نحتفل في هذا الأسبوع بعيد سيناء أرضنا المقدسة التي كانت ولا تزال لها مكانة خاصة في قلوبنا جميعاً. فهي البوابة الشرقية لمصر منذ القدم، وهي التي بني فيها أجدادنا الحصون والقلاع للدفاع عنها. وكان يخترقها أحد أفرع النيل السبعة القديمة وهو الفرع البيلوزي الذي كان يصل إلي رفح، وهي التي رواها دم الشهداء عبر التاريخ. ولكن في هذه الأرض تجلي الرب الإله لموسي النبي حين أعلن ذاته علي الجبل وكلمه من العليقة المشتعلة بالنار وقال له: «إخلع حذاءك... لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة» (التوراة خروج 3: 5). فالله بذاته هو الذي قال عنها إنها أرض مقدسة. وعلي هذه الأرض عبر أنبياء الله في العهد القديم إبراهيم ويعقوب، ومنها دخل يوسف إلي أرض مصر، وغالباً في عهد الأسرة الثالثة عشرة لأجدادنا القدماء، حيث جعلوا يوسف الصديق مدبراً علي كل غذاء مصر وأعطوه اسم خبز الحياة. وبعد وفاة يوسف دخل الهكسوس مصر وهم قبائل من أصل آسيوي، لذلك لم يمسوا العبرانيين في مصر وأعطوهم مكاناً ليسكنوا فيه وهو صان الحجر في الشرقية. ثم طرد أحمس الهكسوس عام 1580ق.م. وبدأت مرحلة عبودية الشعب العبراني من ملوك مصر. وتوجد نظريات تاريخية حاولت البحث عن فرعون الاضطهاد والخروج الذي تكلم عنهما سفر الخروج في التوراة. ودون الخوض في الجدل التاريخي فإن أقوي النظريات حجة تاريخية هي التي تقول إن فرعون الاضطهاد هو سيتي الأول، إذ يذكر أنه بني مدنا كثيرة، كما جاء في التوراة أن الفرعون استخدمهم في بناء مدينة فيثوم ورعمسيس وهي علي بعد عشرة كيلومترات من مدينة فاقوس بالشرقية. وقد وجد قصر ضخم لرمسيس الثاني عثر فيه علي حجر منقوش عليه اسمه ولقبه، ويكون هو فرعون الخروج. ويكون هذا القصر هو مكان اللقاءات التي دارت بين موسي النبي ورمسيس الثاني في حواراته التي كان يرسلها الله عن طريق موسي النبي ويقول له «أطلق شعبي ليعبدونى». ومع كل رفض منه كانت تحدث ضربة من الضربات العشر التي انتهت بأن سمح لهم بالخروج. وقد كان يمكن للإله العظيم الذي شق البحر الأحمر أمام موسي النبي أن يحملهم علي سحابة دون مشقة السير في الصحراء أو العبور من البحر ويذهب بهم إلي الأرض التي يريدها، ولكنه أراد أن يكون معهم علي أرضنا مدة أربعين عاماً في صحراء سيناء كان كل يوم يظهر قوته لهم ووجوده معهم بعمود نار في المساء وسحابة تظللهم في الصباح ليقدس كل سيناء بأعماله ومعجزاته في رحلة مقدسة لأنه ظهر لهم في كل موقع منها. بدأت الرحلة بعبور البحر الأحمر من البحيرات المُرة إذ ساروا عن طريق الإسماعيلية، وسار خلفه جيش فرعون وهنا قال الرب لموسي اضرب البحر بالعصا فانشق البحر نصفين وعبر موسي والشعب، وأما الذين تبعوهم فغرقوا. وعند حفر قناة السويس الجديدة نشر موقع اخباري روسي اسمه «سبوتنك» أنه قد وجدوا أثناء الحفر بقايا جيش فرعون الغارق، مما يؤكد صحة العبور من هذا المكان. ثم عبر موسي النبي والشعب وهم يسبحون الرب وبدأوا رحلة مقدسة في سيناء كانت يد الرب معهم في كل مكان. وساروا مسافة ثمانية وخمسين كيلومترا حتي وصلوا إلي ما يسمي الآن بعيون موسي بالقرب من رأس سدر جنوبسيناء، وسميت عيون موسي لأنهم وجدوا المياه مُرة فتذمر الشعب فصلي موسي النبي فجعل الرب المياه حلوة. ثم ارتحلوا إلي برية سين وهي أول برية سيناء، وتذمر الشعب علي الله لأنه أخرجهم من مصر وقالوا كنا جالسين عند قدور اللحم لماذا أخرجتنا، وصلي موسي النبي إلي الرب فكان كل يوم يرسل لهم طعاماً هو المن وكان مثل الرقاق بالعسل. فتذمروا مرة أخري وقالوا نريد اللحم فأرسل لهم طائر السلوي. وساروا إلي أن وصلوا إلي جبل سيناء ونصبوا هناك خيامهم وأمامهم جبل موسي وجبل سانت كاترين. ودعا الرب موسي النبي ليصعد إلي الجبل ليعطيه الشريعة، وهو نفس الجبل الذي كلم الرب موسي فيه من العليقة المشتعلة. وعلي قمة الجبل توجد كنيسة يرجع تاريخها إلي عصر الإمبراطور الروماني جيستنيان، وتوجد مغارة يقال إن موسي النبي اختبأ فيها حين ظهر الرب له بمجده ولم يستطع الوقوف أمامه، ويوجد دير في أعلي الجبل. وبجانب جبل موسي يوجد جبل سانت كاترين، والصاعد يجد كنيسة باسم هارون وثلاثة أديرة واستراحة كانت مخصصة للملك فؤاد الأول، كما يوجد سلم يؤدي إلي قمة الجبل، حيث كنيسة القديسة كاترين وهي شهيدة مصرية من أواخر القرن الثالث. وفوق جبل سيناء عاش موسي النبي أربعين يوماً كان يسمع صوت الرب وهو يملي عليه الشريعة وكيفية العبادة ويعطيه الوصايا العشر علي لوحين من الحجر مكتوبة بأصبع الله، أي لم ينحتها إنسان بل الرب. ولكن بعد أربعين يوماً قال الرب لموسي النبي: «اذهب انزل لأنه قد فسد شعبك الذي أصعدته من أرض مصر. زاغوا سريعاً عن الطريق، صنعوا لهم عجلاً مسبوكاً وسجدوا وذبحوا له وقالوا هذه إلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر. فالآن أتركني ليحمي غضبي عليهم وأفنيهم» (التوراة خروج 32: 6- 10) ونزل موسي النبي ووجد الشعب كله قد فسد وغضب عليهم ووبخهم فتابوا، فوقف موسي النبي وصلي وطلب من الله الصفح فقبل الرب التوبة ولكنه أرسل ملاكاً أمامهم ولم يعد يظهر لهم كما كان من قبل. هذه هي أرضنا سيناء المقدسة التي كل شبر فيها تقدست بعمل إلهي عجيب. وأراد الرب أن تتقدس أيضاً بعبور العائلة المقدسة منها إلي القاهرة ثم الصعيد. ثم تعبر عليها مرة أخري في العودة إلي الناصرة. جزء من جغرافيتنا المقدسة التي نفتخر ونتبارك بها. لمزيد من مقالات القمص أنجيلوس جرجس