وصلتنى صور من دعوات التنظيم الإخوانى للاحتفال بعيد التأسيس التسعين، الدعوة مطبوعة بلغات أربع (عربية - تركية - إنجليزية - فرنسية)، ويتم توجيهها إلى مستويات متعددة تبدأ بقيادات الدولة التركية وممثلى حزبها الحاكم (العدالة والتنمية)، وتمر بممثلى البعثات الدبلوماسية الحاضرة فى تركيا، وكذا مكاتب المنظمات الأممية والدولية والحقوقية والإعلامية العاملة فى تركيا، وتنتهى بقيادات التنظيم الدولى فى أرجاء المعمورة، ويتولى توزيعها قيادات ومندوبو التنظيم فى تركيا وكذا المتحالفون معهم تحت أى كيان من الكيانات التنظيمية التى تأسست لمصلحة ما يسمى (تفعيل الآخر لخدمة أهداف التنظيم)، وهكذا يحشد التنظيم مقدراته وقدراته ليحتفل بذكرى تأسيسه فى قاعة (على أميري) بشارع وطن الواقع بالعاصمة التركية اسطنبول، والتى تعد واحدة من أكبر وأفخم قاعات المؤتمرات التركية. وبدأت الفضائيات التنظيمية ومعها فضائية الدعم القديم (الجزيرة) نقل فعاليات الحفل على الهواء مباشرة، ومع بدايات البث راحت تطرق باب ذاكرتى أياد تحمل ملامح غير منفصلة عن الصورة المنقولة، فلقد كان العبد لله حتى مطلع 2011 واحداً من مسئولى إعداد احتفاليات هكذا، فقبل أن يمن الله علىَّ بالنجاة من أسر التنظيم شاركت فى إعداد حفلات التنظيم التى كانت تعقد فى أفخم قاعات فنادق القاهرة ذات النجوم الخمس والسبع، وشاهدت فعاليات مشابهة خارج مصر. ويدوى فى أفق (لجنة الإعداد) صوت قيادة التنظيم كما كان يحدث فى السابق (نريده حفلا فخما ضخما يعكس لكل الدنيا حجم وثقل وقوة الإخوان، وبالتالى اطلبوا ما شئتم من دعم مالى وبشرى لإنجاح الحفل)، هكذا تفتح أبواب الدعم على مصراعيها رغم ما يكابده القواعد و أسرهم من احتياج، وفى هذه الأجواء تم الإعداد للحفل على أن يتضمن كلمات تمثل قيادة التنظيم وتعكس تنوع الأجيال واتساع رقعة التنظيم جغرافياً وقبول الحضور النسائي، مع ضابط أكيد هو مراجعة وضبط الكلمات للجميع من قبل قيادة التنظيم حتى لا يورطه أحد المتحدثين. وهكذا تستحيل الاحتفالية امتداداً لعالمٍ تنظيمى أخطبوطى تلف أذرع خطابه أفئدة وعقول قواعده، حتى تتحول إلى سجن كبير رقعته كل العالم، بعدما كانت زنازين تنظيمية صغيرة تسمى (أسرة) ينقل صورة العالم خارجها (نقيب الأسرة)، عبر ما يسمى البريد الداخلى الذى ينقل خطاب وتوجهات القيادة وأخبار مواطنى التنظيم فى أقطار العالم، ويرد الشبهات التى تُثار على التنظيم، وهكذا تطور الماكينة التنظيمية أدواتها لنشر جراثيمها فى وعى كل قاطنى زنازينها، وتسعى لاصطياد ضحايا جدد، يتابعون عبر شاشات التنظيم فخامة الاحتفالية وهم يتجرعون مرار العوز والحاجة والمطاردة والسجن، ويطالبون بالصمود والثبات، وتطالب أسرهم المكلومة بتحمل الحاجة حتى يتمكن قادة التنظيم من إثبات حضورهم دولياً فى كبريات القاعات وأفخم الفنادق وتذاكر طيران الدرجة الأولى.إن الإشكالية الحقيقية بعد تسعين عاماً من عمر هذا التنظيم، تتجسد فى قدرته على الحصول على كامل الدعم الدولى والقاعدى ليستمر، ليس بفعل قوة الفكرة وإنما بسبب تشظى آليات المواجهة وتفتت سبل التعرية وفراغ الساحة الجماهيرية من عقول متوحدة حول مشروع وطنى للبناء جامع، وغياب عقيدة المواجهة التى تحمل رسالة التحرير من أسر التنظيم، فواجب الدولة الراعية يحتم عليها تحرير مواطنيها من أسر مستخدميهم، وتحرير دينها من أيدى مستثمريه، وإذا كان من بلاغ يتم توجيهه بعد تسعين عاماً من عمر هذا التنظيم، فهو بلاغ إلى ضمائر القيادات الوطنية على كل الثغور، بلاغ يستصرخكم بالعمل على تحرير آلاف المواطنين المصريين الذين تحويهم زنازين تنظيمية ضيقة امتدت واتسعت على مدى تسعة عقود، وتحوى ضحايا التنظيم الذى أسسه حسن البنا، زنازين متنوعة الأشكال والمواقع، يُساق إليها قواعد التنظيم فور وقوعهم فى مصيدته، يمر الجميع داخل معامل تنظيمية تعمل على إعادة صياغة عقل الفرد على جميع المستويات، العقيدة والعبادة والسلوك والتوجه وحتى العواطف، يخرج الفرد من هذه المعامل منخلعاً عن كل ارتباطات الحياة الطبيعية، حيث يشهد يوم (البيعة) ميلاداً جديداً داخل عالم التنظيم، ويتحول تدريجيا إلى كائن تنظيمى يحلم بتمكين ضبابى الهوية، السبيل إليه (الجهاد) وأقصى أمانيه فيه (الموت فى سبيل الله)! يحتفل التنظيم بتسعين عاماً على نشأته، ويدق احتفاله ناقوس الخطر انتصاراً للحياة، بعدما أثبت الواقع أن (تمكين) حسن البنا الضبابى لا يستهدف الوصول إلى تمكين من الحكم، قدر كونه تمكيناً من الشعوب وعقولها والأوطان ومقدراتها لمصلحة نظام عالمى يستهدف إعادة صياغة خريطة أوطاننا، وراجعوا أدوار التنظيم فى تفتيت أفغانستان والعراق والسودان وليبيا وسوريا واليمن وحتى فلسطين، تسعون عاماً وسوس التنظيم ينخر فى عظام الأمة وعقولها وعقائدها، فهلا نتنبه قبل فوات الأوان؟، ألا هل بلغت اللهم فاشهد. لمزيد من مقالات ◀ عبد الجليل الشرنوبى