لم تعد التحليلات الاقتصادية وحدها كافية لتفسير ظاهرة التسول، مع هذا الانتشار السرطاني للمتسولين! بما يعني تلقائياً أن هناك أعداداً كبيرة من المواطنين يضعفون أمام إبداء المسكنة والعوز ويمدون يد العون لهم، برغم الأخبار المتداولة المؤكدة عن ألاعيب المتسولين باصطناع عاهة، أو باصطحاب أطفال يبدو عليهم البؤس، أو أن يرتدي رجل منهم نقاباً ويدعي أنه أرملة تعول جيشاً من الأطفال، وأن كثيراً من هؤلاء يجنون أموالاً طائلة..إلخ! والغريب أن الشرطة تلقي القبض علي الباعة الجائلين شديدي الفقر، وتدع المتسولين في أمان! الحقيقة أن هناك أفكاراً غريبة تبدو راسخة في ثقافتنا، من روافد مختلفة، تُحفِّز أصحابها علي مساعدة المتسولين بما يساعد علي تفاقم الظاهرة، وهي نقطة تجمع مختلفين ينتمون لأفكار مختلفة، فيهم المتدينون الذين يعتبرونها صدقة يُثابون عليها في الآخرة، وفيهم من يرطنون بشعارات إسلامية في ممارستهم السياسية، مثل الإخوان وحلفائهم، الذين يرون هؤلاء رصيد أصوات تنفع يوم الانتخابات فيوطدون العلاقات معهم بنفحات الزيت والسكر..إلخ، كما أنه ليس معروفاً أن يكون اليساريون قدموا دراسات جادة عن ظاهرة التسول، حتي من باب وجوب اجتثاث ظاهرة مَرَضية كخطوة أساسية للتحديث ولتحقيق الأوضاع المعينة علي النهضة، بل إنهم عندما يعلنون تمسكهم بوجوب التزام الدولة بسياسة دعم الفقراء، يطرحونها وكأنها أوضاع أبدية لا فكاك من استمرارها، ويصبّون نقدهم علي الحكومة التي لا توفر لهؤلاء المسكن اللائق ومرافق المياه والكهرباء والصرف الصحي..إلخ، دون سبر الظاهرة والتعامل مع أبعادها المعقدة. وعن المتسولين، ليس هناك إشارة عن استمراء من يتسول لحاله. بل لم يتوقف الكثيرون أمام حقيقة أن الفقر وحده لا يترتب عليه وجوب أن يمد صاحبه يده ليستجدي المارة، لأن هذه لا يفعلها إلا من تحلل من قيم الاعتداد بالذات وبالكرامة الإنسانية وربما يكون فقيراً، لأن الفقير، غير المتبجح مثل هؤلاء، قد يتورط في السرقة مثلاً، ولكن ليس في التسول!! والكلام بسبب خبر منشور قبل بضعة أيام عن فتي يتكسب من التسول يومياً 600 جنيه، ويتناول وجباته الثلاث في مطاعم كنتاكي! [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب;