انطلاق فعاليات المبادرة القومية "أسرتي قوتي" بديوان عام محافظة الجيزة    صديق للبيئة.. طلاب تربية نوعية الفيوم يبدعون في معرض "فنون مستدامة".. صور    رئيس جامعة كفر الشيخ يتفقد معامل ومدرجات الطب البيطري لمتابعة أعمال التطوير    البنك السعودي الأول يُكرَّم بجائزتين من Global Banking & Finance Review لعام 2025    بريطانيا تتراجع 5 مراتب في تصنيف التنافسية الضريبية العالمي بعد زيادة الضرائب    زيلينسكي يصف الاجتماع مع ترامب بالإيجابي رغم عدم حصوله على صواريخ توماهوك    منتدى أسوان للسلام منصة إفريقية خالصة تعبّر عن أولويات شعوب القارة    «سيدات يد الأهلي» يخسر من بترو أتلتيكو في نهائي بطولة أفريقيا لليد    روني: لن أتفاجأ برحيل صلاح عن ليفربول    حقيقة مفاوضات حسام عبد المجيد مع بيراميدز    دهس 3 أشخاص بسبب فتاة.. التفاصيل الكاملة لمشاجرة أمام نادي شهير بالشيخ زايد    مصرع وإصابة 8 أشخاص فى حادث مرورى بالمنيا    وكيل تعليم الفيوم يشيد بتفعيل "منصة Quero" لدى طلاب الصف الأول الثانوي العام.. صور    هيئة السكة الحديد تعلن مواعيد قطارات المنيا – القاهرة اليوم    جمال بخيت يشعل وجدان جمهور معرض الأقصر للكتاب في أمسية شعرية مميزة    حوار| وائل جسار: مصر بلد الفن.. ووجودى فيها تكريم لمسيرتى الفنية    إسراء عصام: أشارك للسنة الثانية في مهرجان الموسيقى العربية.. وأغني "أنساك" تكريمًا لكوكب الشرق    نقابة الأشراف تعليقا على جدل مولد السيد البدوي: الاحتفال تعبير عن محبة المصريين لآل البيت    غدًا.. أساتذة طب الفيوم يناقشون أمراض الحنجرة والتهابات الأذن    محافظ أسوان يتفقد مركز الأورام ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    نساء 6 أبراج تجلبن السعادة والطاقة الإيجابية لشركائهن    تكريم ستة فائزين بمسابقة المنصور الجامعة للأمن السيبراني    أمينة الفتوى: الزكاة ليست مجرد عبادة مالية بل مقياس لعلاقة الإنسان بربه    هل يشترط وجود النية في الطلاق؟.. أمين الفتوى يوضح    المغرب يستضيف بطولة للكرة النسائية بمشاركة تاريخية لمنتخب أفغانستان    محمد الحمصانى: طرحنا أفكارا لإحياء وتطوير مسار العائلة المقدسة    «القومي للبحوث» يناقش تطوير علم الجينوم بمشاركة خبراء من 13 دولة    نتنياهو: مصرون على تحقيق جميع أهداف الحرب في غزة ونزع سلاح حماس    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار بين باكستان وأفغانستان    هشام جمال يكشف تفاصيل لأول مرة عن زواجه من ليلى زاهر    مصدر من الأهلي ل في الجول: ننتظر حسم توروب لمقترح تواجد أمير عبد الحميد بالجهاز الفني    قرار وزارى بإعادة تنظيم التقويم التربوى لمرحلة الشهادة الإعدادية    "بين ثنايا الحقيقة" على مسرح السامر ضمن ملتقى شباب المخرجين    تشغيل 6 أتوبيسات جديدة غرب الإسكندرية لتيسير حركة المرور    ليست الأولى.. تسلسل زمني ل محاولة اغتيال ترامب (لماذا تتكرر؟)    حزن وبكاء خلال تشييع جثمان مدرب حراس المرمى بنادى الرباط ببورسعيد.. صور    بعد تهنئة إسرائيل له.. من هو الرئيس البوليفي الجديد رودريغو باز؟    