لايكاد يمر اسبوع، دون وجود تقرير دولى حول التحسن فى مؤشرات الاقتصاد المصري، والنظرة المستقبلية المتفائلة، صادر عن احدى المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية،او بنوك الاستثمار العالمية ومراكز البحوث الاقتصادية المعروفة عالميا، واحدثها كان اعلان مؤسسة ستاندر اند بورز برفع التصنيف الائتمانى لمصر، من سالب B، الى موجب B، وهو شهادة دولية جديدة من احدى اكبر واهم ثلاث مؤسسات للتصنيف الائتمانى فى العالم، ولاشك ان هذا التحسن فى التصنيف الائتمانى يمثل خطوة مهمة على طريق شهادات الثقة للمؤسسات الدولية، وياتى بعد ايام من تقريرين مهمين الاسبوع الماضى أحدهما صادر عن هارفارد والذى توقع ان يحقق الاقتصاد المصرى ثالث اسرع وتيرة نمو فى العالم، اما الشهادة الدولية الاخرى فقد جاءت من اكبر مؤسسة اقتصادية دولية الا وهى صندوق النقد الدولي، حيث اشاد وفد صندوق النقد الدولى برئاسة النائب الاول لمدير عام الصندوق، بالتطور الايجابى فى مؤشرات الاقتصاد الكلى وتحقيق الاستقرار المالى والنقدى بما يؤهل الاقتصاد لمواصلة النمو الشامل والمستدام. الاقتصاد المصرى تجاوز المرحلة الصعبة، وفى طريقه الى الانطلاق بشرط استكمال الاصلاح ،المصلحة الوطنية تحتم على كل من لديه دراية بتجارب الدول الصاعدة اقتصاديا،، تلك الدول التى تجاوزت مصاف الدول النامية وفى طريقها للحاق بركب الدول الصناعية ووفرت لمواطنيها سعة من العيش الرغد بعد ان تضاعف متوسط الدخول فى بعضها 10 مرات، ان يقول وهو مطمئن انه ليس هناك خيار آخر امام مصر سوى المضى قدما فى استكمال الاصلاح الاقتصادي، لقد قطعت مصر الشوط الاكبر والاصعب من الاصلاح، وتحمل المصريين بشجاعة تبعات ذلك، لم يبق سوى ان نستكمل باقى اجراءات الاصلاح من اجل جنى الثمار، ماذا يعنى لا قدر الله التوقف عن استكمال الاصلاح الاقتصادى لاسيما ان الجانب المقبل يتعلق بالاصلاح الهيكلى - اننا سنعيد الكرة مرة، كما سبق وفى كل منها ندفع الثمن باهظا ونتحمل الاعباء كاملة دون مقابل حقيقى فى تحسن مستويات المعيشة او خلق وظائف لابنائنا والتخلص من المشكلات والتحديات التى يواجهها الاقتصاد كل فترة منذ سبعينيات القرن الماضى ، حققنا الاصلاح النقدى والمالى واسفر عن نتائج مهمة ادت الى تعزيز الاستقرار وتحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي، وبقى الاصلاح الهيكلى الذى يطلق العنان للاقتصاد من اجل تحقيق النمو المستدام، ذلك النمو الذى يرتكز على تعميق الصناعة المحلية من خلال رفع تنافسية الصناعات التحويلية، ودفع الانتاج والانتاجية، ليس فقط لمقابلة الطلب المحلى بل والنفاذ للاسواق العالمية، بما يسهم فى توفير فرص العمل واستيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل الذين يتجاوز عددهم 800 الف سنويا . هذا الموضوع كان محل نقاش واسع ومكثف خلال الاسبوع الماضى فى المؤتمر الذى نظمه صندوق النقد الدولى بالتعاون مع البنك المركزى المصري، ووزارة المالية برعاية وحضور رئيس مجلس الوزراء المهندس شريف اسماعيل، قبل ان يلتقى النائب الاول لمدير عام صندوق النقد الدولى والبعثة المرافقة له برئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، كلمات الرئيس خلال اللقاء كانت كافية لطمأنة الوفد على عزم مصر وجديتها ليس فقط فى استكمال الاصلاح بل وبناء دولة حديثة صاعدة اقتصاديا وصناعيا، الرئيس اكد بما لا يدع مجالا للشك على المضى قدما فى الاصلاح، وان برنامج الاصلاح الاقتصادى وطنى وطموح يعكس اصرار الدولة على التعامل بجدية شديدة مع التحديات المزمنة التى يعانى منها الاقتصاد لعقود طويلة،كما يهدف الى تحقيق نقلة نوعية بتحسين مستوى حياة المصريين، وتحقق آماله وتطلعاته فى بناء دولة حديثة متطورة . كلمة رئيس مجلس الوزراء امام المؤتمر، اكدت نفس المعنى مع الحرص على ان يجنى ثمار الاصلاح جميع فئات المجتمع، حيث اكد على ان الحكومة تسعى الى الاصلاح الاقتصادى الذى لا تقف معالمه عند التقارير المالية والمؤشرات الكلية، وإنما يمتد تأثيره ليصل إلى كافة المواطنين وينعكس بوضوح على تحسن حياتهم، وذلك عبر برنامج طموح يستفيد من التجارب الاقتصادية الدولية الناجحة بما يتلاءم مع رؤيتنا الوطنية، كلمة رئيس مجلس الوزراء تؤكد ان مصر تسعى الى تحقيق النمو الشامل والاحتوائى الذى يوازن بين التوزيع الجغرافى للاستثمارات، واستهداف المناطق الاولى بالتنمية التى ظلت لسنوات طويلة مهمشة، وكذلك تحقيق النمو المرتفع لصالح جميع فئات المجتمع، بحيث تحصد تلك الفئات ثمار النمو ولايقتصر جنى الثمار على فئة اوفئات محدودة دون باقى الفئات، بما يعزز من الاستقرار ومواصلة النمو . محافظ البنك المركزي، طارق عامر، شدد على ان نجاح السياسة النقدية للبنك المركزى فى إحداث تحولات جذرية فى هيكل النمو الاقتصادي، وذلك من خلال مجموعة اجراءات حاسمة تهدف لضمان استدامة برنامج الإصلاح الهيكلي، وفى مقدمتها تحرير سعر الصرف، لافتا الى ان هذا التغيير المحورى فى السياسة النقدية للبنك المركزى المصرى أطلق شرارة الانتعاش الاقتصادي، مما أدى إلى ارتفاع قياسى غير مسبوق فى مستوى الاحتياطى النقدي، الى جانب تصحيح الخلل والعجز فى ميزان المدفوعات بما يعكس وجود تحول هيكلى فى الاقتصاد، خاصة مع نجاح جهود البنك المركزى فى استهداف التضخم بعد ان تراجع بشكل كبير بما يعزز تحقيق البنك المركزى للمستوى الذى يستهدفه بنهاية العام عند 13%، كما اكد عامر، على ان هذه العوامل ستساهم فى الوصول للنمو الشامل غير التضخمي، وتعزيز الثقة فى مناخ الاستثمار، وخلق المزيد من فرص العمل،لاسيما وان المركزى يتبنى مع البنوك هدفا مهما وهو خلق فرص العمل لمواجهة البطالة من خلال مبادرة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة،بما لدى البنوك من سيولة كبيرة خاصة وان معدل القروض للودائع تصل نسبته نحو 40%، بما يدعم التوسع فى تمويل تلك المشروعات ذات القدرة على خلق فرص العمل ودفع معدل النمو وتحقيق التنمية الاقتصادية . النتيجة التى خرج بها النائب الاول لمدير عام صندوق النقد الدولى ديفيد ليبتون والوفد المرافق له، عبر عنها بدقة فى تصريحاته الاعلامية، حيث قال « هناك تصميم صانعى السياسات والقطاع الخاص وأعضاء البرلمان والمجتمع المدنى على تحقيق النمو والمضى قدما فى الإصلاحات، وان ثمة إجماعا على أن مصر بحاجة إلى تأمين المكاسب التى تحققت فى استقرار الاقتصاد الكلى وتحولها نحو تنفيذ أجندة إصلاحية هيكلية محلية لتحقيق نمو أكثر شمولية ويقوده القطاع الخاص،بمايساعد على خلق فرص عمل، وكذلك للحد من الفقر وتحسين مستويات المعيشة «، لاشك ان نشر صندوق النقد هذا الامر، ما يساعد دوائر المال والاستثمار فى ضخ استثماراتها الى السوق المصرية وهى اكثر اطمئنانا على ان ارتفاع معدلات النمو ليست موجة مؤقتة كما فى السابق بل هو نمو مستدام وشامل يلبى احتياجات جميع فئات المجتمع ويسهم فى تعزيز الاستقرار، لاسيما وان السوق المصرية تتمتع بمزايا نسبية وتنافسية عالية . اما الرسائل التى حرص على أن يوجهها النائب الاول لمدير عام صندوق النقد الدولى خلال زيارته سواء فى المؤتمر او خلال اللقاءات الاعلامية، فلاشك تكتسب اهمية واعتقد انها ليست جديدة على صانع السياسة الاقتصادية الذى وضع برنامج الاصلاح الاقتصادي، وفى مقدمتها، أن اجراءات الاصلاح هذه نتج عنها حالة من الاستقرار الشديد، وصنع مصر جديدة واقتصادا قويا بإمكانه أن يصنع فرص عمل و يحقق مستويات معيشية جيدة، بشرط ضرورة عدم التوقف عن برامج الإصلاح، مؤكدا ان الدول التى فشلت فى الإصلاح الاقتصادى هى تلك التى تباطأت فى منتصف الطريق.