تحمل إقالة وزير الخارجية الأمريكى تيلرسون وتعيين مدير المخابرات المركزية مايك بومبيو بدلا منه تداعيات مهمة على السياسة الخارجية الأمريكية سواء من حيث آلياتها أو قضاياها ونمط إداراتها. فقد زادت الفجوة بشكل كبير بين تيلرسون والرئيس ترامب حول إدارة الملفات الخارجية، وقد عكست الاستقالات والإقالات غير المسبوقة فى البيت الأبيض خلال العام والربع الأول لترامب عدة أمور، أولها: أن ترامب القادم من خارج المؤسسات التقليدية والنخبة السياسية، وتحديدا من عالم رجال الأعمال, يدير البيت الأبيض بمنطق الشركة الخاصة, بما يعنى سهولة الإحلال والاستبدال فى العمالة (أى معاونيه ومستشارويه)، ويعنى أيضا التسرع وعدم التدقيق فى تشكل الفريق المعاون له وأن معظمهم جاء من حملته الانتخابية أو من مجتمع الأعمال. وثانيها: أن عملية صنع واتخاذ القرار فى البيت الأبيض تتسم بالانفرادية من جانب ترامب بما يعنى استبعاد كل من لا يتفق معه فى الرؤية والأفكار, وثالثها: ميله نحو اختيار الشخصيات ذات الأصول العسكرية معاونين له، مثل مستشار الأمن القومى ماكمستر وكبير الموظفين جون كيلى الذى جاء من الأمن الداخلي، وأخيرا وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو من جهاز الاستخبارات، وهذه العوامل الثلاثة تعنى أن السياسة الخارجية الأمريكية تتجه نحو النزوع للاعتماد على الآليات الصلبة مثل العقوبات والخطاب السياسى المتشدد وتزايد احتمالات استخدام القوة العسكرية، مع اللجوء للمفاوضات والحوار انطلاقا من الحسم والمزج بين سياسة العصا والجزرة. هذا التوجه الجديد من شأنه أن ينعكس على نمط إدارة العديد من الملفات الشائكة أبرزها الاتفاق النووى الإيراني، ففى حين وصفه تيلرسون بالمقبول وضغط على ترامب لتمديد تعليق العقوبات فى يناير الماضي، عده ترامب فظيعا ويجب تعديله أو الانسحاب منه. ومع اختيار بومبيو الذى يتخذ موقفا متشددا من إيران، فإن الاحتمال الأرجح أن تتجه إدارة ترامب للانسحاب من هذا الاتفاق فى مايو المقبل, بعدما أعطى ترامب إنذرا أخيرا للكونجرس والأوروبيين للبحث عن صيغة بديلة، خاصة مع رفض إيران والدول الأوروبية ضمن مجموعة خمسة زائد واحد تعديل الاتفاق، وفشل محاولتهم بالضغط على إيران فيما يتعلق ببرنامجها الصاروخى وتحجيم دورها فى المنطقة، كمحاولة لإقناع ترامب بالاستمرار فى الاتفاق ومن أجل الدفاع عن مصالحهم الاقتصادية مع إيران فى اعقاب رفع العقوبات. وبالتالى سيتجه ترامب نحو تطبيق إستراتيجيته الشاملة تجاه إيران القائمة على تعديل الاتفاق النووى ومعالجة الثغرات الكبيرة فيه فيما يتعلق ببند الغروب الذى يسمح لإيران باستئناف التخصيب بعد عام 2025، وربطه ببرنامجها الصاروخى الباليستى وأنشطتها المزعزعة لاستقرار المنطقة عبر أذرعها مثل حزب الله وجماعة الحوثى فى اليمن والمليشيات الشيعية الموالية لها فى سوريا والعراق، مما يعنى مزيدا من التصعيد بين الولاياتالمتحدةوإيران. ورغم أن المواجهة العسكرية المباشرة مستبعدة على الأقل فى المدى القصير، فإن السياسة الأمريكية ستعتمد بشكل أكبر على آلية العقوبات المنفردة للضغط على النظام الإيرانى مما ينشئ حالة من عدم اليقين حول الاستثمارات الغربية فى إيران وبالتالى تفريغ الاتفاق من مضمونه، وهو ما اعترف به عباس عراقجى نائب وزير الخارجية الإيراني، مع الاعتماد أيضا على حشد التحالف الإقليمى والدولى ضد إيران لتحجيم نفوذها وتغلغلها فى المنطقة وفى أنشطة دعم الإرهاب، ومواجهة أذرعها فى سوريا ولبنان واليمن. أما فيما يتعلق بالملف الكورى الشمالي، فيتجه ترامب إلى الحوار بدلا من التصعيد العسكرى والسياسى مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون، والمزج بين سياسة العصا والجزرة لتحقيق الهدف الأساسى وهو نزع السلاح النووى والصاروخى الكورى الشمالي، ولذلك فإن القمة المرتقبة بين الزعيمين فى مايو المقبل لن تنعقد إلا إذا تم التوصل مسبقا لاتفاق شامل يقضى بتفكيك البرنامج النووى والصاروخى لكوريا الشمالية مقابل رفع العقوبات الدولية والأمريكية عنها وإنهاء عزلتها الدولية وتوفير ضمانات بعدم إسقاط النظام, وهذا الاتفاق مستبعد فى ظل خبرات الحوارات السابقة سواء المباشرة بين أمريكاوكوريا الشمالية فى عهد كلينتون أو المحداثات السداسية التى ضمت كوريا الجنوبيةوروسيا والصين واليابان التى فشلت فى حل هذا الملف. ويشكل ملف العلاقات مع روسيا أحد أبرز انعكاسات النزوع للقوة الصلبة، مع اتفاق أعضاء فريق إدارة ترامب على اتخاذ موقف متشدد من روسيا سواء بسبب تدخلها فى الانتخابات الرئاسية أو بسبب ضمها لشبه جزيرة القرم وأخيرا بسبب أزمتها الأخيرة مع بريطانيا واتهمها بتسميم العميل المزدوج سكريبال. كما سينعكس التوجه الأمريكى الجديد على الأزمة القطرية مع الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب حيث ستتخذ إدارة ترامب فى ظل بومبيو موقفا أكثر تشددا تجاه قطر ودعمها للإرهاب بعدما انحاز تيلرسون لها فى السابق مما أعطاها الضوء الأخضر لاستمرار سياسة التحدي. وبالتالى السياسة الأمريكية فى ظل تشكيل الفريق الجديد نعنى أنها أكثر تناغما وأكثر ميلا نحو القوة الصلبة، وستشهد تغيرات واضحة تجاه هذه الملفات الأربعة، كما أنها تعكس وعود ترامب الانتخابية التى يصر على تنفيذها حتى لو ضحى بكل من يختلف معه. لمزيد من مقالات ◀ د. أحمد سيد أحمد