وزيرة الهجرة: «اكتشف مصر» وسيلة لربط الأجيال الجديدة بالخارج وبين بلدهم    النواب يبدأ مناقشة قانون بربط حساب ختامي الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2022/ 2023    محافظ أسيوط: التدريب العملي يُصقل مهارات الطلاب ويؤهلهم لسوق العمل    رئيس النواب: التزام المرافق العامة بشأن المنشآت الصحية لا يحتاج مشروع قانون    «اقتصاديات الصحة».. مجال أكاديمي جديد لإنجاح منظومة «التأمين الصحى الشامل»    رانيا المشاط: البنوك الاوروبية تستثمر في مصر 12.9 مليار دولار    تراجع مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة الإثنين    لليوم ال20.. «البترول» تواصل تسجيل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر مايو 2024    فيفا يعلن إيقاف قيد جديد للزمالك 3 فترات بسبب مستحقات أحد مساعدى البرتغالي فيريرا.. والنادى يرد: سيتم حل الأزمة في أسرع وقت    من هو «محمد مخبر» المُكلف بمهام الرئيس الإيرانى؟    إيطاليا تقدم تعازيها لإيران فى وفاة رئيسها إبراهيم رئيسى    جراحة ناجحة لمعلول في وتر أكيلس.. ويبدأ التأهيل بعد أسبوعين    مصر تواجه بوروندي في بطولة أمم أفريقيا للساق الواحدة    طلاب الشهادة الإعدادية بالقليوبية يعبرون عن فرحتهم بسهولة امتحان اللغة الإنجليزية    دافع عن نفسه.. مصرع عامل بطلقات نارية على يد مدمن فى قنا    المشدد 5 سنوات لعامل بالشرقية لاتهامه بخطف طالبة وهتك عرضها    بعد قليل.. محاكمة طبيب نساء شهير لاتهامه بإجراء عمليات إجهاض بالجيزة    ضبط 82 مخالفة في المخابز والأسواق بمحافظة الدقهلية    ضبطهم الأمن العام.. كواليس جريمة التنقيب عن الذهب بأسوان    مهرجان المسرح المصري يفتح باب المشاركة في مسابقة العروض المسرحية بدورته ال17    فيلم شقو يحصد 291 ألف جنيه إيرادات في ليلة أمس الأحد    فتح باب التقدم لبرنامج "لوريال - اليونسكو "من أجل المرأة فى العلم"    عمر الشناوي: فخور بالعمل في مسلسل "الاختيار" وهذه علاقتي بالسوشيال ميديا    محمد ثروت يوجه رسالة رثاء ل سمير غانم في ذكرى وفاته    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    محافظ كفر الشيخ: تقديم خدمات طبية ل 1528 مواطنا قافلة طبية مجانية بقلين    مجلس النواب يوافق نهائيًّا على مشروع قانون المنشآت الصحية -تفاصيل    موجة الحر.. اعرف العلامات الشائعة لضربة الشمس وطرق الوقاية منها    ضبط 6 أشخاص سرقوا مبلغ مالى من داخل سيارة وخزينة اموال في الجيزة    حسين لبيب: الزمالك معتاد على البطولات.. ونسعى لإعادة العلاقات الطيبة مع المنافسين    وزير الري أمام المنتدى المياه بإندونيسيا: مصر تواجه عجزًا مائيًّا يبلغ 55% من احتياجاتها    22 مايو.. المؤتمر السنوي الثالث لطلاب الدراسات العليا فى مجال العلوم التطبيقية ببنها    باحثة سياسية: مصر تلعب دورا تاريخيا تجاه القضية الفلسطينية    أسرته أحيت الذكرى الثالثة.. ماذا قال سمير غانم عن الموت وسبب خلافه مع جورج؟(صور)    لمواليد برج العقرب والسرطان والحوت.. الأبراج المائية على الصعيد المالي والوظيفي    من هو وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان الذي توفي مع الرئيس الإيراني؟    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة "الحلول الابتكارية"    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    معرض لتوزيع الملابس الجديدة مجانًا بقرى يوسف الصديق بالفيوم    قائمة البرازيل - استدعاء 3 لاعبين جدد.. واستبدال إيدرسون    عاجل.. كواليس اجتماع تشافي ولابورتا| هل يتم إقالة زرقاء اليمامة؟    ماذا يتناول مرضى ضغط الدم المرتفع من أطعمة خلال الموجة الحارة؟    