«زي النهارده».. 9 يونيو 1967 تنحي الرئيس عبدالناصر بعد نكسة 67    طلاب «إعلام المنوفية» يطلقون حملة «إعلامنا» للتعريف بالكلية ومميزات الدراسة بها    البترول: استيراد 15 شحنة غاز لشبكة الكهرباء.. والأولى تصل خلال 10 أيام    الجيش الأمريكي يعلن استئناف تدفق المساعدات عبر رصيف غزة    حزب الله يعلن قصف مقر قيادة كتيبة السهل في ثكنة بيت هلل الإسرائيلية براجمة من صواريخ فلق 2    فلسطين.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تشن حملة اعتقالات واسعة    «مين هيقدر يديره؟».. القيعي يكشف سبب رفضه لتعاقد الأهلي مع ميدو    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الأحد.. هل سجلت مصر من قبل درجة حرارة تخطت ال50؟ (تفاصيل)    بعد فيديو «الصفعة»..قرار مفُاجئ من عمرو دياب (تفاصيل)    «زي النهارده».. وفاة الفنان عبدالله محمود 9 يونيو 2005    نشرة «المصري اليوم» الصباحية.. «هيئة الدواء» تسحب أدوية جديدة من الصيدليات.. انفراد..النيابة العامة تحيل «سفاح التجمع» لمحاكمة عاجلة أمام «الجنايات».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الأحد: 48 ساعة قبل عودة الغليان (تفاصيل)    سعر الخضراوات والفاكهة اليوم الأحد 9-6-2024 في جميع أسواق الجمهورية    أسامة كمال: الحكومة المستقيلة لهم الاحترام.. وشكل الوزارة الجديدة "تكهنات"    ترتيب مجموعات تصفيات كأس العالم لقارة افريقيا 2026    بيلينجهام الأعلى قيمة سوقية بين لاعبي أمم أوروبا 2024    سعر الدينار الكويتي في البنوك اليوم الأحد 9 يونيو 2024    ننشر أوائل الشهادات الإعدادية والإبتدائية الأزهرية بالوادي الجديد    أطول إجازة للموظفين في مصر خلال 2024.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى    حبس 8 مسجلين خطر بينهم سيدة ضبط بحوزتهم 13 كيلو مخدرات بالقاهرة    10 سنوات إنجازات | طرق وكباري و3 محاور رئيسية لإحداث طفرة تنموية في قنا    هيئة التجارة البحرية البريطانية تعلن عن هجوم استهدف سفينة في السواحل اليمنية    ليلى عبد اللطيف تكشف حقيقة توقعها بعيد أضحى حزين في مصر    تحرك عاجل من السعودية بشأن الحج بدون تصريح    بايدن مخاطبًا ماكرون: شراكة الولايات المتحدة وفرنسا «لا تتزعزع»    مقتل 45 شخصا على الأقل جراء صراع عشائري في الصومال    ياسر إدريس: لا ينقصنا لاستضافة الأولمبياد سوى إدارة الملف    طارق سليمان: كنت مع مشاركة شوبير في نهائي إفريقيا على حساب الشناوي    خبير مائي: سد النهضة على وشك الانتهاء من الناحية الخرسانية وسيولد كهرباء خلال سنتين    ضبط مصري يسرق أحذية المصلين بمسجد في الكويت وجار إبعاده عن البلاد (فيديو)    «هيكسروا الدنيا».. سيف زاهر يكشف ثنائي جديد في الزمالك    مع بدء رحلات الحج.. خريطة حدود الإنفاق الدولي عبر بطاقات الائتمان في 10 بنوك    خلال الربع الأول.. 129% نموًا بصافى أرباح بنك القاهرة والإيرادات تقفز إلى 7.8 مليار جنيه    جامعة العريش تطلق مبادرة شاملة لتأهيل الخريجين لسوق العمل    مصرع طفل عقب تعرضه للدغ عقرب فى جرجا بسوهاج    السعودية تبعد 300 ألف شخص من مكة لعدم حملهم تصاريح الحج    النديم: 314 انتهاك في مايو بين تعذيب وإهمال طبي واخفاء قسري    "نيويورك تايمز": قنبلة أمريكية صغيرة تقتل عشرات الفلسطينيين في غزة    ليلى عبداللطيف تتسبب في صدمة ل أحمد العوضي حول ياسمين عبدالعزيز (فيديو)    شاهد.. أكشن وكوميديا وإثارة فى برومو عصابة الماكس تمهيدا لطرحه فى عيد الأضحى    طارق قنديل يتحدث عن.. سر نجاح الأهلي ..