وصول القطار لا يعنى شيئا. أمى قالت: لن أسافر. أختى قالت: لن أسافر. سائق التاكسى لم يطالبهما بأجرة. جلس على مقعد الانتظار، متمنيا الرجوع إلى المنزل بمنقولاتنا. وأنا أريد أن أسافر. أبى ما زال يكرر أمام أمى ما قاله دائما، حيث يعانى اكتئابا ورتابة الروتين الحكومى، مديره يتعنت فى العمل، فأصبح بحاجة ماسة للسفر، قبل أن تنتهى إجازته الاعتيادية ويستدعيه المدير بحجة أشغال مهمة. قال لأمي: لا توجد أى أشغال الآن!. وأمى لا تريد السفر. والقطار لا يأتى، وأختى متذبذبة. المفترض أن موعد قطارنا قبل قطار النوم، لكن لأن قطارنا مكيف من الدرجة الثانية تأخر!؛ ولأن جرار قطار النوم معطل فوجب استبدال جرار قطارنا بجرار قطار النوم! وحين سألنا الكمسارى قال: انتم! قال أبي: نعم نحن!، فرد الكمساري: حين ميسرة! ولما وجد أبى غاضباً بشدة رد عليه: يا مسهل!، اصبروا. المهندسون فى الورشة يصلحون الجرار؛ وتركنا ليحادث أحد الإداريين مستفسرا عن صرف المكافآت، وأبى جلس واضعاً كفاً على كف، وخده على مؤخرة المقعد، يفصله عن أمى متران، أمى عادة لا تحب الرحلات، مدبرة كالعادة توفر لأجل زواج ابنتها، اشترت لها كل مستلزماتها الأساسية من نجف وصينى وأنتيكات، أهم شيء الأنتيكات! قال لأمي: أنا لا أمنعك من الادخار من مصروف المنزل، لكنى بحاجة للسفر فحالتى النفسية سيئة، والسفر ليس ترفيها، أمى يئست من عودتنا إلى المنزل، وأختى منهمكة بسماع أغان من الهِدفون، أمى قليلة الكلام استجابت لنداء أبى وفكت الحصالة؛ وأفرجت عن المدخرات التى كانت ستصرفها على حفل خطوبة أختي؛ بعدما تأخر العريس. وها هو القطار بعد أن دمر أعصابى يصرخ كالمرأة العارية؛ كاشفا بأضوائه عتمة مخاوفى، هيا.. مع السلامة.. إلى القطار، إلى القطار.