كيف يمكن لبلد يحثه دينه وثقافته والأمثلة الشعبية علي النظافة أن يعيش في هذا القدر الهائل من القذارة والمخلفات المتراكمة؟ القضية ليست حديثة بالطبع, ولكنها متراكمة عبر أجيال. ولا تصدق أن مصر كانت آية في النظافة كما هو الحال في أوروبا كما كانت تظهر في الأفلام القديمة, فالموضوع مثله مثل التعليم يمثل حالة من الفشل القومي الذي انتقل من عصر إلي عصر آخر. لم يكن هناك فارق بين الملكية والجمهورية, ولا بين الرأسمالية والاشتراكية, ولا بين الانفتاح أو الانغلاق, وإنما كان هناك فارق بين أحياء قليلة نظيفة, وبقية الوطن كله ممتلئ حتي الحافة بالمخلفات. الآن سقط هذا الفارق, وما عليك إلا أن تذهب إلي الحي الراقي, وسوف تجد تلال المخلفات ماثلة. المسألة إذن أعمق وأقدم مما نظن, وربما كان جزءا من إهمالنا لها, كما جري في موضوع التعليم خلال قرنين من التحديث و الحداثة والتمسك بتعاليم الدين الحنيف هو أننا نتصور مع كل عهد أن المشكلة يجري اكتشافها لأول مرة. والحقيقة أنه جري دراستها وفحصها وتمحيصها مع كل عهد; والآن جاء عهد جديد ليأخذ دوره مع المعضلة, ويعد بشجاعة أنه سوف يحلها خلال مائة يوم, ومع مضي ربعها يكتشف أنها أعقد مما تصور, وهناك احتياجات وأولويات أخري, ومن ثم تأخذ المشكلة واحدة من صورتين: الصورة التعبوية التي يأتي فيها حث الناس علي النظافة والمشاركة في إزالة المخلفات في أيام قومية; والصورة التي تضع القضية ضمن صف طويل من القضايا التي تنتظر الموارد الكافية لحلها من أول تخلص مصر من الفقر وحتي تحرير فلسطين. المسألة عن حق تحتاج إرادة سياسية لكي تضعها مع كل المسائل الأخري ضمن إطار واحد للتخلص من التخلف. ولن يحتاج رئيس الوزراء الجديد وطاقمه, ومن ورائهم السيد رئيس الجمهورية إلا فتح الملفات وتطبيق ما جاء فيها من توصيات تجعل قضية القمامة, أو المخلفات, فرصة كبري وليست مشكلة. وهي فرصة ليس فقط لأنه يمكن تحويل المخلفات إلي طاقة وبضاعة وسلع مربحة, وإنما أيضا لأنها فرصة للتنظيم الاجتماعي حينما يتعلم المجتمع كله كيفية التعامل مع مخلفاته من حيث توقيتات جمعها, وكيفية تصنيف أنواعها, والربح الذي يمكن تحقيقه منها, وتنظيم تلك الشبكة ما بين مصدر القمامة, وجمعها, وتسليمها إلي حيث يمكن استغلالها استغلالا حميدا, أو إذا تعثر الأمر دفنها بعيدا بحيث لا تضر بصحة البشر. هل نحتاج للتأكيد أن النظافة من الإيمان في شعب مؤمن؟!. [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد