15 سنة ولا زالتِ هنا.. ولا زال عطرك يفيض من حولى ويملأ الأمكنة" 15 سنة على رحيلك يا سناء.. ولا زلت أحكى للناس عن أول لقاء بيننا وأول كلمة حب.. وأول رقم تليفون هاتفتك عليه لأول مرة.. 15 سنة ولا زلت أذكر حنانك ودفء كفك حينما كان يربت على كتفى 15سنة وما زلت أحكى لمن حولى عن عشقى لكِ.. وعن عدم وفائك بالوعد، رحلت وتركتينى وحيدًا وقد كنا اتفقنا على ألا نفترق، ولكن لا راد لقضاء الله.. فلتكن مشيئته ونحن نقبلها برضاء تام، أعيش على أمل أن ألقاك يا وحيدتى. بهذه الكلمات خاطبها شريك حياتها وحب عمرها (لويس جريس) منذ أيام قلائل، وكأنه تمنى اللحاق بها واستجاب الله له،، رحل أستاذ الصحافة الكبير ليلتقى بحبيبته أستاذة التمثيل فى ذكرى ميلادها. سناء جميل العانس الفقيرة التى تعبر عن تلك المعاناة باقتدار لم تقدمه غيرها منذ القاهرة أوائل القرن الماضى إلى اليوم،، هى الأرستقراطية التى لا تقبل أى تغير اجتماعى يغير وضعها أو سلوكها،، هى السيدة الراقية من الطبقة الوسطى التى تشاكس الجيران وتعبر عن حياة ملايين المصريين المستورين،، هى المعلمة البلطجية السوقية الشرسة هى الأم والأخت والجارة والصديقة هى نماذج نسائنا وحياتنا منذ مائة عام تقريبا" إلى اليوم. سناء جميل، الصعيدية الباريسية، جميلة الروح ذات الحضور الطاغى فى المسرح والتليفزيون والسينما، علامة فى تاريخ الفن المصرى. مع الاحتفال بعيد ميلادها، 27 أبريل 1930، قد يتوقف الكثيرون أمام الجوائز والتكريمات، وما أكثرها، لكن الحقيقة الأهم التى لا ينبغى أن تغيب هى التأكيد على أنها ممثلة عالمية بكل ما تعنيه كلمة "عالمية" من دلالات لا تقترن فحسب بالشهرة، لكنها وثيقة الصلة أيضًا بالبقاء المتوهج بعد الرحيل، فهى حاضرة بإبداعها لا تغادر الذاكرة ولا تغيب. منذ بدايتها مع السينما فى فيلم "طيش الشباب"، 1951، حتى آخر أفلامها "اضحك الصورة تطلع حلوة"، 1998، تتنوع الأدوار والشخصيات التى تقدمها سناء. كثيرة هى الأفلام التى تشارك فيها ولا تتيح للموهبة العبقرية أن تقدم كل أو بعض مخزونها الإبداعى، لكنها قادرة دائمًا على لفت الأنظار وحبس الأنفاس، وبخاصة عندما يكون الدور معقدًا مركبًا لا يجدى معه الأداء السطحى والتقمص الخارجى الهش. تتفاوت الأدوار إلى حد التناقض، وتبقى سناء صديقة أثيرة للكاميرا، وساكنة مستقرة فى قلوب المشاهدين. من يتخيل أن ممثلة غيرها يمكن أن تكون نفيسة، العانس القبيحة الفقيرة المأزومة المليئة بالأوجاع فى "بداية ونهاية"؟. بعد خمس سنوات من فيلمها هذا، تتحول العانس ساكنة الحارة الشعبية فى شبرا إلى مثقفة متفلسفة متأنقة متشبعة بالأفكار الوجودية فى "المستحيل"، ثم إذا بها بعد ثلاث سنوات، 1968، ريفية ثرية قوية متسلطة، يدفعها العقم إلى الحقد والكراهية، فهى سناء مختلفة ذات شخصية معقدة متعددة الأبعاد، ولا صلة بين شخصيتها هذه والوجه الذى تقدمه فى "سواق الهانم"، 1994، حيث المرأة الأرستقراطية المتعجرفة المتعالية المتأففة، فكيف تتمكن بعد كل هذا الإقناع أن تكون المرأة الصعيدية المحافظة المتعنتة فى الحفاظ على القيم الأخلاقية كما هو الحال فى فيلمها الأخير، مع أحمد زكى ومنى زكى، الذى يسبق رحيلها بأربع سنوات: "اضحك الصورة تطلع حلوة"؟!. العظيمة سناء ذات وجوه متعددة بلا ذرة من الافتعال والنشاز، ونظرة على قائمة إبداعها السينمائى تؤكد أنها لم تنفرد يومًا بالبطولة المطلقة، لكنها تستوطن القلوب بلا عناء، وتدفع مشاهديها إلى دائرة الفهم والاستيعاب والاقتناع. • بفضل الدراما التليفزيونية، تصل سناء جميل إلى الملايين ممن لا يترددون على دور السينما، وفى أدوارها هذه تحتفظ بالأداء السلس المذهل الذى يستأثر بالعيون دون نظر إلى طبيعة الشخصية التى تجسدها. المعلمة فضة المعداوى، فى "الراية البيضا"، رائعة أسامة أنور عكاشة ومحمد فاضل، شريرة سوقية جديرة بالكراهية والازدراء، ومعبرة عن قسوة التحول الاجتماعى الذى يطيح طوفانه بالمتحضرين والمثقفين. تخوض المعارك الشرسة بلا قيم أو مبادئ، وتنجح سناء فى تحقيق المعادلة شبة المستحيلة: كراهية المشاهد لفضة، ومحبته غير المحدودة للممثلة البارعة فى تجسيد الشر. ينتظر ظهورها ليستمتع بعبقرية الأداء، ويتحول اسم فضة وبعض ما تردده من عبارات إلى جزء من نسيج اللغة اليومية. أدوار سناء جميل فى المسرح علامة لا تُنسى، لكن القليل النادر من مسرحياتها يُعاد عرضه. مع الاعتراف ببراعة العظيمة شادية فى "2/1 ساعة جواز"، فإن الدور نفسه فى مسرحية "زهرة الصبار"، يكشف عن أسلوب مختلف تصل من خلاله سناء إلى أعماق شخصية الممرضة، كأنها تعيد إنتاج نفيسة فى إطار مختلف. ثريا يوسف عطا الله، الشهيرة بسناء جميل، زوجة الصحفى الكبير لويس جريس، امرأة مصرية خالصة، موهوبة قوية ذات حضور، محترفة مخلصة لا تنظر إلى الأقل موهبة والأكثر شهرة وثراء، ذلك أن الفن يشبعها ، ويمنحها ما لا يحصده الآخرون . رحم الله سناء جميل ولويس جريس اللذين كان وجودهما بالحياة إثراء لها ورحيلهم ترك فراغ صعب جدا" يمتلئ بغيرهم