وزير التعليم العالي يؤكد أهمية تنوع الأنشطة الطلابية لذوي الإعاقة بالجامعات    محافظة الدقهلية تواصل فعاليات دمج أطفال دور الرعاية بالمجتمع (صور)    أسعار البيض اليوم الجمعة بالأسواق (موقع رسمي)    قمة مصرية روسية اليوم بموسكو لتعزيز العلاقات في مختلف المجالات    لأول مرة.. بابا الفاتيكان أمريكيا| وترامب يعلق    خلافات عميقة وتهميش متبادل.. العلاقة بين ترامب ونتنياهو إلى أين؟    ريال مدريد يستعد لإعلان تنصيب ألونسو خلفًا ل أنشيلوتي    إحباط محاولة غسل 50 مليون جنيه من تهريب المخدرات وضبط عنصرين أجنبيين بمدينة نصر    5 حالات اختناق بمنزل وحادث اعتداء على سوداني بالجيزة    ضبط عناصر إجرامية بحوزتهم مخدرات بقيمة 3.5 مليون جنيه    عرض فيلم "Only the River Flows " بمكتبة مصر الجديدة العامة    بوتين: روسيا ستبقى قوة عالمية غير قابلة للهزيمة    وفد «محلية النواب» يتفقد الخدمات الصحية لمستشفى الناس بشبرا الخيمة (صور)    احتفالات روسيا بالذكرى ال 80 للنصر العظيم..حقائق وأرقام    مصلحة الضرائب: 1.5 مليار وثيقة إلكترونية على منظومة الفاتورة الإلكترونية حتى الآن    فاركو يواجه بتروجت لتحسين الوضع في الدوري    ماركا: تشابي ألونسو سيكون المدرب الجديد لريال مدريد    إنفانتينو يستعد لزيارة السعودية خلال جولة ترامب    وزير الري: سرعة اتخاذ قرارات طلبات تراخيص الشواطئ تيسيرا ودعما للمستثمرين    وزير الإسكان: بدء تنفيذ مشروع «ديارنا» السكني بمدينة القاهرة الجديدة    جدول امتحانات خامسة ابتدائي الترم الثاني 2025 بالقليوبية «المواد المضافة للمجموع»    بسبب الأقراص المنشطة.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة| غدا    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني للطلبة المصريين في الخارج غدا    الموافقة على الإعلان عن التعاقد لشغل عدة وظائف بجامعة أسيوط الأهلية (تفاصيل)    وزير المالية: الاقتصاد المصري يتحرك بخطى جيدة ويوفر فرصًا استثمارية كبيرة    مروان موسى ل«أجمد 7» ألبومى الجديد 23 أغنية..ويعبر عن حياتي بعد فقدان والدتي    حفيدة الشيخ محمد رفعت: جدى كان شخص زاهد يميل للبسطاء ومحب للقرآن الكريم    الجيش الأوكراني: تصدينا خلال ال24 ساعة الماضية لهجمات روسية بمسيرات وصواريخ    اقتحام مستشفى حُميّات أسوان بسلاح أبيض يكشف انهيار المنظومة الصحية في زمن السيسي    الهيئة العامة للرعاية الصحية تُقرر فتح باب التقدم للقيد بسجل الموردين والمقاولين والاستشاريين    «دمياط للصحة النفسية» تطلق مرحلة تطوير استثنائية    افتتاح وحدة عناية مركزة متطورة بمستشفى دمياط العام    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 9- 5- 2025 والقنوات الناقلة    أسعار الدولار أمام الجنيه المصري.. اليوم الجمعة 9 مايو 2025    أحمد داش: الجيل الجديد بياخد فرص حقيقية.. وده تطور طبيعي في الفن    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تجارب لأنظمة صواريخ باليستية قصيرة المدى    أسرة «بوابة أخبار اليوم» تقدم العزاء في وفاة زوج الزميلة شيرين الكردي    