كراسةٌ عامرةٌ بالرسوم بين كراكيب خزنة المكتب، عثرت عليها أمه، وهى تعيد ترتيب المكتب بعد إهمال طويل. ابتسمت لمهارتها باكتشاف كل ما يخفيه أفراد أسرتها، ونجاحها أحيانًا فى ادعاء الغفلة، فتتساقط فى يديها الأشياء من تلقاء نفسها، لأن أصحابها لا يتخذون حذرهم، وحتى قدرتها على إفشال شطحات زوجها الغرامية قبل أن تبدأ، لمهارتها بالتقاط طرف الخيط. كادت تلقى الكراسة جانبًا، هى لابنها الأوسط النحيل، ابن السنوات السبع، قليل الاحتجاج، لدرجة تتخيل هى وزوجها يتحمل كل غضبهما، وتجاهلهما أغلب طلباته مقارنة ببقية الأبناء الذين لا يكفون عن الدبدبة بأقدامهم على الأرض، والصراخ، والإلحاح حتى تُنَفَّذ مطالبهم. »إنه جَمل البيت». كانت تقول هذا الكلام لزوجها حين تفضى إليه آخر الليل بيوميات صغارها. ابنهما الأوسط هذا لا يتهاوى رغم صغره. له نظرة غامضة من عينين لامعتين كبيرتين. كانت تلاحظ الكراسة فى يديه أحيانًا، وهو منطوٍ بركن البيت. يعبث بأوراقها بقلمه الرصاص، فتتركه لحاله وتنهى أشغال البيت. لم تستطع الآن تجاهل الكراسة التى أخفاها ابنها بين لُعبٌ قديمة، غلبها فضول الأم، فى المرَّة الأولى أدهشتها قدرته الغريبة على ملء الصفحات البيضاء برسومه، من أعلى الصفحة إلى أسفلها دون تقسيم، ولا تنظيم محدد. هو طفل على أية حال، يتدرب ربما، سيمتلك المهارة لاحقًا. لكن الكلمات اجتذبتها، أو لعلها لم تصدق. هوت على طرف كرسى. تُقلِّب الصفحات مرة أخرى بتمهل، وعيونها تبرق من الفزع. كانت رسومه وجوها بشرية مشوهة، وهزلية على أجساد كلاب، وحمير، وأرانب، أو فوق أجساد تخطيطية لبشر، لكنها وبشكل متعمد مشوهة النِسب، والأطراف، وفوقها بحروف منمنمة اسمها، واسم أبيه، وإخوته، وبعض زملائه الذين تعرف شرورهم الصغيرة فى المدرسة من حكايات أبنائها. وحده الغلاف الداخلى من الناحيتين كانت تُحلِّقُ عليه ملائكة بأجنحة، ووجوه آدمية رائقة التفاصيل تُبرز مهارته، لكن الكلمات المكتوبة فوقها لم تكن تعنى شيئًا.. كانت مجرد حروف لا تكتمل أبدًا لتكّون كلمة، أو اسمًا من أسماء الناس.