حكمت المحكمة الدستورية العليا أمس برئاسة المستشار حنفى على جبالى النائب الأول لرئيس المحكمة، فى دعوى التنازع التى تتعلق بترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية بعدم الاعتداد بكل من الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى والمؤيد بالحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا، والقاضى ببطلان الاتفاقية، والحكم الصادر من محكمة مستعجل، المؤيد بالحكم الصادر من محكمة جنوبالقاهرة فى الاستئناف، مستأنف تنفيذ موضوعى جنوبالقاهرة». وأقامت المحكمة حكمها تأسيسًا على أن العبرة فى تحديد التوصيف القانونى لأى عمل تجريه السلطة التنفيذية، لمعرفة ما إذا كان من أعمال السيادة أم لا، فإذا تعلق العمل بعلاقات سياسية بين الدولة وغيرها، أو دخل فى نطاق التعاون والرقابة الدستورية المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، اعتبر عملاً من أعمال السيادة، وبذلك فإن إبرام المعاهدات والتوقيع عليها من أبرز أمثلة هذه الأعمال، لتعلقها بعلاقة بين السلطة التنفيذية «الدولة» وبين دول ومنظمات دولية، فى مراحل التفاوض والتوقيع والتنفيذ، بالإضافة الى وقوعها فى مجال الاختصاص المشترك والرقابة المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبمقتضى المادة (151) من الدستور يراقب مجلس النواب السلطة التنفيذية فيما تبرمه من معاهدات، وله أن يوافق أو يرفض ما يدخل منها فى اختصاصه، كما له تقرير ما إذا كانت تلك المعاهدات تتعلق بالفقرتين الثانية والثالثة من المادة نفسها، فيُحال ما يندرج منها فى الفقرة الثانية للاستفتاء، ويمتنع عن الموافقة، بأي صورة، على ما يتعلق منها بالتنازل عن شىء من إقليم الدولة أو ما يخالف الدستور، وسلطة البرلمان فى ذلك سلطة حصرية لا يشاركه فيها غيره، فإذا ما استنفد مجلس النواب سلطاته، رد الأمر لرئيس الجمهورية وحده، بما له من سلطة، إن شاء صدق على المعاهدة، وإن شاء أبَي، وذلك كله وفقًا لتقديراته السياسية وما يتطلبه من المحافظة على المصالح العليا للبلاد، ويمتنع على السلطة القضائية بجميع جهاتها ومحاكمها التدخل فى أى من هذه الشئون جميعها حتى تمامها، فإذا نُشرت المعاهدة وفقًا للأوضاع المقررة فى الدستور، وأصبح لها قوة القانون، جاز مراقبتها قضائيًا من حيث رقابة استيفائها للشروط الشكلية المقررة فى الدستور، والرقابة الموضوعية للمعاهدة، وكانت المادة (151) قد حظرت مخالفة المعاهدة لأحكام الدستور كافة، وهذه الرقابة القضائية على المعاهدات، هى رقابة دستورية وليست رقابة مشروعية، وهى منوطة استئثارًا بالمحكمة الدستورية العليا، لا تشاركها فيها جهة قضائية أخرى أيًّا كانت. ووفقا لما سبق، فإن توقيع ممثل الدولة المصرية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين حكومتى جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية يعد «بلا شك» من الأعمال السياسية، وان الأحكام الصادرة من المحكمة الادارية العليا قد خالفت هذا المبدأ، بأن قضى باختصاص القضاء الإدارى بنظر صحة توقيع ممثل الدولة المصرية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين حكومتى مصر والسعودية، حال كونه ممنوعا من ذلك، يعد تعديا على اختصاص السلطة التشريعية، وحيث إن المادة (190) من الدستور تنص على أن «مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه.»، ايضا كان الحكم الصادر من محكمة الامور المستعجلة قد خالف الدستور ، وفصل فى منازعة تنفيذ موضوعية متعلقة بحكم صادر من المحكمة الإدارية العليا، فإنه يكون قد انتحل اختصاصًا ممتنعًا عليه دستورًا، ويكون، والحال كذلك، حقيقًا بعدم الاعتداد به. كما حكمت المحكمة برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة الدستورية العليا بعدم قبول الدعويين «منازعة تنفيذ» قضائية واللتين تتعلقان باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية. وأقامت المحكمة حكمها تأسيسًا على أن الأحكام السابقة للمحكمة الدستورية التى استندت إليها هيئة قضايا الدولة فى دعويين منازعة التنفيذ لا تتصل بهذه الاتفاقية سواء فى منطوق كل منها أو ما يتصل به من أسبابها اتصالاً حتميًّا. وأفصحت المحكمة فى أسباب حكمها الصادر بعدم قبول المنازعتين أن حجية هذا الحكم لا تمتد إلى الفصل فى الشرعية الدستورية لأى حكم إجرائى أو موضوعى يتصل بهذه الاتفاقية، باعتبار أن ذلك مما يجاوز نطاق منازعتى التنفيذ المعروضتين سبباً وموضوعًا، ويظل الفصل فى الشرعية الدستورية لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية منضبطًا بالضوابط المنصوص عليها بالمادة (151) من الدستور وهو أمر لا يتسع له قضاء هذه المحكمة فى هاتين المنازعتين. وكانت هيئة مفوضى المحكمة أوصت بعدم قبول المنازعتين باعتبار أن المبادئ السابقة للمحكمة الدستورية لم تحدد معنى جامعا مانعا لأعمال السيادة، وأن الأحكام التى ساقتها الحكومة للتدليل على بطلان حكم القضاء الإدارى لا صلة لها بموضوع ترسيم الحدود البحرية من الأساس، وتتعلق بنصوص دستورية وحالات قانونية أخري، وهو ما أيدته هيئة الدفاع عن مصرية تيران وصنافير. وقضت المحكمة بذات الجلسة بعدم دستورية البند (7) من المادة (13) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، والمادة (81) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 396 لسنة 1956 فى شأن تنظيم السجون،حيث أنهما لم يتضمنا وجوب إثبات تسليم الأوراق المطلوب إعلانها للمسجون نفسه. وأقامت المحكمة قضاءها تأسيسًا على أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يقوم بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وهذا الحق مخول للناس جميعًا، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهم، وإن حق الدفاع أصالةً أو بالوكالة قد كفله الدستور، باعتبار أن ضمانة الدفاع لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضي، وحيث إن المشرع بتقريره النصين المطعون فيهما قد مايز فى كفالة كل من حق التقاضى وحق الدفاع بين المتقاضين من الأشخاص الطبيعيين، إذ قسمهم - فى شأن وسائل اتصالهم بالخصومة فى الدعوى المنظورة - إلى فئتين، فكان هذا التمييز بين فئتى المتقاضين غير مبرر. وبذلك يكون النصان المطعون فيهما قد أخلا بمبدأ المساواة، وقيدا حق التقاضي، وأهدرا حق الدفاع بما يتعين معه القضاء بعدم دستوريتهما.