في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    الهباش ينفي ما نشرته «صفحات صفراء» عن خلافات فلسطينية مع الأزهر الشريف    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    رئيس الطائفة الإنجيلية مهنئا بابا الفاتيكان: نشكر الله على استمرار الكنيسة في أداء دورها العظيم    سالم: تأجيل قرار لجنة الاستئناف بالفصل في أزمة القمة غير مُبرر    تفاصيل لقاء الفنان العالمي مينا مسعود ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    الأهلي يتفق مع جوميز مقابل 150 ألف دولار.. صحيفة سعودية تكشف    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    طلب مدرب ساوثهامبتون قبل نهاية الموسم الإنجليزي    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يقترب من إعلان "صفقة شاملة" لإنهاء الحرب في غزة    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤكدا أن أدواره ليس لها علاقة بقناعاته
محمود حميدة: تعلمت التمثيل من الغجر
نشر في الأهرام اليومي يوم 17 - 05 - 2018

* أنا ممثل عصامى وبدأت مشوارى وحدى دون أن يدعمنى أحد
* أستمتع بالتمثيل مثل البدايات لكن بطريقة مختلفة وإذا لم يستمتع الممثل لن يُمتع الجمهور
* وصلت لأسلوب يخصنى هو إرسال إشعاع الشخصية لبؤرة الكاميرا
* علم الحركة مرتبط بالتمثيل مباشرة والممثل لا يجب أن يقف أمام مرآة أثناء تدريباته
من رأى ليس كمن سمع. وهو ما حدث لى تماما مع الفنان «محمود حميدة». ففى كل المرات التى رأيته فى العروض الخاصة، أو الندوات، لم أسترح للانطباعات التى يُصدّرها ظاهره. لكنى لم أبنِ عليها لأنى لست من «الشكليين» الذين يأخذون بظاهر الأمور، ولا الإيحاءات البرّانية، وكنت أتساءل عادة، كيف لإنسان يواظب على القراءة طوال حياته، ويمتلك وعيا عميقا هكذا، أن يكون متعاليا!!. إلى أن جلست معه أخيرا لإجراء هذا الحوار، وأيقنت بجلاء الفارق بين «السَمَع والرؤية»، واكتملت لدى صورة «الفنان المثقف»، و«الإنسان المهذب»، بمنطق «الباطنية» الذين يأخذون بحقائق الأمور، لا قشورها الخادعة.
رأيت إنسانا واعيا، يتحدث بمعرفة، يمتلك وجهات نظر مغايرة، و أحيانا مخالفة للسائد فى بعض جوانبه، لكنه توفر على بناء نفسه بجدية حين قرر ضبط مساراته، حتى حقّق مستوى من العصامية يفتخر به، فلم يسانده أحد، وربما يراه البعض متطاوساً، لكنه يرجع تصرفاته تلك لمنطقية التغيرات، فالانتقالة «من العادية إلى النجومية» تستوجب سلوكيات مختلفة، هو نفسه لم يعتدها قبلاً، لأن الأهم عنده أن يكون ممثلا «مُسليا للسيد الجمهور» حسب تعبيره، ونافعا للناس فى سياقه، حيث لم يتردد لحظة بعمل فيلم تسجيلى عن الشاعرة الكبيرة «نازك الملائكة»، وأمسيات شعرية للعظيم «فؤاد حداد»، وحفلات موسيقية للفنان «عبده داغر»، وإصدار مجلة سينمائية (الفن السابع) رفيعة هدية منه للجمهور، وفتح معهد لتدريب شباب الفنانين بدعم كبير منه، بجانب إنشغالات التصوير، ووسط هذا كله ما يزال يحزم بعض الكتب أحيانا ويذهب إلى حيث ينهل منها ما لا يعرفه، وانفتاح الأفق على شغف المعرفة هو آية التطور الذاتي، والقدرة على تعديل الأشياء بالإيجاب دائما، بمرونة تجعل الحياة أسهل وأجمل.
