ذهب الكاتب الكبير « أمين يوسف غراب» فى نهاية عام 1973 لزيارة نادية لطفى ففتحت له الباب الشغالة، سألها وهو يتفحصها « ستك فين يا بت؟ إنت جديدة هنا؟»، فأومأت إليه برأسها دون أن تنطق حرفا، فصرخ فيها قائلا: « إجرى إندهى لها وإعملى لى فنجان قهوة بسرعة»، ليفاجأ بضحكة عالية من الشغالة التى اكتشف إنها «نادية لطفى»! وهى تقول له : « كده أنا نجحت فى الإمتحان «، فقد كانت تقوم بالإعداد لدور «شهرت» الخادمة التى تعمل فى منزل القاضى فى فيلم «قاع المدينة» قصة يوسف إدريس، سيناريو وحوار أحمد عباس صالح، إخراج حسام الدين مصطفى، والذى شاركها البطولة محمود ياسين ونيللى .. هذا ما روته لى الفنانة الكبيرة نادية لطفى وعن علاقاتها بالأديب الكبير يوسف إدريس تقول : كانت تربطنى به علاقة صداقة وطيدة فهو كان من أقرب الأصدقاء إلى قلبى، ومن الشخصيات الأدبية التى اثرت فى جدا بعد أن تعرفت عليه فى بداية الستينيات، وأنا أخطو خطواتى الأولى فى عالم الفن، وجمعنا معا حب قراءة الادب، وشعرت بأنه قريب من طريقتى فى التفكير، فهو يشبه قصصه القصيرة فى طريقة الكلام المختصر، فهو لا يحب التطويل، وأنا كذلك... أحب أن أقول المشهد وما يليه فوراً. وكان الجلوس معه فيه ثراء ومتعة لأنه كان شديد الاطلاع والثقافة، وبعد أن توطدت علاقتنا عرفنى بكثير من الأدباء والشعراء المقربين منه مثل الدكتور أنور عبدالملك، والشاعر الكبير نزار قبانى. وعن ظروف قيامها بدور«شهرت» فى فيلم «قاع المدينة» خاصة أنه واحد من أهم أدوارها السينمائية تقول: أحببت هذا الدور جداً، وتعاطفت مع الشخصية منذ قرأت القصة التى قدمها لى حسام الدين مصطفى فى «ورقة صغيرة» من صفحة ونص، إذ تخيلت الفيلم كله قبل التصوير، فاتصلت بالدكتور يوسف وجاء إلى بيتى بعد منتصف الليل، حيث كنت أنتظره أنا وحسام وأحمد عباس صالح كاتب السيناريو. وتناقشت معه فى كل ما يتعلق بالشخصية وبالفيلم، واتفقنا على كل التفاصيل لأنى وجدت أن الموضوع ثرى ومحمل بالأفكار والقضايا، ويعبر بصدق عن الطبقة التى نتحدث عنها، ويحمل الكثير من الجرأة، والغريب أننى وبعد انتهاء التصوير، وفى كل مرة أشاهد الفيلم أستغرب جداً... كيف جسدت هذه الشخصية؟! وأضافت ضاحكة: أعتبرها هى و«ريرى» فى رواية السمان والخريق و«زنوبة» فى قصر الشوق لنجيب محفوظ، الثلاثية المقدسة أو الرائعة لى، فكل دور منهم مختلف تماما ويجمعهم جميعا الظلم الاجتماعى والفقر والحاجة إلى المال. وأكدت نجمتنا الكبيرة أن مهنته كطبيب أثرت عليه بالإيجاب فى عمله الأدبى، له فكر خاص، ولا يلتف على الفكرة، فالفكرة عنده واضحة وبراقة، فهو كالمشرط حاد وقاطع، لا يجيد «اللف والدوران» فى أفكاره ورؤاه، لهذا فكر يوسف إدريس من أحب وأقرب الأفكار لشخصيتى ومنهجى فى الحياة. وعن سر عنفه الذى اتهمه البعض به قالت : كان عنيفا مع الادعياء فى كل مجال، وأشبه بالنمر المتربص، فهو فى حالة تربص دائم، لأن لكل إنسان شبيها له فى الحيوانات هذا شبيه بالغزال، وهذا بالأسد، وذالك بالحمار، وهذه بالقطة، وتلك معرفش بإيه وهكذا! ويوسف طوال الوقت عندما كنت أنظر له يذكرنى على الفور بالنمر المتربص!. جدير بالذكر أن نادية لطفى هى النجمة الوحيدة التى قدمت لأديبنا الراحل ثلاث قصص من أعماله، حيث قامت ببطولة ثلاثة أفلام له هى بالترتيب « 5 ساعات» سيناريو وحوار بكر الشرقاوى، إخراج حسن رضا عام 1968، و«قاع المدينة» عام 1974، و«على ورق سيلوفان» سيناريو وحوار كوثر هيكل، إخراج حسين كمال، عام 1975 . يعتبر فيلم «قاع المدينة» واحدا من أجمل وأهم أفلام نادية لطفى على الإطلاق حيث قامت بدور «شهرت» بفهم كامل هذه المرأة التى كانت زوجة محترمة لرجل أصابه العجز، فوجدت نفسها مضطرة للبحث عن لقمة العيش له ولأطفالها، فقبلت العمل كخادمة فى منزل أحد القضاة، هذا القاضى الذى عاش محروما من الجنس ومتعطشا إليه، فوجد فى جسد «شهرت» ما يطفئ ناره، فاستباح جسدها وعرضها، مستغلا حاجتها للمال للإنفاق على زوجها وأولادها.