خمس سنوات مرت منذ استضافتنى الإعلامية (سوزان حرفي) فى برنامج لها على إحدى الفضائيات التى لم تستمر، كان الحوار حول (تطوير إعلام الإخوان بعد 25 يناير)، كنت قد أيقنت أن كل ما سوقته لى ماكينة التنظيم الإخوانى حول دعوته الربانية وأهدافه الإصلاحية وغاياته البريئة، وتساميه عن كل مكسب وترفع قادته عن أى مغنم، كلها مجرد «إفيهات» استهلاكية فى دراما التنظيم الذى أدمن النصب والاحتيال باسم أعظم القيم وأسماها، وجميعها حين تصطدم بحقيقة العرض الإخوانى المستمر منذ 1928، تواجهها ضحكات تنظيمية رقيعة ويتبعها صوت الأخ توفيق الدقن قائلا (أحلى من الشرف لا يوجد يا آه يا آه)! كان على العبد لله أن يختار بين أن يتحول إلى الأخ توفيق، أو أن يرضى بدور عبد المنعم إبراهيم ليعلن على الملأ أن (علبة التنظيم ما فيهاش فيل) ويخرج عن السيناريو الموضوع والذى من الممكن أن يقبل بالخروج الآمن من التنظيم، أى (إرحل وكف قلمك عنّا، ولا تذكرنا بخير ولا بشر) هكذا كان نص الرسالة التى نقلها لى هاتفياً سكرتير بديع المرشد، ولكن السيناريو التنظيمى لا يقبل على الإطلاق أن تخرج لتتحدث بما رأيت، مهما كان ما رأيت والقاعدة تقول (المجالس بالأمانات)، وبالطبع هذه المجالس التى لها حرمتها هى تلك التى تحوى أسرار التنظيم، أما أى سر آخر فحلال إفشائه، طالما ذلك فى (خدمة الدعوة - التنظيم -)، وهى تقال لأهل الأمانة الثقات من (قادة الدعوة - التنظيم-)، الذين يستثمرونها فى فضح (أعداء الدعوة - التنظيم-)، وهكذا تجلجل من جديد ضحكات تنظيمية رقيعة ويعلو صوت الأخ الدقن (أحلى من مجالس الدعوة لا يوجد ياآه ياآه)! أستطيع الاعتراف اليوم بأنى قد أحرجت المذيعة (سوزان حرفي) حين فاجأتها فى أولى دقائق حلقتها بإعلان الاستقالة من التنظيم فرارا بدينى وما بقى من إنسانيتي، هدمت للإعلامية إعداد البرنامج وحالت المفاجأة دون أن تتحدث لثوان (سقط الهواء بالمعنى الدارج)، لكنى لم أكن أضمن إن نسقت معها الأمر أن تتم إذاعة الحلقة، خاصة أن للتنظيم علاقاته الوطيدة مع صاحب القناة، ولتكون الشهادة كاملة فلم أكن أستطيع الجزم بأن أى قناة كانت سترحب باستقالتى بعد 25 يناير، حيث كان التنظيم يستعد ليحكم ولرأس المال الإعلامى حساباته، وللتنظيم المتأهب للتمكين علاقاته، وكان القرار الذى عمل على إنفاذه بديع المرشد هو أن تتم تشويه استقالتى من رئاسة تحرير الموقع -إخوان أون لاين- ومن ثم استقالتى من التنظيم، قبل الحلقة بأيام استدعانى المرشد السابع محمد مهدى عاكف، وكانت تربطنى به علاقة وطيدة، سمع بأمر استقالتى من الموقع واتصل ببديع، فأخبره أنى لم أحترم المرشد أو مكتب الإرشاد ووضعت استقالتى على الفيس بوك ورفضت لقاءه، وفى منزل عاكف هاجمنى لِمَا سمع وعنفنى على فعلتى وكان حاضرا ابن أخيه، وبعدما فرغ قلت له خاطبت مسئولى المباشر (الأخ محمد