معروف عنك أنك تذهب إلى مكان بعيد لتقرأ كتاباً مهماً، هل لأنك اعتدت القراءة من بداياتك أم لكونك مواطنا مهموما، أم لأنك فنانا يجب أن يكون على دراية بأهم ما يحدث فى بلده عموما؟
الكتاب معى أينما أكون، وعندما كنت أسافر لفترة طويلة، أحمل معى الكتب، خاصة دواوين فؤاد حداد، مهما كانت الكتب ثقيلة، وكانت تصل أحيانا إلى حقيبتين، لابد أن تكون جانبي، حتى لو لم أقرأ. أعزل نفسى عن المحيط، وأجيد فعل هذا، فهو من تدريبات التمثيل أصلا وكأنى على المسرح.. ولا أزيل الحائط الرابع، كى لا أرى الصف الأول، فالحائط الرابع فى المسرح غير موجود ليرى الجمهور الممثلين، لكنى لا أزيله، أو أتوهم هذا، أن تشعر أن لا أحد يراك، كالغناء فى الحمام، تنفتح لأنك متأكد أن لن يراك ولن يسمعك أحد. مثلا جئت لألتقيك، وأعرف أن أولادى سيحدثونني، لكننى لا أضع هذا فى حسبانى كيلا أقطع استرسالى معك. واعتياد القراءة ليس سراً، وهى تأتى بالدربة، أخوتى لا يقرأون مثلي، يقرؤون فقط فى مجال تخصصهم، وأخبرهم دوما بضرورة قراءة الأدب.
محمود حميدة
من حبّب إليك القراءة؟
أبى حبّب إليّ القراءة، منذ صغرى كان يمنحنى كتباً مهمة، ويناقشنى فيها بعد انتهائى منها، ويمنحنى جائزة، فقرأت رواية «الحرب والسلام» مثلا فى سن الثانية عشرة، وقرأت أيضا فى الفقه والتفسير، لاهتمام الأسر بالتربية الدينية. ثم اكتشفت أن قراءاتى كانت بدون تحصيل حقيقى حين أتممت الثلاثين من عمري، فأعدت قراءة ما قرأته مرة أخرى، وكل ما ذكرته كان من أسباب القراءة، وتطور الأمر. فصار الكتاب المصدر الرئيس للمعرفة، لكى أعرف شخصا يجب أن أقرأ له أو عنه، لأن شاغلى الأول كممثل هو الشخصية الملعوبة، وكأننى أقرأ سيناريو لتحديد أبعاد الشخصية ورسمها، أما الهم العام فبتّ لا أستطيع له دفعا، وهذه الهموم أصرفها فى الشخصيات، هى وقود التمثيل. الجانب الآخر منى كمواطن، لدى أولاد أعولهم، ومشاكل العمل، والحياة عموما.
لماذا خصّك والدك دون أخوتك بالقراءة؟
كان يفعل هذا مع الجميع لكنهم لم يستجيبوا، ولأنى الابن البكري، وهذه طبيعة الأمور فى معظم الأسر، وخصوصا إن كانوا كلهم ذكورا، ليس عن عمد أبدا، ربما لأننى كنت أريد أن أعمل منذ وقت مبكر، وبدأت تمثيل فى الخامسة، وكنت أواظب أسبوعيا على الذهاب إلى بلدى فى مركز أطفيح، بينما أخوتى يذهبون فى الإجازات فقط! . كنت أحب رؤية الغجر الذين يأتون إلى بلدنا، وجدى الذى تسميت على اسمه كان فلاحا وقاضيا عرفيا، ولم يكن يحتقر أفعالهم، وكان جدى عبد الهادي، «أخو سِتِّى لأبي»، كريما جدا، وكان يأويهم، ويجلسنى فى حجره والغجر ينصبون خيامهم فى الرحبة أمام بيته، وكنت أراهم كل صباح يستعرضون فنونهم ورقصاتهم، ويأخذون فى المقابل غلَّة (قمح)، وكان جدى محمود حميدة يتوقع وجودى عند الجد عبد الهادى دائما، كنت أحب رؤية الغجر كثيرا. وأعتبرهم مسليين وصُنّاع بهجة عظماء، لذا أقول عن نفسى مُسلّي، شغلتى أُسلِّى السيد الجمهور. وفى سن الخمس سنوات عملت مسرح بمصطبة مكونة من أربعة «فلوق نخيل»، وعرّشته بالجريد، وأحضرت أقاربنا الفلاحيين، وألفت لهم تمثيلية، وأحضرت أهلهم للفرجة، وكنت أقوم بتسلية أهل البيت والمحيطين..
