لم يغب أبدا رجال الشرطة المصرية عن اللحظات المهمة التي عاشها المصريون علي مدي تاريخهم الحديث، فمنذ نشأة هيئة الشرطة التي وضع لبنتها الأولي محمد علي تحت اسم ديوان الوالي في عام 1805 لضبط الأمن في العاصمة، والتى تم تعديل اسمها بعد ذلك الي نظارة الداخلية عام 1879، حتي استقر باسم وزارة الداخلية في عام 1914، وكان اول وزير للداخلية بالمسمي الجديد وقتها تحسين باشا رشدي، شارك رجال الشرطة بكل وطنية لتحقيق رسالتهم السامية في حماية الوطن والمواطنين، وعاشوا أياما شهدت بطولات للضباط والافراد، ومواقف لا تزال مضرب المثل في الوطنية والشجاعة والإقدام. ولعل ما يسطره رجال الشرطة في وقتنا الحاضر من تقديم الشهداء في سبيل محاربة الإرهاب واجتثاثه من جذوره، هو واجب توارثه أحفاد هذا الجهاز الوطني المهم من اجدادهم ابطال معركة الإسماعيلية، وغيرها من اوراق بطولية حفظها التاريخ بسطور من دماء طاهرة، حافظت علي الارض والعرض، حيث قدم اكثر من 1000 شهيد، منذ 25 يناير 2011، ارواحهم فداء لارض الكنانة وارتوي ثري الارض الطيبة بجميع محافظات مصر بغيث دمائهم الطاهرة، حيث ضحي 225 ضابطا بأرواحهم، فضلا عن 311 مجندا، و 446 فرد شرطة، و 35 خفيرا، و 6 من موظفي وزارة الداخلية. • الشهداء ضريبة التصدى للإرهاب على مر العقود وبعد 66 عاما من يوم الشرطة الخالد، لايزال رجالها يواصلون عطاءهم، فمرت الايام سريعا ليتبدل العدو الأجنبي الى عدو جديد يلبس لباس الدين، ويتكلم بلسان ابناء الوطن، لكنه في الحقيقة مخرب للعقول وهادم للأوطان، ليطل الإرهاب بوجهه الاسود منذ ثمانينيات القرن الماضي موجها رصاصاته لصدور المصريين. وبطبيعة الحال واجهت الشرطة المصرية هذا العدو الجديد، تلك المواجهات التي دفعت ضريبتها من دماء ابنائها، ولعل مذبحة أسيوط كانت تاريخا فاصلا، وهي التي ارتكبها إرهابيو جماعة الجهاد بعد يومين من اغتيال الرئيس الاسبق محمد انور السادات، وراح ضحيتها 118 من رجال الشرطة، بعدما هاجم الإرهابيون مديرية امن أسيوط صباح أول ايام عيدالأضحي في 8 أكتوبر1981. وكعادة الابطال كانت الدماء التي اسيلت نتيجة الغدر دافعا لمواجهة العديد من العمليات الإرهابية، لينطلق ابطال الشرطة في ملحمة وطنية نجحت في استئصال الإرهاب من جذوره، وهروب العديد من فئرانه مذعورين امام ضربات الشرطة للاوكار الإرهابية. وتمر الايام سريعا ليرث الاحفاد نفس مصير وقدر اجدادهم في مواجهة الاحتلال وآبائهم في مواجهة الارهاب في الثمانينيات والتسعينيات، لينطلقوا في تحد جديد هو الاخطر والاكبر، لان هدف العدو هذه المرة كان اسقاط مصر وتركيع المصريين لارادته وارادة من يمولونه من الخارج، ليعلن ابطال الشرطة انحيازهم للشعب في ثورته المباركة، ثورة 30 يونيو2013، ضد حكم الاخوان، لتجيءالمرحلة الحالية وهي الادق في تاريخ الوطن، حيث اطلقت قيادات الجماعة الارهابية العنان لاذرعهم المسلحة، واعطوا الاوامر للجماعات المتطرفة التابعة لهم بتنفيذ العمليات الارهابية، التي تصدي لها رجال الجيش والشرطة معا، وكان استهداف الضباط والافراد والاكمنة والمنشآت الشرطية الشاغل الاول لهذه الجماعة الإرهابية، حتي يشعر المواطن بوجود حالة من الفوضي وعدم قدرة الشرطة علي فرض الامن والأمان في ربوع البلاد، الا ان بسالة ابطال الداخلية احبطت ذلك المخطط، ونجحت في التصدي للعديد من العمليات الإرهابية واحباط عدد كبير منها. وتقوم الوزارة الآن تحت قيادة اللواء مجدي عبدالغفار وزير الداخلية، علي اعتماد خطط وإستراتيجيات أمنية جديدة، حققت نجاحا كبيرا في توجيه الضربات الاستباقية للعناصر الإرهابية، وتزيد من حماسة أبطال الشرطة في مواجهة الإرهاب، فاسقطوا عددا كبيرا من الإرهابيين مابين قتلي أو مقبوض عليهم. كما كشف رجال الشرطة عن اعداد هائلة من الاوكار الإرهابية بعدد من المحافظات ومخابيء للاسلحة والمواد المتفجرة، وفي سبيل ذلك دفع الابطال ثمنا غاليا، وقدمت الشرطة شهداء رووا ارض الوطن في شمال سيناء وغيرها من المحافظات بدمائهم في حربهم ضد الإرهاب وفي سبيل تحقيق امن المواطن. • والدة العميد «على أحمد فهمى»: نيران فراقه لم تهدأ.. ووالده ينتظره فى شرفة غرفته الشهيد مع عائلته تمر السنون ولا تجف الدموع ولا تندمل الجراح.. زاد الاشتياق وألم الفراق ولهفة اللقاء.. فى جنة النعيم مع الشهداء والصديقين والأبرار يا أغلى الأحباب. كلمات بطعم المرارة ورائحة الحزن، خرجت من فم أم الشهيد العميد «على أحمد فهمى» رئيس وحدة مرور المنيب، الذى اغتالته ايادى الجماعة الإرهابية الرثة عام 2016، عندما كان متوجها من مزرعة يمتلكها بمنطقة شبرامنت بالجيزة إلي عمله، وتربص له الجناة وسط الزراعات، مستغلين طبيعة المكان. وبمجرد ان استقل السيارة وبجواره مجند، خرج الإرهابيون من جحورهم مثل الفئرات وامطروه بالرصاص حتي فارق الحياة، كما قتلوا السائق المجند واحرقوا السيارة ولاذوا بالفرار. كلمات بمرارة العلقم خرجت من حلق الأم الثكلى، وانهار من الدموع انسابت على وجنتيها وهي تتذكر ذلك اليوم الذى قدمت فيه ابنها الوحيد قربانا لأرض الكنانة «مصر». وقالت «على» كان ابن موت فكان يترك الخدمة المكلف بها ويتوجه إلى أقرب مسجد لاداء الصلاة فى مواقيتها ولم يرتكب اى مخالفة طوال مدة خدمته، وشهد له الجميع يوم جنازته بالطيبة وحسن الخلق، ولكن الجماعة الإرهابية استكثرت علىَّ ذلك الشاب النافع اليافع الذى كان السند والحماية لى ولوالده وشقيقتيه وابنائه الثلاثة وزوجته، وحرمونى منه برصاصاتهم الغادرة. وأضافت: «يوم الحادث كلمنى قبل نزوله لعمله بدقائق ليطمئن على صحة والده وطلب منى الدعاء له، وأوصانى على ابنائه الثلاثة وزوجته، وبعد دقائق معدودة فوجئت بزوجته تحدثنى هاتفيا وهى تصرخ بطريقة هيسيترية، وابلغتنى ان «على» استشهد علي يد ملثمين ولاذوا بالفرار. وقالت رغم مرور عامين على رحيله، فإن نيران فراقه لم تهدأ، لأنه كان دائم السؤال عنى وعن والده وشقيقتيه، وكان يصر على اصطحابنا معه فى كل متنزهاته.. بالفعل كان الابن البار يارب صبرنى على فراقة». سكتت الأم الثكلى لحظات وكأنها تسترجع شريطا من الذكريات يمر من أمام عينيها، وقالت: «زوجى حتى هذه اللحظة لم يصدق استشهاد ابنه الوحيد، ويقف فى شرفة غرفته ينتظر عودته، ويحمل صورته ويحدثه قائلا وحشتنى يا على.. اتأخرت ليه كده وبعدت كتير ليه يا حبيبى.. أنا وحشتك زى ما أنت وحشتنى.. تعالى بقى أنا مستنيك على الغدا.. وكل ما يلاقينى أعيط يقولى «على راجع» وها ياخدنا معاه».
• زوجة العقيد «تامر العشماوى»: ابناه يبحثان عنه فى كل مناسبة الشهيد العقيد تامر العشماوي، استشهد في مدينة العريش عندما كان ضمن «قول» امني لتأمين مدينة العريش، الا أن مجموعة من العناصر الارهابية أمطرتهم بالرصاص، مما اسفر عن استشهاده وستة من زملائه. وقالت زوجته: مر عام علي رحيله، الا انه بالنسبة لي مثل الدهر، فقد ضلت الفرحة طريقها الي قلبي منذ استشهاده، وسكن الشجن واليأس حياتي، واسودت كل الدروب امامي، ولم يتبق لي سوي ذكرياتي الجميلة. وأضافت: رحل عني الزوج والصديق و الرفيق و ترك لي ولدين: سيف الله 13 سنة، وفارس 10 سنوات، وشاء القدر أن يولد الوليدان في نفس الشهر الذي ولد فيه والدهما الشهيد، و هو شهر يناير، واستشهد ايضا في شهر يناير. وبقلب منكسر قالت: في كل مناسبة يبحث نجلاي عن ابيهما ويفتشان عنه وسط الرجال ثم يستيقظان من أحلامهما علي الحقيقة المفجعة و هى انه قد رحل عنهما.
• أم الرائد «محمد زين»: طفلاه يتحدثان مع صورته وينتظران عودته الشهيد الرائد محمد على زين الدين، دفع حياته ثمنا للفوضى التى احدثتها الجماعة الارهابية عقب ثورة 25 يناير 2011. كان ضابطا شجاعا بمباحث سرقة السيارات بمديرية أمن القاهرة، وتوجه فى مأمورية للقبض على لصوص سرقوا سيارة أحد الاشخاص وطلبوا منه مبلغا ماليا لإعادتها إليه، وتوجه الشهيد للقبض عليهم، ورفض استخدام سلاحه الميرى فى التعامل معهم، الا أن الجناة امطروه بالرصاص حتى فارق الحياة. بقلب يرتجف حزنا على فراق فلذة الكبد، قالت الأم المكلومة: «رائحة الغالى تفوح فى كل ركن من الشقة.. اصوات ضحكاته ترن فى أذنى وصورته لا تفارق خيالى.. واحاديثه معى اسمعها فى الثانية ألف ألف مرة.. كان لى الابن والأخ والصديق.. عندما استشهد ترك ابنه «على» وكان عمره سبعة أشهر وكانت زوجته حاملا ووضعت مولودتها «زينة».. الا أن زوجته تزوجت آخر وسافرت للخارج وتركت لى فلذتى كبدهما.. وأنا بالنسبة لهما الأم والأب فى آن واحد.. كل يوم أطلب منهما النظر إلى صورة أبيهما الشهيد وأحثهما على الحديث معه وسرد كل تفاصيل حياتهما أمامه وطلب كل شىء يرغبان فيه.. ثم اقوم بشراء كل طلباتهما وأقول لهم بابا كلمنى بالليل وأنا نايمة وبعت لكم الهدايا اللى انتم عاوزينها». وقالت: «كل صلاة أدعو الله أن يطيل فى عمرى من أجل «على وزينة».. صحيح عمتهما حنينة عليهما جدا وزى أمهما وأعمامهما زى أبيهما وأكثر لكن أنا المسئولة عن تربيتهما.. وكل يوم بيمر بحمد ربنا أنى موجودة علشانهم. وأضافت: «جوزى مات من حسرته على ابنه محمد.. كان صاحبه وسره وصديقه وكل حاجة بالنسبة له ورفض الحياة بعد استشهاده ومات من كتر الحزن على ضناه». • طفلتا العقيد «محمد سويلم»: ملك: «عاوزة أطلع ظابطة وأقابل بابا فى الجنة» الشهيد العقيد محمد سويلم، رئيس مباحث القسم الجنائي بمحافظة السويس، الذى استشهد على يد الجماعة الارهابية فى اثناء تأدية عمله، ترك طفلتين «ملك» 10 سنوات و«لينا» 8 سنوات بقلب غض وعقل برىء. وبكلمات تبعث الحسرة والألم فى النفوس قالت الكبيرة «ملك»: «نفسى أطلع ضابط شرطة علشان اموت شهيدة زى بابا واقابله فى الجنة علشان هو وحشنى قوى ونفسى أشوفه وكمان عاوزة ابقى ضابطة علشان أموت اللى موتوا بابا وحرمونى منه». أما الصغيرة «لينا» فقالت: «أنا زعلانة علشان بابا مش معانا وكل صاحباتى فى الaنادى والمدرسة عندهم بابا ما عدا أنا.. بس أنا مبسوطة علشان بابا شهيد وهو فى مكان حلو عند ربنا وهيدخل الجنة». زوجة الشهيد سويلم قالت: «الأيام بطعم مرارة العلقم دون زوجى، بالإضافة إلى ما أتعرض له من ضغوط نفسية من كثرة اسئلة ابنتي عن أبيهما، وأحيانا لا أجد ما أقوله لهما، فمثلا «لينا» منذ يومين سألتنى بابا صوته كان عامل إزاى، ورديت عليها شقيقتها «ملك» كان صوته جميلا، واسئلة كثيرة من هذا النوع تشق قلبى وتزيد من لوعتى وحسرتى على فراق أغلى الأحباب». وقالت الصغيرة «لينا» ان امنيتى الوحيدة مقابلة الرئيس عبدالفتاح السيسى، لانها بتحس انه حاسس بيهم وفى اى مناسبة يتذكر الشهداء ويحييهم».