تشاهدون اليوم.. بولونيا يستضيف يوفنتوس والمصري يواجه إنبى    تداول 146 ألف طن بضائع استراتيجية بميناء الإسكندرية    «الرعاية الصحية» تعلن حصول مستشفى الرمد ببورسعيد على الاعتراف الدولي    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الإثنين    الأسد: عملنا مع الرئيس الإيراني الراحل لتبقى العلاقات السورية والإيرانية مزدهرة    السوداني يؤكد تضامن العراق مع إيران بوفاة رئيسها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-5-2024    أول صورة لحطام مروحية الرئيس الإيراني    خلال أيام.. موعد إعلان نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني (الرابط والخطوات)    تركيا: مسيرة «أكينجي» رصدت مصدر حرارة يعتقد أنه حطام مروحية رئيسي    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    إجراءات قانونية تجاه 6 من لاعبي نادي الزمالك لإلقاء شماريخ على مدرجات الجماهير    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    استقبال حافل ل حسين لبيب فور وصوله إلى نادي الزمالك (فيديو وصور)    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



« نهاية الاطلنطيس».. كتاب جديد تتحدث عنه موسكو
لو كان بوتين مكان جورباتشوف لما سقط الإتحاد السوفيتى
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 03 - 2018

• أسباب الانهيار ثلاثة.. الاقتصاد ومؤامرات الخارج وصراعات النخبة
فيما تحتدم المناظرات التليفزيونية بين مرشحى الرئاسة الروسية استعدادا للانتخابات المرتقبة فى 18 مارس الجارى، وتشخص الأنظار نحو فلاديمير بوتين بوصفه الشخصية الأوفر حظا للفوز فى هذه الانتخابات، صدر فى موسكو كتاب جديد ثمة من وصفه بأنه محاولة جادة لاستعراض الفرق بين الزعيمين السوفيتى ميخائيل جورباتشوف، والروسى فلاديمير بوتين، بينما اعتبره آخرون «مساهمة» فى حملات دعم بوتين والترويج لانجازاته قبيل الانتخابات الرئاسية.
مؤلف الكتاب هو ألكسندر خينشتين الإعلامى والبرلمانى المعروف الذى اختار له عنوان «نهاية الأطلنطيس» . لماذا لن يكون بوتين تكرارا لجورباتشوف؟، وهو عنوان مركب يتضمن بين طياته الكثير من الإيحاءات والفرضيات، ومنها الإشارة إلى قارة أطلنطيس الافتراضية المفقودة التى حكمت العالم وتطرقت إليها أحاديث أفلاطون فى الأساطير اليونانية القديمة، وكذلك المقارنة المباشرة بين الزعيمين السوفيتى ميخائيل جورباتشوف، والروسى فلاديمير بوتين.
ما يهمنا هنا هو المضمون الرئيسى للكتاب الذى صدر عن دار نشر «أولما ميديا جروب»- 2018» فى 624 صفحة من القطع المتوسط، ويتمحور بالدرجة الأولى حول الأسباب الحقيقية لانهيار الاتحاد السوفيتي، وصحة ما يقال حول انه كان من الممكن إنقاذ هذه الإمبراطورية المترامية الأطراف، المتعددة القوميات لو كان بوتين فى موقع جورباتشوف، وقد استهل خينشتين كتابه باستعراض آخر مشاهد أفول الإمبراطورية السوفيتية فى 25 ديسمبر 1991. قال إن هذا الحدث المأساوى الذى وصفه بوتين بأنه «أكبر الكوارث الجيوسياسية فى القرن العشرين»، لم يلق فى حينه الاهتمام اللازم من جانب أبناء هذه الإمبراطورية التى فقدت فيها روسيا ما يقرب من ربع مساحة أراضيها، فى إشارة الى منطقة الدونباس فى أوكرانيا والتى تشهد اليوم صراعا مسلحا بين سكان هذه المنطقة التى تضم دونيتسك ولوجانسك مع السلطة المركزية فى كييف عاصمة أوكرانيا، وكذلك سيبيريا الجنوبية وبرارى منطقة اهرنبورج أى منطقة المآتا والأستانة التى تتبع اليوم جمهورية قزخستان، وكذلك شبه جزيرة القرم التى لم تكن يوما تابعة لأوكرانيا قبل ان يقرر الزعيم السوفيتى الأسبق نيكيتا خروشوف إهداءها إلى أوكرانيا فى عام 1954 ، وأعلن بوتين عن انضمامها الى روسيا بموجب نتائج استفتاء 2014. ومضى خينشتين ليعرب عما يراوده من شكوك تجاه أحقية الكثير من بلدان الاتحاد السوفيتى السابق فى حدودها الحالية كدول مستقلة، ومنها بيلاروس وأذربيجان وأوزبكستان وتاجيكستان .

ورغم اعتراف الكثيرين بحقيقة ما سبق ودبرته الأوساط الغربية من مخططات ضد الاتحاد السوفيتى، فإن هناك آخرين ومنهم خينشتين، ممن يؤكدون عدم صحة ما يقال حول «الحتمية التاريخية لانهياره». وأورد المؤلف بالأرقام والوثائق ما يدحض هذه «الحتمية». واستشهد ضمنا بما قاله جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق حول «انه لم يكن هناك من توقع انهيار الاتحاد السوفيتى على مثل هذا النحو العاصف». وأعاد إلى الأذهان الاستفتاء الذى جرى فى مارس 1991 اى قبل المحاولة الانقلابية الفاشلة فى أغسطس من نفس العام، وكانت نتيجته موافقة 76% من المشاركين فيه على بقاء الاتحاد السوفيتى دولة موحدة، ولا سيما فى جمهوريات آسيا الوسطى وبيلاروس وأوكرانيا وأذربيجان. وقارن المؤلف الأوضاع فى كل من الصين والاتحاد السوفيتى لدى بدء الإصلاحات السياسية والاقتصادية فى كل من البلدين فى عام 1985، ليخلص إلى النتيجة التى تقول إنه كان من الممكن أن تتحقق هذه الإصلاحات دون سقوط الدولة. وأضاف أن الفارق الوحيد يتمثل فى انه كان هناك فى الصين دين سياو بين، على غير الحال فى الاتحاد السوفيتى الذى كان يحكمه ميخائيل جورباتشوف. ومضى ليقول إن روسيا وعلى مدى تاريخها الطويل واجهت الكثير من المحن والصعاب، بل والهزائم المهينة، مثل تعرضها للهزيمة فى 38 من الحروب التى خاضتها ومنها الحرب العالمية الأولى وما انتهت إليه من توقيع «صلح بريست» فى أعقاب ثورة 1917، والذى تخلت الإمبراطورية الروسية بموجبه عن الكثير من أراضيها بما فيها شرق بولندا وبلدان البلطيق وفنلندا، ومع ذلك فقد تجاوزت الهزائم لتعود أقوى مما كانت عليه.
وأوجز الكسندر خينشتين التفسيرات الرئيسية لانهيار الاتحاد السوفيتى فى ثلاثة تفسيرات، أولها أن الإمبراطورية لم تكن تملك الاقتصاد القوى، فى الوقت الذى اعتمدت فيه بالدرجة الأولى على ما تملكه من موارد للطاقة والمعادن، والتى أسفر انهيار أسعارها عن تراجع هائل فى قدرات الدولة، جاء مواكبا لتعثر سياساتها القومية، أما التفسير الثانى فيتلخص فى أن الدولة انهارت تحت ضغط القوى الخارجية التى حققت ما ترومه على خلفية ما وصفه ب»خيانة الزمرة القيادية فى الكرملين»، فيما عزا التفسير الثالث إلى الخلافات والصراعات التى احتدمت بين جورباتشوف ويلتسين.
ومضى خينشتين ليقول إن لكل من هذه التفسيرات وجاهته ومنطقيته، سواء فيما يتعلق بالاقتصاد الضعيف واعتماد الدولة على مواردها الخام التى انهارت أسعارها، أو الحرب غير المعلنة التى شنتها الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفيتي، أو الصراع على السلطة بين جورباتشوف ويلتسين، وإن خلص إلى أن أيا من هذه التفسيرات بمفرده، لم يكن ليكون مبررا لما انتهى إليه الاتحاد السوفيتى من نتائج مريرة.
وهنا يمكن التوقف عند المقارنة المباشرة بين ما كان يمكن أن يكون الحال عليه بالنسبة لمستقبل الاتحاد السوفيتى لو افترضنا جدلا تبادل المواقع بين جورباتشوف وبوتين لدى تسلم كل منهم مقاليد السلطة فى البلاد. الأول حين جاء إلى قمة السلطة الحزبية والسياسية فى الكرملين عام 1985 ، والثانى مع توليه لسدة الحكم فى الكرملين مع مطلع القرن الحادى والعشرين. ولننظر سويا إلى ما فعله جورباتشوف بالاتحاد السوفييتى خلال ست سنوات ومنذ أعلن عن سياسات «البيريسترويكا والجلاسنوست»، على وقع تأييد شعبى واسع النطاق رفع جورباتشوف إلى مصاف الزعماء التاريخيين، وما فعله نظيره الروسى بوتين خلال فترة مماثلة بدأها فى عام 2000 ، فى توقيت فقدت فيه الملايين من أبناء الدولة الروسية الأمل فى حياة كريمة ، بينما كانت تتهدد الدولة المخططات الغربية التى كانت تستهدف سيادتها ووحدة أراضيها. أما عن النتائج فليست بعيدة عن الأذهان، حيث سرعان ما تراجعت مواقع الدولة العظمي، لينتهى الحال بها إلى انفراط عقدها والاختفاء من خريطة العالم وحساباته، فى الوقت الذى عاد فيه نجم الدولة الروسية إلى البزوغ مجددا مع أولى سنوات حكم بوتين الذى استطاع خلال سنوات قلائل لملمة شمل الدولة ، بعد أن نجح فى القضاء على الحركات الانفصالية، مستعيدا اليد العليا فى مواجهته مع أقطاب المال والأعمال من ممثلى الاوليجاركيا الذين كانوا استولوا على كل ثروات البلاد ومعها آليات السلطات التنفيذية والتشريعية، بل وأيضا السلطة القضائية التى نجحوا فى التسلل إلى صفوفها. وقد استطاع الكاتب مستشهدا بالوثائق والحقائق والأرقام، وشهادات «شاهدى العيان» ومنها التى تظهر لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتى السابق تأكيد أنه لو كان بوتين فى موقع جورباتشوف آنذاك، لكان التاريخ تحول الى مجرى آخر بعيدا عن مسلسل ضياع الدولة.
ولم يغفل الكاتب وبطبيعة الحال التوقف طويلا عند الحالة التى كان عليها الاتحاد السوفيتى يوم تسلمها جورباتشوف، ومقارنتها بما آلت إليه روسيا من مهانة وانحطاط، وضياع للإرادة، وارتماء فى أحضان الغرب خصما من مواقع روسيا على خريطة السياسة الدولية، وفى هذا الصدد توقف الكاتب عند واحد من أهم القرارات التى اتخذها بوتين آنذاك وهو قرار استعادة « السلطة المركزية»، بديلا لما كانت تسمى ب »السلطة الأفقية» التى استطاع حكام الأقاليم والجمهوريات الروسية بموجبها «انتزاع سلطات الكرملين»، والانفراد بإدارة هذه المقاطعات والأقاليم خصما من الشرعية المركزية.
وهنا يمكن التوقف عند ما يعرفه العالم تحت اسم «دور الفرد فى التاريخ». وذلك تحديدا ما يتناوله الكاتب فى مؤلفه المهم، حين أشار الى ان ظاهرة «دور الفرد فى التاريخ» ليست مقصورة على بلد بعينه، ففى روسيا كان هناك بطرس الأعظم، والإمبراطورة يكاتيرينا الثانية، ونيكولاى الثانى، وفى ألمانيا كان بيسمارك، وفى ايطاليا كان غاريبالدى ، وفى الولايات المتحدة كان روزفلت، وغيرهم كثيرون. وعزا الكاتب الكثير من عثرات الإمبراطورية الروسية إلى ضعف حكامها، ليتوقف بالكثير من التفصيل عند ميخائيل جورباتشوف.
قال إن ذروة المأساة قد تتلخص فيما قاله جورباتشوف فى معرض مذكراته التى نشرها تحت عنوان «عند أطلال المعبد» ، حول أن «أهم أهداف حياته تمثل فى القضاء على الشيوعية». وذلك نفس ما قاله أناتولى تشوبايس مهندس الخصخصة إبان سنوات حكم الرئيس الأسبق بوريس يلتسين حول أن ما فعله طوال تسعينات القرن الماضى على صعيد بيع مقدرات الاتحاد السوفيتى لم يكن يستهدف به سوى «تدمير الشيوعية». وكان جورباتشوف عاد ليؤكد ذلك صراحة فى أكثر من مناسبة وحديث، ومنها مؤتمره الصحفى الذى عقده فى ابريل 1995، وكذلك أحد أحاديثه التليفزيونية فى ربيع 2003، حول انه «كان يعلم أن الأمور فى الاتحاد السوفيتى لم تكن لتنتهى عند الإصلاحات الشكلية، وانه لو كان أفصح صراحة عن هدفه الأساسي، لكان أطيح به على الفور». ولعل ذلك يمكن أن يفسر اختياره للقيادات التى جاء بها لتنفيذ سياساته وهو ما أشرنا إليه بالكثير من التفاصيل فى كتابنا الصادر فى القاهرة تحت عنوان «بوتين صراع الثروة والسلطة» عن دار نشر «نهضة مصر» فى 2015.
وفى هذا الصدد أورد مؤلف الكتاب الكثير من الأرقام فى إطار تأكيده لمدى الخراب الذى ألحقه جورباتشوف بالاتحاد السوفيتى . قال إنه تسلم الاتحاد السوفيتى فى توقيت كان فيه اقتصاده وصناعاته فى طور النهوض رغما عن التبعات السلبية لانخفاض أسعار النفط وأعباء التدخل السوفيتى فى أفغانستان. وأشار إلى أن جورباتشوف غادر منصبه بعد أن تدهورت الأحوال الاقتصادية للدولة السوفيتية إلى الحد الذى بلغت فيه نسبة التضخم 160%، وتزايد فيه حجم الدين العام من 17 مليار دولار حتى 96٫6 مليار دولار فى عام 1991، فيما ارتفع هذا الرقم مع نهاية التسعينات حتى 145٫8مليار دولار، بينما تراجع حجم احتياطه من الذهب بثلاثة أضعاف فى عام 1991. ومن اللافت فى هذا الصدد أن ما حصل عليه جورباتشوف من قروض لم يكن ليتحقق دون الكثير من الجهد والجولات المضنية التى بلغت حد «التسول» من بلدان العالم الثالث لاستجداء بضعة ملايين لا تتعدى عشرة أو عشرين مليون دولار.
وأشار الكاتب إلى جولات موفدى جورباتشوف ومنهم يفجينى بريماكوف رئيس الحكومة الروسية الأسبق ، الذى قام بزيارة الكويت، فيما توجه آخرون إلى عُمان والمملكة العربية السعودية وليبيا. ومضى المؤلف ليشير إلى تفشى ظواهر الجريمة لاسيما الجريمة المنظمة، واشتعال الصراعات العرقية والحركات الانفصالية، وما أسفر عن ذلك من ضحايا بشرية يقدر عددها بعشرات الألوف وخسائر مادية، والتنازل عن مواقع الدولة ومكتسباتها فى شرق أوروبا وبلدان العالم الثالث، وحل حلف وارسو دون أى التزام من جانب الناتو، وهو ما كان اعترف به صراحة حين أشار إلى «خطأ» الاكتفاء بوعد شفهى من جانب قيادات الناتو بعدم التقدم بعيدا عن حدوده التى كان عليها حتى لحظة وحدة الألمانيتين فى اتجاه حدود الاتحاد السوفيتى السابق. ولم تقتصر الخسائر عند هذا الحد، حيث فقدت روسيا نسبة 24% من أراضيها التى طالما كانت تابعة لها منذ القرن السابع عشر كما اشرنا سلفا.