الخشبة ذات الزوايا الأربع، هل استلهمتها من الغجر؟
لا.، من «تِرك» الموالد، أقصد «تِرك» لا سيرك، وهى خشبة مسرح خاصة بالموالد،. أشبه ب «الاستيدج» للعروض والرقص والألعاب.
وكيف استقبل والداك رغبتك فى التمثيل المبكر هذا؟
شجعانى جدا، وعلمتنى أمى الغناء والرقص، واهتم والدى بوجودى على خشبة المسرح، وحينما بلغت 12سنة، مثّلت شخصية «تاجر البندقية» فى المدرسة، وكان «نبيل الألفي» رئيس لجنة تحكيم «دورى المدارس المسرحي»، ومنحنى جائزة الممثل الأول، وقال لوالدي: «ارسل لى هذا الولد بعد الثانوية، لندخله معهد التمثيل، ونسفّره ليكمل تعليمه فى الخارج»، وراق الكلام لأبي، لكننى كنت مقررا منذ الثامنة دخول كلية الهندسة، وفى الثانوية العامة قال لى والدى التحق بالمعهد، لكننى رفضت، كنت أُمثّل فلم أر الالتحاق بالمعهد شيئا مهما، والتحقت بالهندسة، وفشلت فيها، وقاطعنى أبى لمدة أربعة سنوات، بعد أن كنت الطالب المثالى فى الثانوية. كان هذا عام 1968، فذهبت إلى طبيب نفسي، وقال لي: «لديك فراغ نفسي». وظللت أفكر: «من مثالى إلى غير مثالي»!. فقد كنت منضبطا لدرجة مدهشة، لا أحد يستطيع التدخين أمامي، لا أحد يتجرأ على معاكسة فتاة، أى مكان أعبر منه ينبه الناس بعضهم البعض: «محمود جيّ»!.. ثم تحولت، فعلت كل الموبقات!، وحين تأملت حالى وجدت أن السبب كان النكسة، فقد أحببت عبد الناصر جدا، وفؤاد حداد كتب ديوانا عن عبد الناصر على الرغم من أنه سجنه تسع سنوات، واحتفظ بحبه له رغم كل التحفظات. كل منا يتحدث عن عبد الناصر من منظوره الضيق! كنت قائدا فعالاً فى منظمة الشباب، أشعر أننى على قمة العالم، فخر وعزة وغرور، بعد النكسة كأن أحدا فرقع البالون بدبوس. كيف نُهزم، لم أصدق، ابن خالتى وأخى فى الرضاعة «إبراهيم أبو سنة». كنا ناصريين معا، ودخلنا هندسة عين شمس معا، وعلمته الصلاة، وعلمنى الاهتمام بالفتيات، بعد الهزيمة اتجه إلى التكفير والهجرة، وأدمن قراءة الفقه، وبلا مبالغة كان يقرأ 3000 صفحة يوميا، وصار مُنظراً مع «شكرى مصطفى»، وقررت عدم دخول الامتحانات. كنت فى أولى ميكانيكا، واتجهت إلى الهلس، هذا ما فعلته بنا الهزيمة! وظللت أرسب حتى طلبنى العميد، ونقلنى إلى كلية التجارة.
هل نقلك من هندسة لتجارة أعاد لك توازنك؟
صالحنى أبى قبلها، وعرض على مرة أخرى دخول معهد التمثيل، لكننى قلت له: «لا.. سأحضر لك شهادة محترمة». وأثناء مراجعاتى لنفسى فى الأربعين تنبهت إلى أننى كنت مثل المجتمع مصابا بعدم احترام مهنة التمثيل، وأظنُّها غير محترمة. وحين اكتشفت هذا، كتبت فى البطاقة أمام خانة المهنة «ممثل»، وتعجبت من أن كثيرا من الممثلين يحتقرون المهنة، يقولون إنهم أصحاب مهن أخرى والتمثيل مجرد هواية.
ولأى مدى تمثل الثقافة والقراءة مددا وظهيرا للتمثيل نفسه، كيف تعينك المعرفة على رسم الشخصيات كما تسميها؟
إلى أبعد مدى، لأنها مُعِين على شحذ الخيال والتصور، يكون لدى الممثل موارد كثيرة يأتى منها بعناصر الشخصية التى سوف يرسمها، أنا ضد كلمة التقمص، أو تلبس الشخصية! أنا أرسم الشخصية، لا أخرج عن السيناريو أبدا، أستحضر كل ما يحيطها، من الشخصيات والأحداث، والمدى الزمانى والمكانى فى الفعل الدرامي، كل ما يحدد أبعادها، وأبدأ برسم ملامح شخصية لم أرها من قبل، لأدهش السيد المتفرج، وبعد رسم الشخصية أعمل موائماتها مع الجسم، كما حدث فى فيلم «إسكندرية نيويورك»، يوسف شاهين حدث له ذعر، كنت ألعب دور رجل فى السادسة والثمانين، ولا بد أن يكون له «ميك آب» معين، وكان الماكيير فرنسيا، وهو ما اشترطته فى العقد! ليظهر سمات العجز والسن على الوجه واليدين، قمت باستخدام عمودى الفقري، ليأخذ شكل خُطّاف، وغيّرت تجويف الصدر، فظهرت عجوزا، لكنى أتلفت ثلاث فقرات فى ظهري.
حبك لفؤاد حداد، وحفظك لأشعاره شئ لافت، ما الذى اجتذبك إليه، ومتى أول مرة قرأت له؟
لم أعرف أشعار فؤاد حداد إلا بعد وفاته، لكنى صرت من مريديه. ذات مرة، كنت أجلس مع الأديب «خيرى شلبي» على مقهى، فقال لى اسمع هذه القصيدة لعمك فؤاد حداد، كنت أعشق الشعر، وكل أصحابى يعرفون ذلك، المتنبى وبيرم وصلاح جاهين. فقلت له: مين فؤاد حداد؟ فقال لي: ياااه.. أنت حمار كده! قلت له: بلا حمار بلا بتاع.. قول مين فؤاد حداد؟ فقال: ألم تسمع المسحراتى فى رمضان؟ قلت له: آه سيد مكاوي؟ وشعرت أننى حمار بالفعل. بدأ يتلو قصيدة «رقصة الفأر»، وشعرت أننى لأول مرة أتذوق الشعر. من قبل كنت متفوقا فى اللغة العربية، الإعراب، استخراج المحسنات البلاغية، جناس، طباق، إستعارة مكنية! وشعرت أننى طوال المرحلة السابقة كنت أتعامل مع أبيات الشعر كمعادلات رياضية، بمجرد أن أنهى القصيدة سألته أين يباع، واتجهت مباشرة إلى المكتبة وعدت إلى البيت، كأن أحدا وصل فيشتى بفؤاد حداد! وبدأت رحلتى معه، وهو لا ينتهي، أنا مبتدئ أبدا فلا أخلص!
ما الذى لمسه بداخلك، هل هو حسً صوفي، أم محبة البلد؟
كل هذه الأمور، وكل شخص فى ظنى جُوّاه الصوفى والمصلح، كان استقبالى له أول مرة سلاما محضا فدخل قلبي. وتفاعل شعره مع أجلي! كلما حدثت لى مشكلة يأتى بيت شعر لفؤاد حداد يطمئننى ويبشرني، أكن احتراما ومحبة بالطبع لشعراء كثيرين، الكبير أحمد عبد المعطى حجازي، وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل، وكانوا مواكبين لغليان الأحداث واليسار والاشتراكية فى الستينيات، لكننى كنت أعجب بقصيدة من هذا وأخرى من ذاك، لم أبحر بعمق فى شعر أى منهم، أحببت مقامات بيرم التونسي، وشعره لكنى أعتبره زجّالا جميلا، أما صلاح جاهين فشكل وجداننا زمن عبد الناصر، ثمة ظروف تحدد الإقبال على شاعر أو أديب معين. أما بخصوص المرحلة العمرية الآنية، فأنا أقرأ للمتعة فقط، اقرأ فصلا من رواية إذا استمتعت أعيد قراءته مجددا، أو أقرأ بتمهل. لم تعد القراءة للتحصيل كما كان قديما، إلا قراءات قليلة مثل مراد وهبة، التحصيل والتركيز أولا ثم تأتى المتعة بكثرة التحصيل والنهل منه.
فى حدود الفرق بين النجم والمشهور، ما هدفك كنجم من التمثيل؟ هل هو التأثير الإيجابى فى المشاهد؟
التمثيل خطاب موجه للآخر هدفه الأول التسلية، عندما قلت: «أنا مسلي» خرج الزملاء وقال بعضهم: «إن كان يريد أن يكون أراجوزا فهو حر». قلت لهم: «سلى يسلو فهو سال» بمعنى يجعل من أمامه يسلو همومه الشخصية. من يحدث له هذا يصبح فارغا قابلا لهموم جديدة، ينتقيها من الشاشة بمزاجه، الممثل الذى يريد تمثيل فيلم بهدف التغيير كاذب على الدوام، لماذا؟ لأنه لا يمكن أن يثبت أثر التلقي.
إذن أنت غير مسئول أمام السيد المتفرج!
كيف؟ أنا مسئول عن تسلية السيد المتفرج، وأجده هدفا عميقا، وأعلى إحساس بالمسئولية أن تجد المتفرج يتلقاك عبر خطابك، لأنه أهم منك ومن خطابك، وهذا لا ينفى أهمية ما أقدمه وقدراتي!
إلتحقت بكلية الهندسة عام 1970، وتخرجت من كلية التجارة عام 1981. فما الذى عطلك فى الدراسة كل هذا الوقت (11 سنة)، هل كراهتك لدراسة الهندسة، أم ظروف اجتماعية، أم انشغالات سياسية، خاصة أن تلك الفترة شهدت ازدهار الحركة الطلابية. أم شيئا آخر غير كل هذه التخمينات؟
شرحت لك فى سؤال سابق أسباب تعطلى عن دراسة الهندسة، لكننى فى ذاك الوقت عملت راقصا محترفا فى المسارح، وشارع الهرم، وفرقة يسرى حمدى للفنون الشعبية، وكنت فوضويا، أشبه فترة السبعينات بالضبط! وكانت فترة عجيبة، الطبيب عمل فى الفندقة، وهكذا!
هل كانت حالة هروب؟
ربما كانت كذلك، لكننى أخرجت طاقتى فى التدريب، وتاجرت فى الكتب والجرائد مع الحاج مدبولي، ومع آخرين يشترون مكتبات المشاهير!
توحى لمن لا يعرفك بأنك متطاوس، أو غير معنى بالتفاعل ولا التعارف، هل تعرف هذا عن نفسك، وهل تتعمده؟
لم أكن ألحظ هذا عن نفسي، كنت إنسانا بسيطا لا يعرفه أحد، وبالحظ انتقلت لمكانة مرموقة، فصار عندى رؤية جديدة غير مسبوقة للمجتمع، بدأت أرى رأس المجتمع، صرت أرى المكان من أعلى، مكان لم يتح لكثيرين رؤيته! وبدأ أدائى الاجتماعى يتغير، ألتزم بآداب معينة، وكذلك أضع الحواجز، وصرت أتصرف هكذا كلما صعدت، حتى أبنائى لفتوا نظرى لهذا، طبيعة الطاووس التى أشرت إليها هذه، من طبيعة الأشياء والمراحل! أروح فرح بلدى أعمل بلدي، أروح مهرجان السينما الأمر مختلف، أرتدى كرافت على الرغم من كرهى لها، لكنى أكون بين ناس تستخدم كرافت.