البطولة الأغلى له.. وأسعد صفقة بالنسبة له    ما أهم الأدعية عند الكعبة للحاج؟ عالم أزهري يجيب    إصابة 6 أشخاص في تصادم سيارة وتروسيكل بالإسماعيلية    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد انتظام سير العمل بعيادة الجلدية ووحدة طوسون الصحية    عقوبة تصل ل مليون جنيه.. احذر من إتلاف منشآت نقل وتوزيع الكهرباء    ما هي أيام التشريق 2024.. وهل يجوز صيامها؟    دعاء ثالث ليالي العشر من ذي الحجة.. اللهم بشرنا بالفرح    حظك اليوم برج الجدي الأحد 9-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أيمن موكا: الجونة لم يبلغني بمفاوضات الزمالك ولم أوقع    وزير الصحة يتفقد مستشفى رأس الحكمة والضبعة المركزي بمحافظة مطروح    استقرار سعر الحديد والاسمنت بسوق مواد البناء اليوم الاحد 9 يونيو 2024    «تخلص منه فورًا».. تحذير لأصحاب هواتف آيفون القديمة «قائمة الموت» (صور)    انتصار ومحمد محمود يرقصان بحفل قومي حقوق الإنسان    وزير الصحة يوجه بسرعة توفير جهاز مناظير بمستشفى الضبعة المركزي    حظك اليوم برج العذراء الأحد 9-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تحرير 40 مخالفة تموينية فى حملة على المخابز والمحال والأسواق بالإسماعيلية    وزير التعليم الفلسطيني: تدمير 75% من جامعاتنا والمدارس أصبحت مراكز للإيواء    جامعة المنوفية تشارك في مبادرات "تحالف وتنمية" و"أنت الحياة" بقوافل تنموية شاملة    فضل صيام العشر من ذي الحجة 1445.. والأعمال المستحبة فيها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصوفية والخواجة عبد القادر
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 07 - 2012

أستأذنكم في قطع سلسلة من المقالات كنت أنشرها في الأسابيع الأخيرة عن الإشكالات القانونية المحيطة بجوانب المشهد السياسي المصري‏,‏ وأهمية اعتماد مفهوم النظام القانوني الرشيد في تشكيل مستقبل البلاد‏. وبناء الدولة العصرية الجديدة.إذ وجدتني بالكامل مشدودا إلي تناول المسلسل التليفزيوني (الخواجة عبد القادر) محتلا بحشد كبير من الأفكار منعني الكتابة في أي موضوع آخر.
وعلي الرغم من أنني نادرا أسطر مقالا في هذه المساحة عن عمل إبداعي أو فني, وعلي الرغم كذلك أننا لم نشهد بعد ما يجاوز اثنتي عشرة حلقة من ذلك المسلسل المهم, فقد رأيت من واجبي ومن دون استعجال مناقشة القضية المحورية في العمل ذات الحضور السياسي الهائل, لا بل والتي تكتظ تجلياتها في الساحة الوطنية الآن علي نحو لم يكن حادثا من قبل, ولعلها إحدي تداعيات المخاض الفكري والثقافي, والمزاجي الكبير الذي أعقب أحداث يناير .2011
وربما كان من حسن الفطن أن أرجيء الآن حديثي عن الأداء الاعجازي للدكتور يحيي الفخراني, الذي يدهشنا في كل مرة نشاهده فيها بتقمصه نمطا جديدا صعبا, وعلي نحو تسوده الطبيعية والاسترسال, لا الصنعة والافتعال, مقدما درس تشخيص ممتعا في سلاسل لا نهائية من الاختراع, والابتكار, والاسترجاع, والاستلهام.
وسبب إرجائي الحديث عن قدرة ذلك الفنان الاستثنائي إلي مقال آخر, هو رغبتي في طرح قضية العمل الرئيسية المتعرضة لذلك التضاغط بين السلفيين والصوفيين, في ظل مناخ ثقافي استقطابي (فرضته علينا عوامل سياسية إقليمية ودولية) بين ثقافة وحضارة الصحراء في مواجهة ثقافة وحضارة الماء, وبمرافقة حضور ثقيل لأجهزة دولة إدارية وسياسية وأمنية جاهلة, استخدمت ثنائية (سلفي/ صوفي) لتحقيق أهداف ضيقة جدا أضرت مصر ولم تنفعها.
