ليس لدينا إجراءات فاعلة واضحة ضد الانتشار المَرَضِي المخزي للمتسولين، في كل مكان، خاصة في أماكن تجمع المواطنين والسياح، خاصة الفاخرة، وعند منازل الكباري وسلالم المترو وإشارات المرور، وعلي الأخص في كل رمضان. وذلك في وقت تنشط فيه أجهزة الدولة بجهود مُقدَّرة ضد الباعة الجائلين! ومن التناقضات الكثيرة التي تفقأ العين بوضوحها المستفز، أن المسئولين، مشكورين، لم يرتبكوا أمام خطر انتهاك القانون بالبيع في الطريق العام دون ترخيص، ولم يذعنوا لذريعة البحث عن لقمة العيش، ولكنهم صامتون تماماً عن الانتشار السرطاني للمتسولين الذين يشكلون واحدة من أسوأ المظاهر، بقبحها وقذارتها وتخلفها، باستعراضهم لعاهات طبيعية أو مصطنعة، وبالمسكنة والنواح التي تفطر قلوب العابرين، ناهيك عن ذبح الطفولة باستخدام الصغار في ابتزاز عاطفة المارة! فأما مسألة الأطفال، فتنطوي علي تناقض يستحق النظر، لأن الناشطين في مجال حقوق الطفل يجتهدون في حماية الأطفال في هذه السن الصغيرة من الانخراط في سوق العمل، ولكنهم لا يتحمسون بنفس القدر أمام تسول الأطفال الذي يمتهن الطفولة ويشوّه الروح! ففي حين أن الطفل العامل مضطر للعمل لإعالة أسرة، لذلك، فإن حرمانه من العمل يهدد هذه الأسرة بفقد ما قد يكون المصدر الوحيد لدخلها الذي يضمن لها ألا تموت جوعاً! فكأن الدولة، أو المجتمع أو المسئولين، يعاقبون الطفل شديد الفقر الذي لديه اعتداد وكرامة ويأبي أن يتسول ويفضل أن يعمل عملاً شريفاً يكون أحياناً في قائمة الأعمال الخطرة علي الصحة بل علي الحياة، أما الطفل المتسول فلا يتعرض له أحد، أو بمعني أصح لا يحميه أحد! وكما تري، فإن ما يزيد القضية تعقيداً أنها لا تتوقف علي عامل الفقر وحده، وإنما تنطوي أيضاً علي جوانب ثقافية وحضارية. والحقيقة أن مسئولية المجتمع لا تقلّ عن واجب الدولة، لأن كثيراً من المتدينين لا يتحمسون للقضاء علي ظاهرة التسول، لأنهم يجدون فيها وسيلة للتصدق لنيل الثواب. ويشترك معهم في نفس الموقف كثير من اليساريين، من منطلقات مختلفة، لأنهم يرون التصدي للمتسولين عدواناً لا يقبلونه علي الفقراء، كما أنه ينطوي علي تواطؤ لمصلحة الرأسمالية المتوحشة، وعمالة للإمبريالية العالمية!. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب