فى وقت واحد عادت نغمة الحديث عن المصالحة مع الإخوان من شخصيتين مختلفتين، الأول الدكتور سعد الدين إبراهيم الذى يستعد لتشكيل وفد للسفر إلى تل ابيب بدعوة من السفير الإسرائيلى وانتهز المناسبة ليطالب مجددا بعمل مصالحة شاملة مع الإخوان، والثانى الإعلامى عماد الدين أديب والذى قام بجولة غريبة على بعض الفضائيات ليطالب بشكل واضح ومحدد فى حواره الأخير مع الأستاذ أحمد موسى بالمصالحة مع المتعاطفين مع الإخوان واحتوائهم. وهناك علامات استفهام كثيرة على توقيت عودة هذه النغمة وشخوص المتحدثين بها، فهل الأستاذ أديب الذى حرص على تأكيد أنه لا حوار مع حملة السلاح، لا يعلم أن حملة الأفكار المتطرفة أشد خطورة من حملة السلاح، خاصة إذا تعلق الأمر بالتنظيمات العقائدية، وأن المتعاطف هو شخص مقتنع بأفكار التنظيم المتعاطف معه، وأن بعضهم قد تحول إلى خلايا نائمة الآن فى انتظار أى فرصة قد تلوح لهم للعودة إلى النشاط المتطرف مرة أخري. وهل لا يعلم أن المتعاطف أو المحب هو درجة من درجات عضوية الجماعة، التى تنقسم إلى خمسة أنواع متتابعة هي: محب ثم مؤيد ثم منتسب ثم منتظم ثم عامل. وإذا كان يقصد أعضاء حزب الحرية والعدالة فإن هؤلاء الأعضاء بعضهم انضم للحزب من باب المصلحة الشخصية مثلما كان من قبل عضوا فى الحزب الوطني، وهؤلاء ليسوا بحاجة إلى حوار فبوصلة المصلحة لديهم قوية جدا، والبعض الآخر من أعضاء (الجماعة) الذين صدرت لهم التعليمات بالانضمام للحزب، فهل المطلوب هو التفاوض مع أعضاء الجماعة الإرهابية تحت ستار التحاور مع المتعاطفين؟ والسؤال الحقيقى الذى يدور فى أذهان الكثيرين الآن، وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، من الذى يقف خلف الظهور المتكرر للأستاذ عماد فى الفضائيات للترويج للمصالحة الملعونة، وهل هناك جهات معينة فى مصر تتبنى هذا الطرح؟! إن مواجهة الإرهاب والتطرف أيها السادة لا يكون بالحوار أو المصالحة أو الاحتواء أو أى من هذه الخزعبلات، ولكن يكون فقط بتنفيذ الرؤية المصرية لمكافحة الإرهاب التى أعلن عنها الرئيس عبد الفتاح السيسى مرارا وتكرارا، والتى لا تقتصر فقط على الوسائل العسكرية والأمنية، وإنما تمتد لتشمل الثقافة والتعليم، فضلا عن أهمية تجديد الخطاب الدينى. والغريب أن هذا الأمر يأتى فى الوقت الذى يتصاعد فيه الحديث عن أهمية التعامل مع حالة الفراغ السياسى الذى يعانى منه الشارع المصري، ومصطلح (الفراغ السياسي) تحدث عنه وأكده المهندس محمد السويدى رئيس ائتلاف دعم مصر خلال حفل الاستقبال الذى أقامه يوم الثلاثاء الماضى لرئيس البرلمان العراقى سليم الجبوري. والحقيقة أن مصطلح الفراغ السياسى هو توصيف صحيح للحياة السياسية والحزبية فى مصر الآن، ينبغى أن نعترف به جميعا ونتعاون من أجل حل هذه المعضلة، وحتى لا نعطى الفرصة لأى تيارات متطرفة أو مضللة لملء هذا الفراغ. ففى مصر الآن نحو 104 أحزاب سياسية، بخلاف الجماعات السياسية الأخرى التى تطلق على نفسها اسم حركة أو تحالف أو تيار، والغالبية العظمى منها ليس لها أى وجود حقيقى فى الشارع، ولو سألت أى مواطن عن اسماء عشرة أحزاب فقط منها لن يعرف. وهذا العدد الضخم من الأحزاب السياسية عديمة القيمة جاء نتاجا لعدة عوامل، منها عدم وجود تربية سياسية صحيحة أو خبرة حزبية لدى معظم المصريين وخاصة من الشباب، وبعد الحراك السياسى الذى شهده الشارع المصرى إثر ثورتى 25 يناير و30 يونيو ظن أى مجموعة أشخاص أن بوسعهم تشكيل حزب سياسى مؤثر طالما تجمعهم بعض الأفكار، أو لديهم شقة يجتمعون بها، أو تمويل يستفيدون منه، أو حتى كنوع من الوجاهة الاجتماعية، خاصة بعد ظهور مهنة جديدة اسمها ناشط سياسي. وهؤلاء لم يدرسوا تاريخ الحياة السياسية والحزبية فى مصر، ولا يعلمون عنها شيئا، ولا يعرفون الدور الصحيح للحزب ولا أنه لابد أن يعبر عن جانب من الشارع المصرى وليس عن شلل معينة فى شقق مغلقة عليهم. وقد أوضحنا من قبل أن هناك سمة محددة صاحبت التجارب الحزبية المعروفة فى تاريخ مصر، وهى وجود حزب أغلبية كبير ومجموعة من الأحزاب الصغيرة، حدث ذلك فى التجربة الحزبية الأولى التى عرفتها مصر (1907 1914) حيث كان الحزب الوطنى بزعامة مصطفى كامل هو الأكثر تأثيرا. وفى التجربة الحزبية الثانية (1919 1953) كان حزب الوفد هو الحزب الأكبر صاحب الأغلبية فى الشارع، وجاءت التجربة الحزبية الثالثة (1977 2011) ليكون الحزب الوطنى هو الحزب صاحب الأغلبية. ومنذ ثورة 25 يناير وحتى الآن لم تشهد مصر حزب أغلبية كبيرا يستطيع احتواء الشارع السياسي، ومع عودة الاستقرار وتثبيت دعائم الدولة بعد إطاحة الإرادة الشعبية بحكم الجماعة الإرهابية، برزت أهمية وجود ظهير سياسى يمثل حزب أغلبية كبيرة يستطيع بث الحيوية والنشاط فى الحياة الحزبية والشارع السياسى فى مصر. وفى ظنى أن ائتلاف دعم مصر بما يمثله من أغلبية برلمانية، وما يضمه من نواب من جميع المحافظات، وما يمتلكه من خبرات سياسية وتنظيمية وإعلامية، يمكن أن يكون هو حزب الأغلبية المنشود، وفى الوقت نفسه فإن حزب الوفد بقيادته الجديدة وباعتباره من أقدم الأحزاب فى العالم بعد حزبى المحافظين والعمال فى بريطانيا، يستطيع أن يكون حزب المعارضة الأكبر فى مصر، وبذلك تكون لدينا حياة حزبية نشطة تضم حزبين كبيرين وعدد من الأحزاب المتوسطة والصغيرة، مثلما هو الحال فى كل الدول الديمقراطية. وأتمنى أن نشهد قريبا اندماج الأحزاب المتشابهة الكثيرة، لتكون لدينا تكتلات حزبية قوية تقضى على حالة الفراغ السياسي، مع إتاحة الفرصة لها للقيام بالدور المنشود. كلمات: أريد أن يُكتب على قبرى (جعل الشباب يقرأون) د.أحمد خالد توفيق لمزيد من مقالات ◀ فتحى محمود