مرسي) وأحالنى لمكتب الإرشاد وهناك التقانى (الأخ عصام العريان)، وبعده (الأخ مسعود السبحي) سكرتير المرشد حينها، ومنه لبديع الذى استلم استقالتى شخصيا، وأسقط فى يد الرجل فقال بمرارة (يعنى بديع بيكدب لاحول ولا قوة إلا بالله ربنا يوفقك يا وله)، نعم يكذب المرشد طالما فى ذلك (تخذيل عن الدعوة - التنظيم-)، ويتردد فى الأرجاء ذات الضحكات التنظيمية الرقيعة بينما صوت الأخ الدقن يدوى (أحلى من المرشد لا يوجد يا آه يا آه). بعد استقالتى من التنظيم فرارا بالدين وبقايا الإنسانية، كان الاكتشاف الأهم، حيث خريطة الواقع مقسمة بين معسكرات أخرى منظمة أيضا، والطبيعى أن يكون موقع مثلى من (خوارج الإخوان) بين أبناء ما يسمى ب (المشروع الإسلامي)، وهو تنويع على ذات الوتر التنظيمي، هكذا رأيت هذا الجزء من الخريطة التى بات يقينى أنها برعاية (أنجلو أمريكية)، وبالتالى يصبح مطلوبا منى أن أتحرك فى أرجاء الفكرة الخادمة للمشروع الذى يتخذ الدين (لوجو) له، وحال الرفض فبقية المكونات على الخريطة فضلا عن كونها محجوزة الأماكن فهى أيضا لا تقبل من يقول (لا) فى وجه تنظيم كالإخوان، وهو بالنسبة لهم شخص متمرد قابل للتفلت مما لا يتفق ورؤاه، ويصبح الخيار إما العزف على وتر (المشروع الإسلامي) بأى آلية، أو الأداء خارج سيناريو الواقع، ومن جديد تدوى الضحكات التنظيمية الرقيعة، ويردد الأخ الدقن (أحلى من المشروع الإسلامى لا يوجد ياآه ياآه)! خمس سنوات على القفز من سجن التنظيم، بعد أكثر من عقدين قضيتهما فى احتيال أَسْرِه، ولايزال الهاجس نفسه هو الذى يطرح سؤاله، (ما هو الضامن لئلا يعود التنظيم مطلا بوجهه على المستقبل ليسرق من أبنائنا عقود أعمارهم فيما يسجنهم داخل خططه وأقسامه؟). ربما فى 30 يونيو اعتقدت أننا امتلكنا إرادة قادرة على حسم موقف مصر من التنظيم كما حسمها هو منها منذ نشأته، ولكن الاعتقاد لم يجاوز خانة الحلم، وباتت ذات الآليات القديمة لمواجهة التنظيم - الأمن- هى الأساس، وخرج الشعب من المعادلة بإرادة خطاب إعلامى عبثى فرق ثم قسم ثم شتت فأربك وأنهك، فيما استطاعت ماكينة التنظيم أن تعيد توحيد صفها وأن توحد ضد مصر خطابها ودعاءها وطاقتها، وأن تطرح نفسها من جديد، بدءا بادعاء خلافات القيادة للتنصل من دماء أسالتها قرارات تنظيمية، وأخيرا بطرح دراسة الفصل بين (الدعوة والسياسية)، هكذا ببساطة يسعى التنظيم لإعادة طرح نفسه دونما مراجعات للأدبيات والأفكار التى لعقود روجها، ولا تقييم للخطايا التى ارتكبها ولا تصويب للفتاوى التى صاغها بالدم وعممها، خمس سنوات وجراب الحيل التنظيمية لا ينفد، بينما صوت الضحكات التنظيمية الرقيعة يجلجل، وعبر وسائل إعلام التنظيم يوحد الأخ الدقن خطابه (أحلى من الفصل بين الدعوة والسياسة لا يوجد ياآه ياآه). لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى