراء التسلية الأكثر عددا من غيرهم، ولا يعيب دور النشر الاهتمام بهذا النوع من الكتابة، لكن العيب أن تعتبر هذه روايات، فأى دار تستهدف الكسب، والزمن يفرز الجيد من الردئ.
لماذا تلح عادة على إلغاء وزارة الثقافة؟
أتمنى أن تتحول الوزارة إلى جهة داعمة للعمل الأهلى بالمال والأماكن، إذا كانت هناك حاجة إليها فى كل الفنون وليست منتجة للفنون. العمل الأهلى أكثر حرية، وأتمنى تحويل جميع ممتلكاتها إلى هيئات خاصة يملكها من يعمل بها، وتدعمها الوزارة بجانب توزيع قصور الثقافة والبيوت الثقافية على الفنانين الذين بدورهم يحولونها إلى ساقية صاوى جديدة.
من أكثر الكُتّاب الذين تأثرت بهم؟
أكثر من كاتب، على رأسهم كافكا ودستوفيسكى ونجيب محفوظ والإيطالى دينو بوتزاتي.
حُزت كثير من الجوائز، آخرها الشيخ زايد للآداب 2016، عن كتابك «ما وراء الكتابة.. تجربتى مع الإبداع». فماذا تعنى الجائزة لكاتب، هل تدعمه معنويا، وماديا، أم أن زيادة المقروئية أفضل نتائجها؟
فى سن مبكرة كانت الجائزة لها وقع خاص، لأنها كانت اعترافا أدبيا ولها فرحة من نوع فريد. ولا أنسى عام 1969 حين فزت بالجائزة الأولى لنادى القصة بالإسكندرية وكانت على مستوى الجمهورية وكيف نشرت القصة على صفحة كاملة بجريدة أخبار اليوم مع مقدمة صغيرة للكاتب الكبير «محمود تيمور» عنوانها «هذا قصاص موهوب» ومانشيت الصفحة «من خمسمائة قصة فازت هذه القصة»، يومها اشتريت بكل نقودى صحفا وزعتها على الناس فى الطريق. والفرحة نفسها أحسستها يوم فوزى بجائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية عام 1996، وكانت آنذاك لا يتقدم إليها الكاتب. لكنها فرحة كبرى لاقتران اسمى بنجيب محفوظ، وجمالها أنها أول دورة للجائزة، وفتحت الباب لترجمة خمسة أعمال لى إلى الإنجليزية. ولكل جائزة فرحتها. وجوائز الدولة «التفوق» ثم «التقديرية» التى رأيت العقاد يتسلمها من عبد الناصر فى التليفزيون وأنا صغير. ثم أصبحت الجوائز سببا لتوزيع أكبر للكتب، وحلا للمشاكل المالية التى يعانيها الكُتّاب عادة، وفرصة جيدة للترجمة. هكذا كانت جائزة كتارا. ثم جائزة الشيخ زايد التى فرحت بها جدا لاقترانها باسم رجل عظيم، ولأنها جائزة فى شتى فروع المعرفة ولها سمعتها العالمية بجانب سمعتها العربية.
فى كتابك «ما وراء الكتابة.. تجربتى مع الإبداع» طوّفت بالخبرات الجمالية والروحية والفكرية عبر رحلتك الإبداعية، وكأنك تكتب روايتك الخاصة، ليرى قراؤك عالمك بوضوح، هل إطلاع الناس على تفاصيل الكاتب والكتابة يجعله أقرب إليهم؟
ليس ضروريا طبعا. بالعكس هذا فعل اختيارى للكاتب إذا أراد فعله وهو قليل فى ثقافتنا العربية عامة والمصرية خاصة، لكنه كثير فى الأدب العالمي. وكثير من الغربيين عرضوا تجربتهم الحياتية المرافقة للإبداع، هنرى جيمس، وفرجينيا وولف، ود . ه . لورانس، وماركيز، وهاروكى موراكامى، وخوسيه دونوسو، لكن هذا الشكل من الكتابة نادر فى العالم العربى لكنه يتزايد. ويضيف إلى النقد الأدبى والدراسات الجمالية، خاصة أن فى حياة الكاتب أسرارا قد تضيف إلى دارسى أعماله الكثير، وتسهل رحلة الكُتّاب الشباب. وربما لأن الأحاديث الصحفية مع المبدعين تكشف كثيرا من أسرارهم، وبعض الكُتّاب لا يهتمون بشيء بعد صدور أعمالهم، وعموما أسرار الكتابة منجم رائع للقراء. وعلى أى حال هذا النوع من الكتابة يفجر كثيرا من الدهشة لدى القارئ خاصة حين يكشف ما لا يصل إليه النقد الأدبى، كما يعيد بناء عالم يبدو قد ولى وانقضى وهو العالم الذى أحاط بالكاتب زمانا ومكانا وبشرا. وتصل الدهشة إلى غايتها حين يكتشف القارئ مثلا أن وراء القصة أمرا بسيطا، لكن عين المبدع وروحه رأته مختلفا فصنع منه عالما إنسانيا كبيرا.
تواظب على كتابة المقالات.. فلأى مدى تؤثر سلبا وإيجابا على لغة الكاتب أم أنهما سياقان منفصلان؟
طبعا يمكن أن تؤثر كتابة المقالات على الرواية، وكان هذا سبب تجنبى العمل بالصحافة فى بداية حياتي. خفت من ذلك. مقالاتى التى اكتبها لا تؤثر لأنى أكتبها بروح الأديب كما أنى أستطيع أن أفصل بينها وبين ما أكتب. أكتب المقالات نهارا وفى أى مكان لكن الرواية والقصة ليلا كما قلت من قبل وفى غرفتى ومعى الموسيقى والضوء الأبيض بعد أن ينام الجميع. أشعر أنى وحدى فى العالم خلقنى الله الآن، ولا أنيس معى غير شخصيات أعمالى وصوت الموسيقي.
وما السبيل لإحياء وتطوير الثقافة المصرية بتقديرك؟
أكاد أضحك من اليأس بسبب ما حولى وليس بسبب الثقافة فقط! أتمنى تطور مصر كلها. أن تصبح بلداً ديمقراطياً ووطنا للعدل والحرية والمساواة بين الجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.