الحب جاء فى بعض أغنيات الألبوم مكسورا وحزينا وخافتا، والمطرب ينتصر لكرامة الرجال فى الأغنية الصادمة «ما تاخدى بالك»!. الأغانى كالوجوه !، بعض الوجوه ما أن تراها حتى تشعر أنها قريبة إلى قلبك، وأنها حبيبة إلى نفسك، وأنك تعرفها من زمان، وبعض الوجوه، ما أن تراها، ومهما اقتربت منك والتصقت بك، وطلت عليك من كل مكان، تظل تشعر أنها بعيدة عن قلبك، غريبة عن نفسك، لا تعرفها أبدا، وأغنيات على الحجار بصفة عامة وأغنيات ألبومه الجديد «ما تاخدى بالك» بصفة خاصة، من الوجوه الأولى التى إذا وقعت عيناك عليها، استقرت فى قلبك إلى الأبد، وتسللت إلى وجدانك، فهى أغنيات مغزولة بالرومانسية، منسوجة بالتجديد، مطرزة بالشدو العذب. لكن لأننا نعيش منذ سنوات زمناً « معيوباً»!، فلم تهتم وسائل الإعلام المختلفة بالألبوم الذى طرح منذ أسابيع بالشكل الذى يتناسب مع عمل جديد لمطرب بحجم «الحجار»، ويتناسب مع مشواره الممتد منذ 40 عاما، وأصالة وقيمة ما يقدمه. فخلال الفترة الماضية لم أجد برنامجا واحدا من برامج « التوك شو» العديدة التى تملأ سماءنا وأرضنا بكل ما هو تافه ومثير للأعصاب، والتى تهرول وراء كل الفرقعات الغنائية الكاذبة، استضافت المطرب، ولم يكلف مذيع نفسه بإجراء حوار دسم معه عن ألبومه الذى قام بإنتاجه على نفقته الخاصة، ومناقشته فيما قدمه، رغم حرص هؤلاء على استضافة أو الحديث عن مغنى «المهرجانات»، ومغنيات البرنو كليب، بحجة أنهم يناقشون الأوضاع المتردية التى وصل إليها الغناء، مع العلم بأنهم لو لم يتحدثوا عن هذه الظواهر لماتت من تلقاء نفسها، لأنها نبت شيطانى ليست له جذور، عموما هذا حال الفن الجميل فى زماننا الحالى لا يجد من يسانده غير قلة قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة، فى الغالب أصواتهم غير عالية!. فى ألبوم «ما تاخدى بالك» يتواصل نهر العطاء الحجارى فياضا عارما، ويحتضن غناؤه الشعب المصرى، ويتفجر صوته حماسا ويشتعل فرحا، وهو يغنى ال «12» أغنية المتنوعة التى تمثل العديد من الألوان الموسيقية والفلكلورية المختلفة، التى اعتمد فى معظمها على جيل جديد من الشباب فى الشعر والألحان، انتقاهم جيدا، بعضهم يتعاون معه لأول مرة، مثل الشاعر سالم الشهبانى الذى كتب أربع أغنيات، والشاعر سامح عبداللطيف، والملحنة الواعدة إسراء ماجد، والملحن منير الجزايرى، ومن جيل الوسط فى التلحين أمجد العطافى، وممدوح صلاح، وفى الشعر المتميز فوزى إبراهيم. «يا لدانة» يبدأ الألبوم بهذه الأغنية وهى من كلمات محمد عبدالقادر وألحان وتوزيع أحمد على الحجار، وكانت أفضل افتتاحية فهى أغنية مبهجة من التراث البورسعيدى اعتمد فيها الملحن والموزع على آلات السمسمية التى قدمها بشكل جميل محسن العشرى، فأعطى الحجار الصغير لأغنيته خصوصية جميلة جدا خاصة فى التوزيع، وكان الشاعر موفقا فى اختيار كلمات تتناسب مع الطبيعة البورسعيدية والجو والبحر، عن حبيب أصابه العشق بحالة هذيان وصبابة جعله غير متأكد من مشاعر حبيبته له، وجاءت كلمات الأغنية جميلة، خاصة فى الكوبليه الذى يقول : «بحر المحبة كان موجه عالى / والدفة ماشية عكس الشراع لا عوضلى سهر الليالى / ولا رجعولى عمرى اللى راح». وجاء ختام الأغنية مفاجأة سعيدة للعاشق حيث كانت الحبيبة تبادله نفس حالة العشق، لهذا اختتم الشاعر هذه الحالة وهو يقول: «من نظرة واحدة أنا جيت مسلم/ والرمش هو إللى سهمه صايب مديت إيديه عشان أسلم / طلع إللى صابنى فى العشق دايب». الملفت فى هذه الأغنية وكل أغنيات الألبوم، أن صوت الحجار مازال عفيا بكامل طاقاته، كما أنه ما زال محافظا على النطق السليم للكلمات وإعطاء الأحرف حقها من الاهتمام والعناية والوضوح عند التلفظ بها متلبسة بالإيقاع واللحن. «جوه حضنى» هذه الأغنية الثانية وهى من كلمات سالم الشهبانى مفاجأة الألبوم، وألحان وتوزيع محمد حمدى روف، وهى أغنية مليئة بالرومانسية والعذوبة والشجن عن حبيب يناجى فى خياله حبيبته التى ابتعدت عنه، ومن بعدها الحياة تجمدت ووقفت فى مكانها، هذا البعد الذى لم يحدده الشاعر هل هو بعد موت، أم بعد فراق؟! لا يهم ، لكنه أشعل مشاعر الحبيب ومن أجمل الجمل الشعرية فى الأغنية « يا حبيبتى الدنيا تشهد إن روحى إنتى وطنها» هذه الجملة الشعرية لا يمكن أن ينطق بها غير صوت الحجار وكأنها كتبت خصيصا له، وذكرتنى بجملته «مطرح ما قلبك ينتفض وطنى»، التى قام بغنائها فى أغنيتة «أنا مش عابر سبيل» لعبدالرحيم منصور، ومحمد الشيخ. «ما تاخدى بالك» هذه الأغنية التى تحمل اسم الألبوم كلمات سامح عبداللطيف، ألحان إسراء ماجد، توزيع إسلام رفعت، كانت مفاجأة لى، فعندما علمت بأنها عنوان الألبوم، «اتخضيت» واعتقدت أن الحجار أصابه اليأس والإحباط وأحب أن يساير موضة الأغنيات التى تتهجم على الحبيب وتسبه، لكننى عندما استمعت إليها شعرت بسعادة بالغة فعنوانها «كاذب أو صادم»، لكن كلماتها جميلة جدا، وتذكرتى برائعة موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب «لا مش أنا اللى أبكى»، وأغنية «أصون كرامتى» لأم كلثوم، هذه النوعية من الأغنيات التى يأخذ فيها الحبيب موقفاً من حبيبته، مهما تكن درجة حبه حتى يحافظ على كرامته، فالحبيب فى هذه الأغنية رجل «حمش» يعتز بكرامته ويصونها ولا يقبل أن تتهجم عليه حبيبته التى تتميز بالأنانية المفرطة والقلب الجامد، و يبدو أنها أحبت أن «تنفض له أو تسخر منه»، اعتقادا منها أنه سيستجيب نظرا لجمالها وسحرها ودلالها، لكنه رفض، وحافظ على كرامته وانتصر للرجل الذى بداخله والرجولة جمعاء، وكانت الملحنة ذكية فى استخدام مقام «البياتى» هذا المقام المحبب داخل بيوتنا، المستخدم فى أغانى الأفراح، والذى أضفى سحرا للأغنية، وكأنها تريد أن تؤكد موقف الحبيب، وكان الشاعر سامح عبداللطيف موفقا جدا وهو يقول فى أحد الكوبليهات : «ما تاخدى بالك من كلامك / إنتى جرح فوق جبينى وقت ضايع من سنينى / لو قتلنى عذاب حنينى عمرى يوم ما أرجعلها بكره أنسى وأحب تانى / قلب طيب مش أناني تبقى روحها هى روحى / فى قلبها ألقى الدفا». «مين فينا مش محتاج» هى الأغنية الرابعة كلمات مصطفى جودة، تلحين منير الجزايرى، توزيع دكتور أشرف محروس، وهى «ديو» بين المطرب والملحن، من نوعية أغانى الراى الشهيرة، لكن لأول مرة نسمع أغنية «راى» مصرية، تشبه أغانى الراى العالمية، وهذا راجع للموزع أشرف محروس، الذى قدم توزيعا حقيقيا للحن منير الجزايرى، وأضاف اللمسة الشرقية من خلال عود إسلام القصبجى أو فوزى اللنجاوى الله أعلم حيث يشترك الاثنان فى العزف، وكانت الكمنجات متميزة جدا فى الأغنية، واعتمد «الملحن» على الجيتار فى كل الأغنية. «هو إنتى معايا على الدنيا» هذه الأغنية هى اللقاء الأول الذى يجمع بين المطرب والشاعر فوزى إبراهيم رغم مشوارهما الطويل فى عالم الغناء، وقام بالتلحين أمجد العطافى، وتولى التوزيع إسلام رفعت، وفيها كتب الشاعر مفردات جديدة ومختلفة عن قاموس المطرب الشعرى وإن كانت تصب فى بحره، فالحبيب هنا يعانى الحرمان العاطفى ويسألها بكل رقة وأدب واستسلام : «هو إنتى معايا على الدنيا / واللا أنتى مع الدنيا عليه ليه قلبك بقى زى الدنيا / يوم ليه وسنة ييجى عليه» «دارى جمالك» هى الأغنية البدوية التى كتبها سالم الشهبانى، ولحنها أحمد حمدى رءوف، ووزعها أحمد شعتوت، ورغم أن جملة «دارى جمالك» استخدمت فى الأغنية المصرية أكثر من مرة من قبل أهمها أغنية محرم فؤاد «دارى جمالك»، لكن الشهبانى كتب مفردات مختلفة وجديدة ومن وحى البادية، وهى أغنية غزل من الحبيب لملامح حبيبته، أهم ما يميزها اللحن الجميل «لأحمد حمدى رءوف» الذى استخدمه من مقام «الصبا»، أما الكوبليهات فجاءت من مقام «البياتى»، وكان رءوف ذكيا لاستخدامه طريقة « الكف»، وهى طريقة فى الغناء البدوى، وأبرزها باستخدام آلة «الميجوز» التى تعتبر آلة «بدوية» بامتياز، وكان توزيع أحمد شعتوت موفقا جدا حيث جعل الآلآت الشرقية مثل «الطبلة والرق والدفوف» يقولون تفعيلة، و«الدرامز والبيز» يقولون تفعيلية «راكبين على بعض» وهو ما يطلق عليه «المقسوم السريع». «مش ح خش النار عشانك» هذه هى الأغنية الثانية التى تعاون فيها المطرب مع الشاعر فوزى إبراهيم، ولحنها محمد النادى، ووزعها أحمد شعتوت، وجمعت ما بين خفة دم كلماتها ورومانسيتها الشديدة، رغم حالة العتب بين الحبيبين، وإن كنت أتمنى أن تبدأ بحلفان المطرب مثلا فيقول «والله والله» وبعدها يبدأ الأغنية التى تبدأ بجملة «أيوه باحلف باللى خلقك حتة منى». الأغنية تتحدث عن عدم تصديق الحبيبة لمشاعر الحبيب الذى يحلف لها بأنها حبه الأول والأخير، وأنه لا يعرف الفرح إلا معاها، ولم يخنها يوما كما تعتقد، وكان النادى موفقا فى توظيفه ل «المانير»، وأيضا فى نقلة مقام «العجم» الصغيرة فى جملة «لا ينادينى ولا يداوينى غير حنانك»، وهو مقام متعارف عليه يجمع بين الشرق والغرب، ويستخدم كثيراً من الأحيان فى غناء الكنائس، وقدم شريف فهمى مجموعة من صولوهات الجيتار بشكل متميز وجميل جدا، ومن أجمل كوبليهات الأغنية الكوبليه الذى يقول: فيكى حاجة مكملانى / صعب تبقى ف حد تانى فيكى راحة مخليانى / باعشقك وأعشق أمانك فين ما أروح بترجعينى / وألقى صوتك بينادينى تحلف الأشواق فى عينى / إن قلبى فى يوم ما خانك» «عيشة الحنية» هذه الأغنية شرقى كلاسيك، من مقام «النهاوند»، كتب كلماتها عاصم حسين، تلحين هيثم توفيق، وتوزيع مادو، وفيها يصادف الحب الحقيقى قلب الحبيب بسبب عيون جريئة وعسلية، فيودع حياته الجافة كالصحراء الجرداء، ويودع أيضا الأحزان، ورغم شرقية الأغنية لكن تشعر بأنها أغنية خارجة من دار الأوبرا الغربية، وفيها تناص مع جملة أغنية الموسيقار محمد عبدالوهاب «محلاها عيشة الحرية»، واستطاع «مادو» أن يضع الأغنية فى الإطار المناسب، وكان موفقا فى توظيفه الآلات فكان دخول الساكس فون لنور عاشور متميزا جدا، وكذلك جيتار شريف فهمى، وإيقاع أحمد بدير، أما وتريات الدكتور مدحت عبدالسميع، فحدث ولا حرج. «ماليش فى العند» أغنية لحنها والإستيل الخاص بها من مقام العجم ويذكرنا بأغنية على الحجار القديمة « ولد وبنت» وقد كتب كلماتها برشاقة محمد القصاص. «ماليش فى العند .... ماليش فى الصد ماليش فى البعد ...... ماليش باعيش الحب .....بنبض القلب وغير القلب ماليش». «جايلك» كلمات سالم الشهبانى، وهى من أرق وأعذب أغنيات الألبوم، وأجمل ما فيها أنك بعيدا عن كونها أغنية عاطفية، يمكن أن تحملها عدة دلالات، فالحبيبة هنا يجوز تكون «مصر» التى يلجأ إليها كل تعبان وجريح، ويمكن اعتبارها «الأم» التى لا يجد الإنسان وقت الضيق غير حضنها، استغل ملحن وموزع الأغنية أحمد حمدى رءوف، كبر مساحة الصوت عند الحجار، وقدم له لحنا من الصعب مطرب آخر يؤديه، وأجمل ما فى اللحن والتوزيع فكرة البساطة، والتوافق الهارمونى، «جبلى» أغنية صعيدية «تكنو»، كتب كلماتها بجمال الشاعر المتميز فى هذا اللون تحديدا محمد العسيرى، الذى أمتعنا من قبل بعدة أغنيات جميلة آخرها للمطرب أسامة الشريف، ولحنها ممدوح صلاح، ووزعها مادو، وفى هذه الأغنية أهدانا الحجار هدية جميلة بتقديمه للست «جمالات شيحة» التى شاركته غناء الأغنية التى غلب عليها مقام البياتى، وقد دمج الملحن بذكاء الإيقاعات الصعيدية، مع «الإلكترو»، ووظف الموزع «مادو» المزمار الصعيدى، مع الأرغول بمهارة شديدة. «لسه الشتا» وختامه مسك لابد أن تنطق بهذه الجملة بعد استماعك إلى هذه الأغنية، المليئة بالثراء والتنوع اللحنى التى استخدم فيها الموسيقار أحمد الحجار أكثر من مقام منها النهاوند، والبياتى، ورغم صعوبتها فإن المطرب المخضرم أداها بسلاسة ونعومة، ولم يشعرنا بصعوبتها، وجاءت كلمات ومفردات سالم الشهبانى وكأنها جزء مكمل لأغنية «لما الشتا يدق البيبان» التى كتبها فى الماضى الموهوب جدا إبراهيم عبدالفتاح، ولا أدرى لماذا لم يلجأ إليه الحجار لكتابة الجزء الثانى، الذى كتبه بمهارة الشهبانى؟!، ويعتبر الموزع «مادو» الأغنية من أصعب ما وزعه فى مشواره حتى الآن. الكوبليه الأخير صوت الحجار وحده قادر على إسباغ هالة من العذوبة والسحر والجمال والطرب على أى كلمات وألحان يغنيها، فكل ما يلمسه صوته يصير ذهباً، فغناؤه يسكن الروح، ورغم غزارة ما قدمه، لايرسو على شاطئ، ومازال قادرا على إدهاشنا وإمتاعنا، ومازال قادرا على التجريب، وتقديم أشكال وألوان موسيقية جديدة، مختلفة عن ما قدمه من قبل، فى الوقت الذى يخشى كثير من المطربين هذا.