لا يعرف أكثرنا أن عدد اللغات المنطوق بها فى العالم يصل إلى نحو سبع آلاف لغة. الرقم كبير ومدهش. ولكنه حقيقى يثبته عالم اللغات الفرنسى الكبير لويس جان كالفى فى كتابه المثير للجدل الذى ترجمته «مؤسسة الفكر العربي» ونشرته تحت عنوان (أوزان اللغات فى العالم وموقع اللغة العربية). يُحلل كالفى اللغات من حيث أهميتها وتأثيرها فى ظل العولمة التى رفعت قيمة بعضها، وخفضت قيمة أكثرها. ويشعر من يقرأ تحليله لأوزان اللغات أنه دخل إلى «بورصة» من نوع مختلف حيث يعتمد على مقياس مركب يشمل عدد المتكلمين باللغة بوصفها لغة أولى أو «لغة أما»، وعدد البلدان التى تكون اللغة فيها رسمية، ومعدلات الكتب المترجمة من اللغة وإليها، والموقع الذى تحتله على شبكة «الانترنت»، والوزن الاقتصادى للبلدان التى تتكلم اللغة. ووفق هذا المقياس، يشتد التفاوت بين اللغات. وينطوى هذا التفاوت على احتكار على النحو الذى يحدث فى الاقتصاد، بل قد يكون أشد حيث تحتكر 5% من اللغات نحو 94% من «السوق» أو سكان العالم، أى أن 6% فقط من البشر يتداولون 95% من اللغات. ومثلما تخسر شركات وتُفلس فى السوق الاقتصادية، تنقرض لغات تكون حية اليوم ثم تموت غداً عندما يتوقف استخدامها وسيلة للاتصال. ويوضح آخر تقرير صادر عن منظمة اليونسكو الدولية أن نصف اللغات المحلية التى لاتزال حية مهددة بالانقراض أو الموت، بل يرصد اندثار لغة كل أسبوعين، أى موت 25 لغة سنوياً. وهذا رقم صادم آخر، وليس مدهشاً فقط، وخاصة عندما نعرف أن لغات محلية فى أوروبا نفسها مُهدَّدة بسبب زحف اللغة الإنجليزية، مثل اللغة البروتونية فى فرنسا، وبعض اللغات المحلية فى إسبانيا وبلجيكا. وكثيرة هى القضايا التى يثيرها كتاب كالفى وتستدعى التفكير والتأمل، ولكن فيما يتعلق باللغة العربية، يدفعنا الكتاب إلى التفكير فى مصير الفصحى التى يُفترض أنها تجمع العرب، فى الوقت الذى يقل استخدامها ويطغى عليها ما نسميه لهجات عامية بينمت يرى كالفى أنها لغات محلية لم يعد استخدامها مقصوراً على الكلام، بل يمتد إلى الكتابة فى عدد متزايد من الصحف، وبعض الكتابات الأدبية أو ما يشبهها, الأمر الذى ينذر بخطر جسيم على الفصحى الجامعة للعرب. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد