الموت هو الحقيقة الأكثر تأكيدا، من الحياة، فأنت متأكد الآن أنك ستموت، لكنك لست واثقا، من أنك قد تعيش ثانية واحدة قادمة، والله سبحانه وتعالى قدم الموت على الحياة فى سورة تبارك حين قال عز وجل: "تبارك الذى بيده الملك وهو على كل شىء قدير، الذى خلق الموت والحياة، ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور" وقيل فى بعض التفسيرات، أن الله قدم الموت على الحياة فى الآية الكريمة، لأن موت المخلوقات أقدم من حياتها، حيث أوجدها فى البداية من العدم، الذى هو أيضا فى حكم الموت. احيانا يموت بعض الناس الذين نحبهم، او الذين إعتدنا على وجودهم الجميل فى حياتنا، وبفقدهم، تنهار بعض الجوانب من حياتنا، لا أقول تنهار حياتنا، لكنها تنهار إنهيارا جزئيا، فلا نعود بعدها كما كنا. قد نجلس بعدهم صامتون، نتذكر وجودهم، نستحضرهم، كأنهم موجودون معنا، رغم أننا نحيا بعدهم، لكننا نفقد إحساسنا بأشياء كثيرة فى الحياة، فلا الناس بعدهم، ولا الأماكن، يعود لها أى طعم، أو وقع فى النفس، ولا يكون لدينا الرغبة فى شىء، مجرد وقت نمضيه فى الدنيا، لأنه لازالت بأعمارنا بقية، سنوات أو شهور وأيام يجب أن نقضيها، حتى يحين موعدنا مع الموت، لنلحق بهم. أما بقية الأحياء حولنا، فمن مات قد يكون أغلى وأحضر منهم فى قلوبنا، لهذا فطريق الموت، قد يفقد هيبته، وتزول هالة الخوف منه لدينا، عندما يسبقنا إليه بعض أحبتنا، تماما كرحلة طويلة، وشاقة، لاتريد أن تخاطر بحياتك ومالك فيها، لكن بمجرد علمك بأن أصدقائك المقربون يستعدون للقيام بها، تسارع بالإنضمام إليهم، وتفرح بمرافقتهم، رغم كل ما تعلمه عن مخاطرها. كل الأحداث التى عاصرناها، رسخت لدينا نفس الفكرة التى "هونت"علينا الموت، حين سبقنا إليه كثير من الطيبين، والغريب أن أكثر من فقدناهم، من أفضل الناس خلقا، ومكانة فى القلوب، حتى أنهم أخذوا من نور أرواحنا معهم، ما جعل الحياة بعدهم تبدو كمصباح صغير جدا، بالكاد نستوضح به الطريق أمامنا لنمضى. الذين ماتوا، هؤلاء الأحباب، أخذوا معهم أرواحنا الحقيقة التى كانت تبتهج بوجودهم، لكنهم لم يموتوا موتا كاملا، فقد واريناهم قبورا فى التراب، وقبورا أخرى فى قلوبنا، ووضعنا فيها كل أشيائهم الجميلة التى عشناها معهم، ملامحهم الطيبة، إبتساماتهم المطمئنة، ضحكاتهم معنا، وكل أوقاتنا الثمينة التى زينت أعمارنا، وأعمارهم، وحين نشتاق إلى رؤيتهم، ليس علينا سوى أن نغمض أعيننا، فى هدوء، ونفتح إليهم عيون القلب، ونبثهم أشواقنا الخرساء. الذين ماتوا دوننا، ورقدوا فى أماكنهم البعيدة، لم يموتوا موتا كاملا، وبموتهم جعلونا لا نحيا حياة كاملة. [email protected] لمزيد من مقالات وفاء نبيل ;