الامير محمد بن سلمان ركب فرس التحديث فى منطقتنا الخليجية وهو تحديث مستحق وضرورى وقد طال انتظاره من شرائح واسعة من المجتمع، ولكنه ايضا فى الوقت نفسه صعب، وأعتقد أن التحديث الذى يتضمنه مشروع محمد بن سلمان، سوف يؤثر فى منطقتنا الخليجية والعربية بعمق، إن أتى أكله وتوجت تلك الجهود التى يقودها بن سلمان (مع حفظ الالقاب) بالنجاح، المنطقة بأسرها تنتظر نتائج ذلك التحديث والعالم أيضا كما أن هذا التحديث يخيف قوى ودولا تحاول جاهدة افشاله. بن سلمان اختار الطريق الصعب، المعركة الأهم التى يقودها ليست المعركة الاقتصادية على أهمية الاقتصاد ومركزيته فى المشروع التحديثى، وليست المعركة الاستراتيجية مع ايران على أولويتها القصوى من اجل كسر الموجة التى تستهدف الاوطان العربية، بل هى معركة الفكر الكبرى، أى تحديث المقولات والأفكار وفهم مطالب الحياة الحديثة، وتغيير ما سيطر على عقل جيل كامل تقريبا من أبناء السعودية والخليج. قال محمد بن سلمان فى أكثر من مقابلة مذاعة فى التليفزيون، إن السعودية فى السنوات الثلاثين الماضية دخلت فى نفق التشدد والاستسلام أمام مقولات التفسير المسيس للدين الاسلامى، وكان ذلك استجابة غير منظمة ولا دقيقة لمقولات ودعايات الثورة الايرانية، وتأثيراتها الإقليمية من جهة، وتسلط تنظيم الاخوان المسلمين على عقول كثير من الطلاب والطالبات فى مدارس المملكة ودول الخليج. الحقيقة أن تلك الموجة من التشدد والغلو طالت دول الخليج ودولا عربية اخرى، سواء فى مصر أو المغرب او غيرها من دولنا العربية، وظهرت طائفة من الناس ممن اعتقدوا او نصبوا أنفسهم (دعاة) متسلطين على الفكر والممارسة، سواء فى شكلها البسيط واليومى من (الكلمات والتحيات والمفاهيم) او فى شكلها الأكثر صلابة فى السلوك السياسى ونفى الآخر، وحمل السلاح ضده، بل ومحاربته فى كل المواقع، كل ذلك بسبب الاستجابة غير المنظمة للأحداث السياسية التى مرت على المنطقة، وهى كثيرة ومعقدة. محمد بن سلمان يقود توجها جديدا، واستجابة عقلانية لهذه التحديات، وهو الرجل الذى تحتضن دولته الحرمين الشريفين، مكة والمدينة، لما لهما من موقع فى عقول وقلوب المسلمين كافة، فنجاح مشروعه، هو نجاح المواءمة بين الاسلام السمح وبين العالم التعددى، فى الخطوط العريضة للمشروع التحديثى يهدف الى فصل الأعراف والتقاليد عن جوهر الدين الاسلامى. هو يسميها العودة الى الاسلام الصحيح. ولكن هذا المشروع يلاقى الكثير من الصعاب على رأسها ثلاث بارزة: الأولى أن هناك ماكينة إعلامية ضخمة ومكلفة خلقها التنظيم الدولى للإخوان، تقوم بهجمة شرسة ضد المشروع التحديثى، خاصة أن الأمير محمد بن سلمان، والطاقم الذى يعاونه يقول بوضوح، إن من أولويات المشروع التحديثى، التخلص من افكار وممارسات وتأثير (الإخوان) ومن فى حكمهم، على المستوى التعليمى والثقافى والاجتماعى فى المملكة، استشعار التنظيم الدولى للخطر، والذى استخدم المنصة السعودية لفترة طويلة بشكل انتهازى، استشعاره بالخطر، هو الذى رتب ردود فعله منذ زمن، لذلك فان ردة الفعل تلك هى كما نشاهد قوية وشرسة. الثانية الماكينة الإعلامية المرتبطة بالنظام الايرانى، وجلهم من العرب، تنتظم فى حملة دعائية منسقة، مستفيدة من كل الثغرات التى يخلفها العمل التنموى السعودى والمسيرة التحديثية، تلك تضخم على الجمهور العام مع الكثير من التضليل، خاصة تلك المتعلقة بالعلاقات السعودية الامريكية، ولا تتوانى فى الحديث عن اسرائيل التى تعتقد تلك الماكينة أن التسويق السيئ لها مقبولا للجمهور, بصرف النظر عن تحكيم العقل، فقط اللعب بالمشاعر الوطنية، هذه الماكينة ليست سهلة، لانها تقدم الكثير من السم. الثالثة أن هناك فئة من الناس (ولا أقول طبقة) من السعوديين والخليجيين وغيرهم من العرب استفادوا من (تيار الصحوة) وأصبحت تدر عليهم أموالا ومواقع اجتماعية مرموقة مع أعمال تجارية مجزية، هذه الفئة تظهر الآن المقاومة للمشروع التحديثى، بعضها بشئ من الحياء على طريقة (انا معكم ولكن..) أو بشئ من المراوغة، إلا أن تلك المجاميع سوف تزداد شراستها كلما تقدم المشروع التحديثى فى تحقيق نتائج ايجابية، هى الآن تضع بعض العصى فى الدولاب، ولكن الأكثر احتمالا أن تتوجه إلى (كسر الدولاب) وتعويقه عن القيام بمهامه، يستخدم هذا التيار فى كل جهوده التعويقية، مقولات تراثية، ويطوع مفاهيم اجتماعية تخدم غرضه، هذه الفئة من الناس لن تتأخر فى استخدام كل الأسلحة المتاحة، إما لتعطيل المشروع التحديثى أو لنسفه من أساسه. يساندها فى هذا التوجه عدد من المتضررين فى تحالف يمكن ان يسمى (تحالف المتضررين) وهو تحالف قد يلتحق به المتضررون من الخطوات الإصلاحية فى الاقتصاد، ولكن لسرعة التعطيل يمتطون الرهان على التراث والتخويف من النتائج الاجتماعية للتحديث، إخفاء لأهدافهم الحقيقية وهى تعطيل التنمية. من أجل كل ذلك فعلى المستنيرين أن يعاضدوا هذه الخطوات الإصلاحية ويشرحوها للناس تكرارا. لمزيد من مقالات محمد الرميحى