العمل يتعرض لذلك الجانب السمح في الشخصية المصرية, الذي يتعلق بارتباطنا وأولياء الله الصالحين, ومقاماتهم, وما كان من سيرهم وموالدهم, والذي لا يعني في أية صورة دروشة أو ابتعادا عن صحيح الدين, إذ أن تعلق المصريين بالصوفية لم يك بجوانب أدخلها غير المتعلمين والجهلة في طرق التصوف, ولكنه كان بمعني الإيمان وشدة العبادة, ولذلك فأنا من الذين لا يميلون كثيرا أو قليلا إلي تفسير لفظة الصوفية بأنها توميء إلي لابسي الصوف (زهدا وإعراضا واخشيشانا), أو أنها من (الصوفة) لان الصوفي مع المولي كالصوفة المطروحة في استسلام ودعة أو أنها من (الصفة) لأن صاحبها تابع لأهل الصفة الذين هم الرعيل الأول من أهل التصوف, وإنما اقتنعت أنها من( الصفاء) واستحضرت في ذهني دوما بيت الشعر الذي يقول: ولست أمنح هذا الاسم غير فتي.. صفا فصوفي حتي سمي الصوفي. ويرتبط اللفظ عندي كذلك بالدور الوطني والقومي الذي لعبه الصوفيون في مراحل التاريخ المصري والعربي, إذ كان منهم سيدي عبد الرحيم القنائي الذي خرج لمحاربة التتار مع قطز, ومنهم سيدي أحمد البدوي الذي صد عنا غزوة صليبية شهيرة أسرنا فيها لويس السادس عند المنصورة, وصلاح الدين الأيوبي, وسيدي عبد القادر الجزائري, وسيدي عمر المختار.. وقد استغرقتني مطالعات طويلة لنصوص محيي الدين بن عربي, والحلاج, وابن الفارض, والإمام القشيري, والإمام الغزالي, وجلال الدين الرومي, والإمام الشعراني, فأخذت بالجوانب الفنية والفلسفية في أثر الصوفي, حتي ظهرت استنادات واستلهامات كثيرة في رواياتي لتلك النصوص, كما توفرت علي دراسة فن المديح الشعبي لسنوات, وربما يساعدني علي ذلك الآن وجود قناة فضائية مخصصة للمدح, وأحسست دائما أن روح الصوفية الحقيقية هي ملمح أصيل يعكس التكوين المصري أو الشخصية الوطنية, وهذا ما أسجل ظهوره بوضوح في مسلسل( الخواجة عبد القادر), الذي كتبه باقتدار الأستاذ عبد الرحيم كمال( نفس المؤلف الذي أتحفنا بشيخ العرب همام والرحايا في السنوات الماضية), إذ حرص المسلسل علي تفسير تعلق المصريين ببركة الأولياء, وبحضارة وثقافة الماء, وفهم الإسلام بوصفه دينا عالميا, منفتحا علي الآخر ومتسامحا لا يقبع في أسر روح انغلاقي يسوده رهاب الأجانب, أو كراهتهم والخوف منهم xenophobia,.
وعن التسامح الذي أشاعته الصوفية, أذكر أن الشيخ ياسين التهامي حل بلندن ضيفا علي إحدي المؤسسات الثقافية المصرية, ولقد رأيت بعيني رأسي مئات البريطانيين يقفون علي أطراف الأصابع, صامتين حتي يستمع المرء إلي رنين ابرة تسقط علي الأرض, مشدوهين مبهورين بما يردده الشيخ ياسين من أشعار إبن الفارض, كما رأيت دموع البنات الإنجليز تسح تجاوبا مع الإحساس الذي أشاعه إنشاد بلغة لا يدركون حرفا واحدا من معانيها, وهذا بالضبط هو جوهر التحول الذي شهده المهندس هربرت دوبرفيلد حين استمع إلي صوت الحضرة يتناهي إليه علي الرغم من بعد استراحته ( لثمانية كيلو مترات) عن موقع الذكر والإنشاد, فقاده ذلك الإحساس المهيمن الغامض إلي طريق طويل ورائع جعل منه الخواجة عبد القادر, ثم في نهاية المطاف الشيخ عبد القادر صاحب المقام, وهذا أيضا هو جوهر التحول الذي شهدته شخصية هربرت من رجل سكير مسكون, بفكرة البحث عن الموت, إلي رجل فائق ممتليء بمعني حب الحياة.. ولقد نجح الأستاذ عبد الرحيم كمال في عبوره السهل الممتنع علي مفردات الثقافة الاصطلاحية الصوفية مثل: ( الأنس) و(الاتصال) و(التجريد) و(الوجد) و( التواجد) و( الغيبة)و(الجمع) وأمعن شرحها في مشاهد استقطار هربرت لحكمة القطب الصوفي السوداني. وحسنا فعل الأستاذ عبد الرحيم حين لم يحاضرنا علي نحو تلقيني أو خطابي وإنما مرر ما يشاء ببساطة وخفوت جميلين جدا.
وفي مقام الاحتفال بذلك النص التليفزيوني, أشير إلي أن قسما كبيرا من عبقرية التناول كان في تلك المزاوجة المتواصلة بين زمنين (الحاضر) و(الماضي), والأصل في مثل تلك الأعمال أن يتم الارتجاع إلي الماضيFlash-back لمرة أو مرات معدودة, بل إن بعض الفنيين لا يحبوا الالتجاء إلي ذلك الأسلوب الفني من الأصل والأساس.. ولكن عبد الرحيم كمال وعلي نحو وظيفي نجح عبر تلك التبادلية المتكررة والكثيفة بين زمن الخواجة عبد القادر والزمن الحالي, أن يضع عشرات الخطوط تحت معني الإسقاط الذي يقصده للتوكيد والتكريس, وليجعل من قضية هربرت دوبرفيلد أو الخواجة عبد القادر تجليا جديدا لمعني التصوف عند الحلاج (جهاد في سبيل الحق وليس مسلكا فرديا بين المتصوف والخالق) وهو ما تبدي حين جاء هربرت من السودان إلي الحورية بسوهاج وشارك المصريين كفاحهم ضد بني وطنه من الإنجليز, وهذا بيقين موطن الجمال في شخصية الخواجة عبد القادر التي أبدع هذا المسلسل رسمها وتحليلها!
المزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.