مركزان ثقافيان وجامعة.. اتفاق مصري - كوري على تعزيز التعاون في التعليم العالي    الأمين العام الجديد للشيوخ يجتمع بالعاملين لبحث أليات العمل    «العمل»: التفتيش على 1730 منشأة بالمحافظات خلال 19 يومًا    مجلس إدارة راية لخدمات مراكز الاتصالات يرفض عرض استحواذ راية القابضة لتدني قيمته    طارق العشري: زعلت على نفسي بعد رحيلي من فاركو    لعظام أقوى.. تعرف على أهم الأطعمة والمشروبات التي تقيك من هشاشة العظام    وزير الصحة يطلق جائزة مصر للتميز الحكومي للقطاع الصحي    موانئ البحر الأحمر: تصدير 49 الف طن فوسفات عبر ميناء سفاجا    الرئيس السيسي يوجه بمواصلة جهود تحسين أحوال الأئمة والخطباء والدعاة    طالب يطعن زميله باله حادة فى أسيوط والمباحث تلقى القبض عليه    تأجيل محاكمة 3 متهمين بالتنظيم الثلاثي المسلح لسماع أقوال شاهد الإثبات الأول    اتصالان هاتفيان لوزير الخارجية مع وزيري خارجية فرنسا والدنمارك    علي هامش مهرجان الجونة .. إلهام شاهين تحتفل بمرور 50 عامًا على مشوار يسرا الفني .. صور    «نقابة العاملين»: المجلس القومي للأجور مطالب بمراجعة الحد الأدنى كل 6 أشهر    التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 330 وظيفة مهندس بوزارة الموارد المائية    سعر الأرز الأبيض والشعير للمستهلك اليوم الإثنين 20اكتوبر 2025 فى المنيا    روح الفريق بين الانهيار والانتصار    حبس المتهم بانتحال صفة موظف بخدمة عملاء بنك للنصب على مواطنين بالمنيا    تقارير: اتحاد جدة ينهي تجديد عقد نجم الفريق    د. أمل قنديل تكتب: السلوكيات والوعي الثقافي    سهام فودة تكتب: اللعب بالنار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالناصر.. ومرثية العمر الجميل
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 01 - 2018


درويش: نحاول ألَّا نموت معك
نزار: قتلناك يا آخر الأنبياء
حجازى: من يا حبيبي جاء بعد الموعد المضروب للعشاق فينا
دنقل: لا وقت للبكاء
الجواهرى: العظيم المجد والأخطاء
عبدالصبور: لا لم يمت
فؤاد حداد: عارف القمح أكبر معجزات النيل
صلاح جاهين: حتى الرسول مات
الأبنودى: فساد القوم نسانى حتى زنازينه
نجم: كل الجراح طابت

كان خبر موت عبدالناصر المفاجىء وعمره 53 عاما صاعقا للجميع، وكان أكبر من قدرة المبدعين والشعراء على الاحتمال. كان موتا للأحلام الكبيرة، أحلام الوطن بالتحرير، والفقراء بالكرامة، والأحرار بالعدل، والشرفاء بالمساواة.
ولذلك جاءت المرثيات الشعرية لتبكى الأحلام الضائعة والعمر الجميل، كان الشعراء يرثون أنفسهم وأحلام أمتهم التى راجت مع الراحل الكبير.
فكتب أحمد عبدالمعطى حجازى قصيدة من أجمل قصائده «الرحلة ابتدأت» يخاطب فيها عبدالناصر كحبيب وعاشق، وتكون مفردات المحبين والعشاق مثل الليل والندى والشمس والسهر والأشجار هى المسيطرة على القصيدة التى تقطر حزنا رومانسيا شفيفا.
من يا حبيبى جاء بعد الموعد المضروب للعشاق فينا الفجر عاد ولم أزل سهران استجلى وجوه العابرين فاراك! لكن بعد ما اشتعل المشيب وغضا الدهر الجبينا لا تبتئس إن تأخرنا، فبعد اليوم لن يصلوا لنا ليفرقونا، وعندما رف الموت بجناحيه وأخذ عبدالناصر هربت الأشجار وأمعن كل شيء فى الغياب. وأخذ شاعرنا بيد حبيبته واختفيا فى زحام الناس الذين كانوا يشاركونه نفس الحالة فلا يعرفون أين يذهبون.. ولا كيف تشرق الشمس وناصر غير موجود بالمدينة.
