شكل موقف الأزهر الشريف بإقامة مؤتمر دولى نصرة للقدس الذى عقد فى القاهرة على مدى يومين حدثاً مهماً يوضح أن للقدس مرجعياتها الدينية الكبرى التى تدافع عنها، فحضور ممثلى الديانات الثلاث، وبمشاركة ممثلين من 86 دولة، فيه رسالة للعالم أجمع بأن حماية القدس ليست مسئولية الفلسطينيين وحدهم، بل للمسلمين والعرب عامة، فالرسالة واضحة بأن الشعوب العربية والإسلامية لن تتخلى عن الأرض والمقدسات الدينية للاحتلال الإسرائيلي، وكذلك القرار الأخير الذى اتخذه الإمام الأكبر برفضه استقبال نائب الرئيس الأمريكي، فى دلالة واضحة على موقفه المشرف والرافض لقرارات أمريكا الباطلة والظالمة بحق الشعب الفلسطينى والأمتين العربية والإسلامية، هذا بالإضافة إلى موقف بابا الأقباط فى مصر البابا تواضروس الذى استنكر هذا القرار، ومناشدة القيادات الدينية المسيحية بضرورة التصدى لمحاولات الاحتلال الإسرائيلى تهويد الأماكن المقدسة للمسيحيين والتى تخص أكثر من مليارى مسيحى فى العالم، وبما يمكن أن يشكل مزيداً من الضغوط على القيادة الأمريكية للتراجع عن قرارها الظالم ضد مدينة القدس، ولكبح جماح سلطات الاحتلال الإسرائيلى عن الاستمرار فى إجراءاتها العدوانية ضد الشعب الفلسطينىوالمدينة المقدسة. ويكتسب مؤتمر الأزهر أهمية خاصة نتيجة مشاركة العديد من الشخصيات التى تمثل الطوائف الدينية الثلاث، ومن ثم تأثير المؤتمر على المحيطين العربى (الإسلامي/المسيحي/اليهودي)، والإسلامى، بما يكمل الدائرة المحيطة بالقدس، حيث عقد المؤتمر احتجاجاً على إعلان الإدارة الأمريكية اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل ونيتها نقل سفارة بلادها من تل أبيب إلى المدينة المقدسة، كما أن عقد مؤتمر الأزهر الدولى جاء بعد نحو شهر من قمة منظمة المؤتمر الإسلامى فى إسطنبول بتركيا، ومن شأن استمرار عقد المؤتمرات واستمرار الحراك والتحرك الشعبى والرسمي، السياسى والميدانى الفلسطيني، كذلك استمرار عقد المؤتمرات، والندوات وحتى التظاهرات فى المحيط العربى والإسلامي، أن يواصل الضغط من أجل سحب الإعلان الأمريكي، خاصة بعد تراجع الإدارة الأمريكية عن تمرير «صفقة القرن» ، واضطرارها إلى عدم تضمين زيارة نائب الرئيس مايك بنس رام الله، كما أنها اضطرت ترامب شخصياً إلى نفى ما أعلنه نيتانياهو من أن نقل السفارة سيكون هذا العام. وقد أكد الأزهر الشريف رفضه أى محاولات للتأثير على مستقبل قضية القدس، كما اقترح شيخ الأزهر «أحمد الطيب» تخصيص عام 2018 ليكون عاماً لمدينة القدس يشمل تعريفاً به ودعماً مادياً ومعنوياً، ونشاطاً ثقافياً وإعلامياً متواصلاً لدعم قضية القدس، فضلاً عن مبادرة الأزهر بتصميم مقرر دراسى عن القدس الشريف يُدرَّس فى المعاهد الأزهرية وجامعة الأزهر لترسيخ الصورة الذهنية لدى العرب والمسلمين بأن القدس هى العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة، والتى يجب العمل الجاد على إعلانها رسميًّا والاعتراف الدولى بها، مع