بعد تخرجك فى 1981 اشتغلت فى إدارة المبيعات بشركة عالمية من رموز الرأسمالية، ألم تشعر بمفارقة فكرية بين فترة الجامعة، وطبيعة العمل وأهداف الشركة، وهل التمثيل هو الذى أنقذك من تلك «المفارقة»، أم أنك غادرت بملء إرادتك؟
الأمر بسيط، تخرجت وأردت العمل فى شركة جيدة، كان كل همى العمل فقط، ليس تخليا عن قناعات ولا مبادئ، لا شيء أكثر من العمل! لكن فيما بعد، بدأت أعي، عندما بدأت الخصخصة، واحترفت التمثيل فى 1991، فقررت الاستقالة من العمل، وقتذاك أخبرت أبى بقراري، وكنت ماديا أقل إخوتي، لديهم بيوتهم وأنا مازلت مقيما معه، فقال: «هو أنا هصرف عليك لحد إمتى؟». ولم يكن هناك تمثيل بسبب حرب الخليج، حتى أجر الفيلم كان هزيلا، لا يكفى ثمن سجائرى فى أسبوع، والوظيفة كانت تحقق لى دخلا جيدا وثابتا، لكنى استقلت، وفى عصر نفس اليوم، كلمنى «إبراهيم شوقى سالم» وقال: «تعالى يا حميدة، عندنا أفلام هنعملها».. كنت الفنان الوحيد الذى يعمل فى تلك الفترة، وأرخص ممثل، البديل للنجوم الكبار، أجرى كان ألفى جنيه، فى وقت كان أجر أحمد زكى 100 ألف جنيه، وكانوا يسألوننى عن أجرى فأقول: أنا وأحمد زكى 102 ألف جنيها.
لأى مدى تتدخل المظاهر «الدونجوانية» فى اختيار ونجاح الممثل بتقديرك، وهل تساعد على نجاح الأدوار. وهل ترى أن الموهبة هى العامل الرئيسي، أو الوحيد لصناعة النجوم؟
«الدونجوان» توصيف لحالة جنسية عامة وليست شخصية، هى تصادف وضع اجتماعى فتتجه الأنظار لذكر بعينه، ممكن تختلف من مرحلة لآخري، طويل وعينه زرقاء، أو قصير وبكرش، ليس فى السينما فحسب بل المجتمع بما يحويه من عقد تجاه الجنس، هل يريدون النجم ضخما وعضلاته قوية أم رقيقا، محمد رمضان دنجوان بمواصفات الفترة، أحمد زكى عانى لأن مواصفاته لم تكن تنطبق عليه. أما بخصوص الموهبة، فليست العامل الرئيسي، فهناك الجهد المبذول لأداء العمل، والتدريبات، وحصيلة القراءات، كل هذا أهم من الموهبة، القدرة على التمثيل متوفرة فى كل منا، نحن منذ جلسنا للحوار نصنع مشهدا تمثيليا بذواتنا الحقيقية لكن عند نقله للشاشة يحتاج تدريبات أخرى! كلنا صالحون لأداء هذه المهمة.
لأى مدى تعتقد أنك ممثل عصامي، صعد بدأبه وموهبته واجتهاده، وكم تنسب للحظ أو المصادفات فى مسيرتك الفنية؟ وهل تظن أنك أخذت حظك كما كنت تتمنى، أم أن رهانات فنية أكبر ما زالت أمامك؟
أنا ممثل عصامى طبعا، وبدأت مشوراى وحدى دون أن يدعمنى أحد: «ماحدش قال دا ولد حلو خدوه يمثل معاكم». بل حدث ما يشبه المنع! حتى فى تعلم التمثيل، علمت نفسي، فى البداية تعلمت بطريقة خطأ، لأن تدريبات التمثيل كلها حركة، علم الحركة مرتبط بالتمثيل مباشرة، كما أن الممثل يجب ألا يقف أمام مرآة وهى يؤدى تدريبات الحركة، عندما عرفت الصح، بعيدا عن كتاب إعداد الممثل ل «ستانسلافسكي» الذى كان مصدر تعلم التمثيل فى بداياتى (والكتاب مُصدّر بعبارة: «ليس للقراءة، بل ليذكر معلم التمثيل بالتدريبات»!. ولاحقا تعرفت على امرأة أمريكية عملت معى فى فرقة الرقص، وأعطتنى كتاب تكنيك «أوتا هاجن»، وترجمت التدريبات إلى العربية، وكنت أنفذها أمام مرآة، رغم إن هذا خطأ، لكن المرآة كانت بديل المدرس. ظللت ست سنوات أتدرب ليس بتكنيك «أوتا هاجن» فقط، بل اطلعت على تكنيك عشرات غيرها، وكنت ألعب مسرحا فى التوقيت نفسه، وكانت هذه الطريقة خاطئة، إلى أن وصلت لأسلوب يخصني، وهو كيف أرسل إشعاع الشخصية لبؤرة عدسة الكاميرا.
فى 1986 انطلقت بدور رئيسى فى مسلسل تلفزيونى مع المخرج أحمد خضر لفت إليك الأنظار، وكان خشبة قفز إلى السينما. فكم تحتاج البدايات لجهود من الممثل، وهل تختلف كثيرا بعد تحققه، فأنت الآن لا تبحث عن دور، بل تسعى إليك الأدوار، فهل فعل التمثيل ذاته أصبح سهلا ومريحا لك الآن. يعنى بتمثل بظهر يدك.أم أن الممثل يحتاج لمجهود أكبر كلما كبر؟
إخلاص البدايات نفسه، ما زلت أجتهد،
فى 1996 أسست «شركة للإنتاج» قدمت أفلاما سينمائية، بعضها حاز جوائز دولية عديدة، وتسجيلية مثل «نازك الملائكة»، وأمسيات شعرية عن فؤاد حداد، وحفلات موسيقية ل «عبده داغر»، فهل الإنتاج بظنك له مدى ثقافى أوسع من السينما، أم أنه حالة استثنائية بسبب وعيك ومحبتك لبعض الفنانين فى سياقات إبداعية موازية؟
كل ما فعلته أضاف لى قيمة مادية ومعنوية، تغير مفهومى بعد الستين، كلما تحقق للشخص تواصل مع عقول تزامنه، أو سبقته، يدخل المستقبل بقلب وعقل مرتاحين، تعلمت من فؤاد حداد، ومن نازك الملائكة، كان الفيلم متواضعا، ونازك نفسها كانت فى مرحلة سنية تجعلها لا تطيق الكاميرا أو التصوير، لكننى كنت أريد أن يكون هناك ارتباط بينى وبين نازك، كنت أشعر أن هذا التصرف سيظل بداخلى ويسندني، مثل أن تحب شخصا وتعجب به، مثلا.. أحببت نجاح سلام جدا، ولما رأيتها أخذتنى بالحضن، لم تكن تعرفني، كنت فى بداياتي، لكنها حتما شعرت بمحبتى الكبيرة، فبادلتنى حبا بحب! وعندما أصدرت مجلة عن السينما، قابلت أنيس منصور فى الأهرام، سألنى عن التمويل، فقلت سأصدرها من مالى الخاص، لكنه رأى بخبرته أن هذا بئرا سأسقط فيه، لكنها كانت من الهموم التى لا أستطيع لها دفعا، أيضا صديقى الصحفى محمد دسوقى جاء لى وقال هناك ستة شركاء يريدون إصدار مجلة للسينما، تحمست عندما عرضت عليّ أن أشترك معهم، بعد شهور أخبرنى أن اثنين انسحبا، والباقين سيضعون ميزانية المجلة على ضوء الوضع الجديد، بعد شهور أخبرنى أن الشركاء الأربعة انسحبوا، فأخبرته إننى سأصدر المجلة بمفردي. وضعت تصورا للغلاف، ولم أبخل بالمال، وأوكلت مهمة طباعتها إلى «جوزيف الرعايدي» أهم «مطبعجي» فى بيروت، وهو رجل دقيق وأمين، وتوكل إليه طباعة نصف مجلات الاتحاد الأوربي، كى تصبح مجلة سينما حقيقية محترمة. تحقق لهذه المطبوعة كل هذا، وخرج العدد الأول فخما مزينا بصورة سعاد حسني. لم أكن أعرف كيف سأوفر ميزانية إصدار مجلة بمفردي، وبعد إصدارها كانت الأموال تتدفق علي، فصدرت الأعداد تباعا، إلى أن توقفت حيث لم يعد لدى مال لإصدارها، وكان غلاف العدد الأخير مزينا بصورة سعاد حسنى أيضا!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.