على أن خينشتين ورغما عن ذلك، لم يغفل وبطبيعة الحال ، ما أعتبره الكثيرون فى عداد الايجابيات ومنها إطلاق الحريات، واندثار ظواهر الشمولية وسياسات القمع الفكري، والتحول إلى اقتصاد السوق، بما أسهم وإلى حد كبير فى لحاق روسيا بركب الحضارة. لكنه سرعان ما عاد مجددا إلى تأكيد أن ما تحقق من إيجابيات على صعيد الحريات، لم يكن ليستوجب كل ما أقدم عليه جورباتشوف من تنازلات، وقال إن كل ذلك، كان من الممكن أن يتحقق دون تنازلات أو خسائر، لو كان يُمسك بدفة السلطة آنذاك أناس من نوعية دين سياو بين، أو فلاديمير بوتين، مستشهدا بما جرى فى الصين التى استعادت سيطرتها على تايوان وهونج كونج، فضلا عن 600 جزيرة روسية ومنها جزيرة دامانسكى الأسطورية، التى سبق وأُرِيقت على أراضيها دماء كثيرة» فى عام 1968 فى غِمار المواجهة الدموية بين الاتحاد السوفييتى والصين.
هل كان جورباتشوف الرجل المناسب فى الوقت المناسب ؟
سؤال يتقافز على شفاه الملايين من المتابعين للشأن الروسي، يتضمن فى طياته الإجابة التى كشف عنها خينشتين فى كتابه الذى يقول فيه بمسئولية ميخائيل جورباتشوف تجاه الكثير من الكوارث التى لحقت بروسيا وأهمها انهيار الاتحاد السوفيتى، وهو ما يتسق أيضا مع ما قاله بوتين حول أن هذه الكارثة هى «أكبر كوارث القرن العشرين». وحول هذا الحكم، يستهل المؤلف الفصل الثالث من كتابه بمقولة الفيلسوف الصينى الشهير لاو تسزى «إننا لن نستطيع أبدا تغيير اتجاه الريح، لكننا نستطيع وفى مقدورنا، ان نضع فى طريقها ما نريده من أشرعة».
ومن هذا المنطلق شرع المؤلف فى تعداد ما كان يمكن أن يفعله بوتين، لو كان فى موقع جورباتشوف، استشهد بما اتخذه من خطوات خلال سنوات فترة ولايته الأولي. وكان بوتين وفى إطار ما حدده من أولويات، انطلق على نحو تدريجى نحو تنفيذ رؤيته تجاه ما يراه من إصلاحات اقتصادية، ومنها الإصلاحات الضريبية، والتحول إلى فرض سيطرة الدولة على قطاعات الطاقة، ومواجهة مشكلة تزايد الدين الخارجى، مستفيدا من ارتفاع الأسعار العالمية للنفط والغاز، ليتحول لاحقا إلى النظر فى أمر الإصلاحات السياسية التى بدأها بتسوية علاقات الدولة مع ممثلى الاوليجاركيا ممن كانوا ولا يزالون يمتلكون الكثير من مقدرات وثروات الوطن، على ضوء ما تحقق من انجازات على طريق استعادة الدولة لسلطاتها الفيدرالية خصما من رصيد سلطات حكام الأقاليم التى كانوا «انتزعوها» قسرا، مستفيدين فى ذلك من ضعف الكرملين إبان حكم يلتسين، واضطراره إلى «خطب ودهم» من خلال جملته الشهيرة التى أطلقها فى أوج صراعه مع جورباتشوف «خذوا من الاستقلال ما تستطيعون ان تبتلعوه».