الرفض القاطع لقرارات الإدارة الأمريكية الأخيرة، مع حث الهيئات والمنظمات العالمية للحفاظ على الوضع القانونى لمدينة القدس، وتأكيد هُويتها، وبما يبرز دور الأزهر فى تشكيل الفكر الإسلامى والتأثير فى وجدان المسلمين، ولا غرابة فى تعمد التيارات المتأسلمة التى تعمل وفق أجندات خارجية التسفيه من شأن الأزهر ومحاولة الاعتداء على شيخه الجليل والمساس برموزه الدينية لأن القوى الدولية التى كانت تشجعهم تعلم قيمة هذه المؤسسة العظيمة ودورها فى حماية المقدسات الإسلامية ، وتشكيل وجدان المسلمين الذين شكلوا حائط الصد فى مواجهة القوى الاستعمارية التى حاولت السيطرة على القدس عبر التاريخ . تجدر الإشارة إلى حرص الرئيس محمود عباس على استثمار المؤتمر لكسب مساندة الأمة العربية والإسلامية لدعم القدس والمسجد الأقصى الذى يتعرض شهرياً لنحو 40 اعتداء من قبَل سلطات الاحتلال الإسرائيلى والمستوطنين، ويشمل ذلك اقتحامه وتدنيسه من مسئولين ونواب ومجموعات استيطانية، مؤكداً أن التواصل العربى والاسلامى مع فلسطين والفلسطينيين ومع مدينة القدس وأهلها على وجه الخصوص، هو دعم لهويتها العربية والاسلامية وليس تطبيعاً مع الاحتلال أو اعترافاً بشرعيته، بل إن الدعوات لعدم زيارة القدس، بدعوى أنها أرض محتلة لا تصب إلا فى خدمة الاحتلال ومؤامراته الرامية إلى فرض العزلة على المدينة، وقد رحب علماء الأزهر فى ختام مؤتمر الأزهر لنصرة القدس بدعوة الأزهر بتخصيص عام 2018 للقدس، والتى فتحت الباب من جديد لزيارة القدس والصلاة فى المسجد الأقصى بعيداً عن التطبيع الذى يتخذه البعض ذريعة لمقاطعة تلك الزيارة. ولا شك فإن مطالبة الرئيس الفلسطينى العرب والمسلمين والمسيحيين بزيارة القدس الشريف وبكثافة لدعم عروبة مدينة القدس وشعبها ستجد صدى كبيرا لدى الشعوب العربية والإسلامية، ولكن لاينبغى ممارسة أى ضغوط للتأثير فى قناعات المواطنين، ولتترك القيادات السياسية والدينية الحرية للأفراد لاتخاذ المواقف التى يرونها مناسبة، فليس هناك خيانة دينية او اخلاقية او سياسية او ثقافية باتفاق الجميع من شد الرحال إلى المسجد الأقصى والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فى الأراضى الفلسطينية، إلا أن هناك واجبا على القيادة الفلسطينية لمواجهة انتهاك حرمة الأماكن الدينية المقدسة، من خلال دعوة المجموعة العربية وأعضاء المجتمع الدولى بأسره إلى إبرام معاهدة دولية يكون موضوعها الأوحد حماية الأماكن الدينية المقدسة وتحريم ما ينتهك هذه القدسية، إضافة إلى عرض هذه الانتهاكات لدى المنظمات الدولية وتذكيرها بأن الأراضى المحتلة تحت حماية المجتمع الدولى كله، وعليه حماية المقدسات، وأنها من اهتمامات منظمة الأممالمتحدة وأن الأمر ليس منوطاً بالجانب الفلسطينى والإسرائيلي، لاسيما مع مواصلة الجانب الإسرائيلى مساعيه لفرض سياسة الأمر الواقع فى تهويد القدس، وفى إقامة حفريات تحت الأقصى المبارك. لمزيد من مقالات لواء محمد عبدالمقصود