كأن طير الموت يرف بجناحيه الأسودين، على الكآبة والسكينة تتراجع الأشجار هاربة، وتشخص حولنا الأشياء ثم تميل ساقطة وتمعن فى الأفول وأشد صاحبتى ونرحل فى زحام الناس،لا ندرى غدا ماذا يكون، وكيف تشرق شمسه فينا، ولست على المدينة!
ثم يستخدم لغة العدودة أو موسيقاها ليكتب بحزن يمس القلب
واناصراه..
مالت رءوس الناس فوق صدورهم، وتقبلوا فيك العزاء،
وأجهشت كل المدينة بالبكاء!
كونى ندى يا شمس أو غيبي
فاليوم يرحل فيك محبوبي!
كونى ندى يا الشمس هذا اليوم
عين الحبيب استسلمت للنوم
ولا يصدق حجازى موت عبدالناصر لكن يحلم بعودته للفقراء المنتظرين العودة المستحيلة ليمنحهم القرب والأمان.
يا أيها الفقراء يا ابناءه المنتظرين مجيئه.. هو ذا أتي!
خلع الإمارة وارتدى البيضاء والخضراء، وافترش الرمال هو ذا أتي!
ليمر مرته الأخيرة فى المدينة
ثم يأوى مثلكم فى كهفها السرى يستحر لظاها
يستنهض الموتى ويجمعكم ويصعد ذات يوم مثل هذا اليوم، يعطيكم ستار لها، ويمنحكم قراها
ثم يكتب حجازى رائعته الثانية مرثية للعمر الجميل فى سبتمبر عام 71 يرثى فيها نفسه وأحلامه الضائعة أحلام الوطن وأحلام الفقراء التى تحولت فى لحظة ما إلى هزيمة وفى لحظة أخرى إلى موت لصانع الأحلام
من ترى يحمل لأن عبء الهزيمة فينا
المغنى الذى طاف يبحث للحلم عن جسد يرتديه
أم هو الملك المدعى أن حلم المغنى تجسد فيه
هل خدعت بملكك حتى حسبتك صاحبى المنتظر
أم ضرعت بأغنيتى
وانتظرت الذى وعدتك به ثم لم تنتصر
أم خدعنا معا بسراب الزمان الجميل؟!
ثم يخاطب حلمه الذى تحول إلى سراب رغم أن المدينة كلها بايعته على أن يضع ما يشاء حتى يعيد العدل المفقود للفقراء
آه يا سيدى!
كم عطشنا إلى زمن يأخذ القلب
قلنالك اصنع كما تشتهي
وأعد للمدينة لؤلؤة العدل
للؤلؤة المستحيل الفريدة
صاح بى صائح لا تبايع!
ولكننى كنت أضرب قيثارتي
باحثا عن قرارة صوت قديم!
لم أكن أتحدث عن ملك، كنت أبحث عن رجل
أخبر القلب أن قيامته أوشكت.
كيف أعرف أن الذى بايعته المدينة
ليس الذى وعدتنا السماء؟!
ثم يعود ويسأل نفسه فى أسى وحزن يصل به إلى التشكك فى كل مثله وأحلامه. فيسأل هذا الحلم الراحل البعيد هل هو الفارس الذى انتظرته المدينة أم أن أحلامنا كانت على خطأ فالرحيل أفقد الشاعر يقينه
هل كنت أنت الذى انتظرته المدينة
هل كنت أنت؟!
آه لا تسألونى جوابا
أنا لم أكن شاهدا أبدا
أننى قاتل وقتيل
وطالب لؤلؤة المستحيل
ويختم حجازى رائعته بحالة الضياع التى يحس بها بعد فقد الزعيم وفقد الأمل فى تحرير البلاد من السقوط القديم فى غرناطة والجديد فى النكبة.
اننى ضائع فى البلاد
ضائع بين تاريخى المستحيل
وتاريخى المستعاد
حامل فى دمى نكبتي
حامل خطئى وسقوطي
هل ترى أتذكر صوتى القديم
فيبعثنى الله من تحت هذا الرماد
أم أغيب كما غبت أنت
وتسقط غزناطة فى المحيط
أما الشاعر أمل دنقل فتذكر مرارة النكسة ورفضى الحزن والبكاء والأعلام منكسة فى سيناء.. والابناء يستشهدون كل يوم لا وقت للبكاء
فالعلم الذى تنكسينه على سرادق العزاء
منكس فى الشاطىء الآخر، والأبناء
يستشهدون كى يقيموا تبة
ويقول: إنه رأى فى الحزن إرادة النصر التى أمرت لويس التاسع فى المنصورة
والتين والزيتون وطور سنين. وهذا البلد المحزون
لقد رأيت ليلة الثامن والعشرين من سبتمبر الحزين رأيت فى هتالف شعبى الجريح
رأيت خلف الصورة
وجهك يا منصورة
وجه لويس التاسع المأسور فى يد صبيح!
رأيت فى صبيحة الأول من تشرين
جندك يا حطين
يبكون، ولا يدرون
أن كل واحد من الماشين فيه صلاح الدين
ويكتب الشاعر الراحل محمود حسن إسماعيل عن لحظة الحزن العظيم عندما كسا الحزن والأسى كل شيء.
وفى لحظة.. أسقط الغيب فيها على كل شيء أسى لا يراه عميق.. عميق.. تجب الظنون، على كل حس تلاشى مداه سحيق.. سحيق.. كما لو نزحت من الروح كل حياة الحياة لكنه رغم، انطفاء الجسد مازالت روح عبدالناصر تهدد بالضوء والسنا لكل من ارادوا الحياة مادام فى الحياة ثوار.
لكل الذين أرادوا الحياة
ورغم انطفاء السراج على عتبات الجسد
فمازال منه السنا هادر للأبد!!
تحلق رآياته فى المآذن
وتنطق أياته فى القرى والمدائن
ومادام فى الأرض حرٌّ وثائر
وما دام فيها حياة
فما مات ناصر
ولا غربت من يديه الحياة.
وكتب الشاعر الكبير محمود درويش بردية حزينة بعنوان الرجل ذو الظل الأخضر.. يحاول أن يمنع نفسه من الموت مع الزعيم.. بعد أن نبتت فوق ضريحه سنابل القمح.
نعيش معك
نسير معك
نجوع معك
وحين تموت
نحاول ألا نموت معك
ففوق ضريحك ينبت قمح جديد
وينزل ماء جديد
وأنت ترانا نسير نسير نسير
ويحاول الشاعر صلاح عبدالصبور أن يقطع الشك باليقين فى مسألة موت عبدالناصر:
لا لم يمت
وتظل أشتات الحديث ممزقات فى الضمائر،
غافيات فى السكينة
حتى تصير لها من الأحزان أجنحة
تطير بها كلاما مرهقا، يمضى ليلقفه الهواء يرده، لترن فى جدران دور مدينة الموت الحزينة أصوات أهليها الذين نبتت بهم سرر البكاء يتجمعون على آرائك السحر الفقير معذبين ومطرقين
الدمع سقياهم وخبزهم التأوه والأنين يلقون بين الدمعتين زفير الأسئلة
هل مات من وهب الحياة حياته؟
حقا!! أمات؟
ويجيب أنه لم يمت بعد أن تجمع الشعب وراء نعشه وصاح عاشت مصر، وهذا الصياح يعنى أنك لم تمت لأنك بعض ثراها الذى لا يضيع أبدا.
هل مت.. لا..
بل عدت حين تجمع الشعب الكسير وراء نعشك إذ صاح بالالهام
مصر تعيش.. أنت اذن تعيش
فأنت بعض من ثراها
بل قبضة منه تعود إليه، تعطيه ويعطيها ارتعاشاتها، وخفق الروح يسرى فى بقايا تربها، ودما دماها مصر الولود نمتك ثم رعتك
ثم استحلفتك على ذراها
ثم اصطفتك لحضنها لتصير أغنية ترفرف فى سماها.
ويصرخ الشاعر الكبير نزار قبانى بصوت مختلف ليقول إن عبد الناصر لم يمت فقط وإنما نحن قتلناه.. وأننا فعلنا ذلك كثيرا طوال تاريخنا فأيامنا كلها قتل للأنبياء والصحابة كما حدث فى كربلاء..
قتلناك يا آخر الأنبياء
قتلناك.. ليس جديدا علينا
اغتيال الصحابة والأولياء
فكم من رسول قتلنا
وكم من إمام ذبحناه وهو يصلى العشاء
فتاريخنا كله محنة.. وأيامنا كلها كربلاء.
وبعد أن تهدأ حالة الفوران والغضب يكتب إليه قصيدة أخرى حزينة بعنوان «رسالة إلى عبد الناصر» والدنا جمال عبد الناصر..
عندى خطاب عاجل إليك..
من أرض مصر الطيبة
من ليلها المشغول بالفيروز والجواهر..
. . . . . . .
. . . . . . .
والدنا جمال عبد الناصر
الزرع فى الغيطان والأولاد فى البلد
ومولد النبى والمآذن الزرقاء
والأجراس فى يوم الأحد
وهذه القاهرة التى غفت
كزهرة بيضاء فى شعر الأبد..
يسلمون كلهم عليك
يقبلون كلهم يديك
ويسألون عليك كل قادم إلى البلد
متى تعود للبلد؟
ثم يعود نزار إلى حالة عدم التصديق التى عاشها كل الشعراء فيرفض موت عبد الناصر، فالهزم لا يموت وإنه فقط نام، ودخل غرفته كى يرتاح وسوف يصحو مع الشمس وعطر التفاح.
السيد نام
السيد نام كنوم السيف العائد من إحدى الغزوات
السيد نام مثل الطفل الغافى فى حضن الغابات
السيد نام
وكيف أصدق أن الهرم الرابع مات؟
القائد لم يذهب أبدا
بل دخل الغرفة كى يرتاح
وسيصحو حين تطل الشمس
كما يصحو عطر التفاح.
وفى نهاية القصيدة يقر أن عبد الناصر موجود فينا وفى كل شيء حولنا من الرغيف للزهر للأوانى لنجوم الصيف لرمل الشاطئ وحتى فى الصلوات وكلمات الحب والأغنيات..
السيد موجود فينا
موجود فى أرغفة الخبز
وفى أزهار أوانينا
مرسوم فوق نجوم الصيف
وفوق رمال شواطينا
موجود فى أوراق المصحف
فى صلوات مصلينا
موجود فى كلمات الحب
وفى أصوات مغنينا
موجود فى عرق العمال
فى أسوان وفى سينا
مكتوب فوق بنادقنا
السيد نام
وإن رجعت
أسراب الطير.. سيأتينا:
الشاعر فاروق شوشة يدخل إلى حزنه مع شجر الصفصاف والصبار الذين صلوا لموت عبد الناصر صلوا صفا واحدا.
وانحنت (صفا) صفصافة كانت على النهر تصلى وانثنت حبارة تغمس فى الشط المدمى راحتيها وهى تبكى..
كلثم الأرض التى ضمتك عودا فارعا كالسنديان
ويحاول فاروق شوشة أن يفسر الحزن الذى حدث بغياب الدفء والحنان للفقراء:
ما الذى فجر هذا الحزن فى قلب الرجال حزن آلاف الليالى والتواريخ العقيمة أجريت من لقمة الخبز ومن طعم الأمان عريت من كسوة العارى ومن دفء الحنان ودعاوى الأنبياء..
أما الشاعر العراقى الكبير محمد مهدى الجواهرى فيكتب القصيدة صاحبة أبرع شطر فى وصف عبد الناصر «العظيم المجد والأخطاء». وهى قصيدة كلاسيكية طويلة أكثر من 120 بيتا بعنوان «فى ذكراك الأولى يا ناصر».
أكبرت يومك أن يكون رثاء.. الخالدون عهدتهم أحياء
يا قائد الجيش الشهيد أمضه.. شوق فزار جنوده الشهداء
أكبرت يومك أن يكون رثاء.. أجعلت عنه موعدا ولقاء
ثم يقول:
لا يعصم المجد الرجال، وإنما.. كان العظيم المجد والأخطاء
ويكتب الشاعر سميح القاسم عن «عرس الموت» الذى يمتد لأعوام قبل أن يستطيع القدرة على معانقة الرجل القادم من الأحلام..
أرهقنى الرقص.. وعرس الموت
يمتد لأعوام على أعوام
خوفى، يمر الوقت
ولم أعانق سيدى الآتى من الأحلام
وينهى قصيدته بأنه سيبكيه فى كل وقت
وعلى كل حال.. ولكن واقفا صادما،
جمال يا جمال
أبكيك لكن واقفا
وصامدا وزاحفا
أبكى من المحيط للخليج
أبكيك لكن.. إلى الأبناء والأحفاد
كيف يكون الصبر والجهاد
وكيف تحمى شرف الرجال مصارع الرجال
أما الشاعر معين بسيسو فيرثى الكرسى الكبير الشاغر والأطفال الحزانى يحملون صورته ولا يعرفون أين يذهبون؟
هى ذى مصر
طفل من بولاق
محمول فوق الأعناق
يرفع صورتك، ولا يعرف أين يسير
والحرية تتحسس أصابعها المرتعشة
أوراق جواز السفر، وأوراق الجنسية
كنت جواز السفر، وكنت لها الجنسية
والكرسى الشاغر يا عبد الناصر
هذا الجرح الفاغر فمه،
أكبر من كل ضمادة.
ويكتب الشاعر السودانى محمد الفيتورى عن العاصفة الرؤيا والتاريخ والأوسمة التى غطت الجسد المسجى، بينما الموت يقيم سرادق العزاء لمن ولدته ملايين الأرحام، وعاش ملايين الأعوام..
الآن وأنت مسجى
أنت العاصفة، الرؤيا، التاريخ، الأوسمة، الرايات
الآن وأنت تنام عميقا، تسكن فى جنبيك الثورة، ترتد الخطوات
تعود الخيل مطأطئة من رحلتها، مغرورقة النظرات
الآن يقيم الموت سرادقه العالي
يتدفق كالأمطار على الساحات
الآن يكون الحزن عليك عظيما.. وللمأساة
الآن وهم يبكون وكأن ملايين الأرحام.. ولدتك.
وأنك عشت ملايين الأعوام
عم الشعراء فؤاد حداد رثى عبد الناصر بقصيدة عامية طويلة بدأها بأنه أحب الموت بعد أن صارت سفينة نوح..
حبيت أموت
واللى عشته من السنين نوح
وشفت عينى بفجرى دليلى تطوح
وسمعت فيها البلد والشعب والقرآن
ولقيت يتيم شرقان ولقيت شهيد عرقان
ولقيتنى زى الجمل طالع جبل قلقان
واللى انكتب على الجبين لازم يشوفه البحر
ما يعرف البحر غير اللى اتولد غرقان
ويقول فيها:
عارف القمح أكبر معجزات النيل
وفى كل مطرح من العالم وكل صباح
طعم الرغيف مصرى وأصول العرق فلاح
يا حضن مصرى يا طلعة فجر ياريس
مع السلامة يا والد يا أحسن شهيد
آدى الرقابى ودى الأعلام بتتنكس
فين طلتك فى الرقايق تسبق المواعيد
والابتسامة اللى أحلى من السلام بالإيد
أما صلاح جاهين الذى أحب عبد الناصر لدرجة الاكتئاب فكان إذا انتصر عبد الناصر تصبح حالة جاهين المزاجية فى السماء وإذا انهزم يكون الاكتئاب!
فماذا يكتب هذا العبقرى عندما يموت الزعيم الذى كان يتماس مع أحلامه وأمانيه؟
ضبط صلاح جاهين نفسه مستسلما لقضاء الله وقدره.. فلولا الإيمان لأصاب جاهين الجنون.. وحتى يهدئ من نفسه بدأ قصيدته التى سماها «أمر الله».
حتى الرسول مات وأمر الله لابد يكون.. بس الفراق صعب واحنا شعب قلبه حنون.. وحشتنا نظرة عيونك للبلد يا جمال.. والحزم والعزم فيها وحبها المكنون.. وحشتنا عبسة جبينك وانت بتفكر..
ونبرتك وانت بتعلمنا وتفسر
وبسمة الود لما تواجه الملايين
وقبضة اليد لما تدق على المنبر
وقبضة اليد لما تلاطم الجرانيت
وترفع السد عالى المجد عالى الصيت
وتأدب النيل وتحكم مية الفيضان
ما تعدى نقطة سوى بالخطة والتوقيت.
وفى قصيدة أنغام سبتمبرية، يوقف جاهين شريط الحياة على هذه اللحظة من عمر الوطن قبيل وفاة عبد الناصر.. وينقل لنا الصورة الرائعة لوطن فى حالة ثورة دائمة واستبسال..
وقف الشريط فى وضع ثابت
دلوقت نقدر نفحص المنظر
مفيش ولا تفصيلة غابت
وكل شيء بيقول وبيعبر
من غير كلام من غير صوت
أول ما ضغط الموت
بخفة وبجبروت فى يوم أغبر
على رزق الملكوت
وقف الشريط فى وضع ثابت
دلوقت تقدر تفحص الصورة
أنظر تلاقى الراية منشورة
متمزعة لكن مازالت فوق
بتصارع الريح المسعورة
وأنظر تلاقى جمال
رافعها باستبسال.
أما الخال عبد الرحمن الأبنودى فإنه طلب من الذين يريدون منه أن يكف عن مدح عبد الناصر أن يعيدوا للأمة رجولتها واستقلالها وأن يعيدوا ما سرقوه من قوت الشعب..
خدوا كل اللى حيلتنا من ألوفات
اللى اتنهبوا.. واللى لسه حيتنهبوا
وردوا للأمة رجولتها ونخوتها وقدرتها
ردوها من تابع مذلول.. لزعيمة الاستقلال
من قطعان سابحة.. لرجال
ردولها كل اللى سرقتوه من مال
ردوا للشعب رغيفه المخطوف
وبالمجانى رجعوا للطفل الكراسي
ابنو على شط النيل المصنع جنب المصنع
ردوا للجندى المصرى وظيفة المدفع
ردوا الوطن المسروق
ردوا الجمعية للفلاحين
ردوا المصنع للعمال
لو تقدروا تخرجوا م الأغلال
اللى كتفكم بيها اللى علمكم لعبة رأس المال
لو غيرتوا الحال
أقسم قدام شعبى أغنى لكم من قلبي
وعمرى ما أغنى تانى.. ل.. جمال.
وفى قصيدة تناتيش يقول يفسر موقفه رغم سجنه أيام عبد الناصر يقول:
مش ناصرى ولا كنت فى يوم
بالذات فى زمنه وفى حينه
لكن العفن وفساد القوم
نسانى حتى زنازينه
وهو نفس موقف الشاعر أحمد فؤاد نجم الذى توفى عبد الناصر ونجم ومعه الشيخ إمام معتقلان بتهمة الإساءة إلى نظام الحكم.. لكن عندما سمع نبأ الوفاة راح فى نوبة بكاء طويلة.. وبعدها بمدة يكتب قصيدة زيارة إلى ضريح عبد الناصر..
فلاح قليل الحيا
إذا الكلاب عابت
ولا يطاطيش للعدا مهما السهام صابت
عمل حاجات معجزة
وحاجات كثير خابت
وعاش ومات وسطنا
على طبعنا ثابت
وإن كان جرح قلبنا
كل الجراح طابت.
القصائد موجودة فى الأعمال الكاملة لعبد المعطى حجازى ونزار قبانى ومحمود درويش وأمل دنقل وفؤاد حداد وصلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم وفى كتاب أشعار ناصرية إعداد سعيد عنبة ومحمد عوض الله.
من جميع البلاد والمدن والقرى جاءوا يركبون الخطر على ظهر القطار ليشاركوا فى وداع «الزعيم» حبيب الملاي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.