قال خينشتين إن بوتين لم يكن ليرتكب الخطأ الشهير الذى ارتكبه جورباتشوف فى بداية سنوات حكمه حول فرض الحظر على تناول الخمور التى كانت تدر على الدولة ما يقرب من 20% من الدخل القومى، ما ساهم فى خلق السوق السوداء وانتعاش نشاط الجريمة المنظمة، إلى جانب ما ارتكبه من أخطاء أخرى كثيرة على صعيد الإصلاحات الاقتصادية. ومضى المؤلف ليستعرض بعضا مما حققه دين سياو بين فى الصين التى ضاعفت دخلها القومى بمقدار ستة أضعاف خلال سنوات الإصلاح، فى نفس الوقت الذى أشار فيه إلى أخطاء، إن لم تكن «خطايا» جورباتشوف الذى كان أكثر اهتماما بأضواء الخارج، وتقريظ نظرائه من الزعماء الغربيين الذين وجدوا فيه ضالتهم، وعلى رأسهم مارجريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية التى تنسب لنفسها حق «اكتشافه». واستشهد خينشتين بالعديد من القيادات الغربية التى استطاعت رصد ما يتمتع به من ضعف وعجز جورباتشوف ورفيقه ادوارد شيفارنادزه الذى جاء به من جورجيا وكان وزيرا لداخليتها قبل أن يتزعم حزبها الشيوعي، ليشغل موقع عميد الدبلوماسية العالمية اندريه جروميكو، وهو ما أثار الكثير من الدهشة فى حينه لدى الأوساط الدبلوماسية المحلية والعالمية. وفى هذا الشأن نقل عن جورج شولتز وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق قوله:» لكم أصابنى الذهول تجاه ما يتمتع به جورباتشوف وشيفاردنادزة من عدم خبرة ونقص فى المعلومات».
ولعل ما قاله شولتز يتسق مع الكثير من «الأخطاء» القاتلة التى ارتكبها جورباتشوف فى خضم «صراعه» مع غريمه بوريس يلتسين بما يجعلهما من الأسباب الرئيسية لانفراط عقد الاتحاد السوفييتي، ويذكر الكثيرون فوز يلتسين برئاسة روسيا الاتحادية وما سبق ذلك من إعلانه لقرار «إعلان السيادة» اى «الاستقلال» فى 12 يونيو 1990 ، وهو ما جعل الملايين داخل روسيا وخارجها تتساءل عن من تستقل روسيا ، وهى التى تعتبر أساس الاتحاد السوفيتى؟. ويذكر المراقبون أيضا «انتزاع» يلتسين لسلطات رئيس الاتحاد السوفيتى «وانفراده» بإصدار القرارات «الفيدرالية» وإعلان نفسه قائدا أعلى للقوات المسلحة فى أعقاب فشل «انقلاب أغسطس 1991»، بحجة غياب جورباتشوف «خلال فترة «حصاره» من جانب مدبرى الانقلاب فى منتجع «فوروس» بشبه جزيرة القرم ، ما أثار حفيظة رؤساء بقية بلدان الاتحاد السوفيتى ودفعهم إلى إعلان استقلال جمهورياتهم تباعا، احتجاجا من جانبهم على تصرفات يلتسين ، وما أسفر لاحقا عن انهيار الاتحاد السوفييتى فى نهاية العام.
وفى هذا الصدد يشير الكاتب إلى عدد من النزاعات التى اشتعلت فى مختلف أرجاء الجمهوريات ذات التنوع العرقي، بوصفها إحدى حلقات السقوط ، حيث كانت الوقود الذى يغذى توجهات الانفصال والخروج من الاتحاد السوفيتى وهو ما شهدته جورجيا التى كانت أول من أعلن العصيان المدنى فى ابريل 1989، وما أعقبه من جنوح عدد من الجمهوريات الأخرى صوب الاستقلال، وما تلا ذلك من صدامات بلغت حد المواجهة المسلحة مثلما حدث بين أرمينيا وأذربيجان حول مقاطعة قره باغ، ومن صراعات ساهمت فى التعجيل بانهيار الاتحاد السوفيتى.
وقد خلص المؤلف فى كتابه إلى انه «لو كان بوتين وليس جورباتشوف، هو الزعيم الجديد للاتحاد السوفييتي فى مارس 1985، لكان للتاريخ رأى آخر ، ولسارت رياحه فى اتجاه مغاير».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.