فرصة عظيمة أن اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور المصري الجديد مازالت قائمة, وأوشكت علي الانتهاء من إعداد معظم المواد.. وفي إمكان اللجنة الموقرة التي ولدت من رحم الثورة المصرية التي جاءت للتغيير نحو الأفضل للحياة المصرية برمتها, أن تطلع علي بعض من الأفكار التي سبق أن أوردتها في عدة مقالات سابقة في عامي2006 و2007 عندما كان النظام يسمح للكتاب والصحفيين والمفكرين أن يكتبوا ما يشاءون, مقابل أن يفعل هو النظام ما يريد.! تركزت هذه المقالات علي ما أسميته وقتها أصنام صنعناها بأيدينا وظللنا عليها عاكفين.. وقصدت بها صنم ال50% عمال وفلاحين في المجالس النيابية والمحلية, وصنم مجانية التعليم. فقد كان مفهوما انه عقب ثورة يوليو ومع بدء عصر التنظيم السياسي الواحد وطبقا لمعطيات الأوضاع في ذلك الوقت ان يلجأ أصحاب السلطة إلي بناء برلمان يتناغم ويتناسب مع نظام الحكم الجديد, فلا يصطدم به أو يتعارض معه.. وكان من الضروري ان يبتعد البرلمان بقدر الامكان عن أسباب الخلافات أو الانشقاقات بين أعضائه الذين كان عليهم ان يقفوا صفا واحدا وراء السلطة الجديدة.. ومن هنا جاءت فكرة تخصيص نسبة50% علي الأقل من مقاعد البرلمان للعمال والفلاحين وهي القوي التي كانت مهمشة في عصر ماقبل الثورة ورأي النظام أن هذه النسبة هي الضمان علي ألا يتعارض البرلمان مع التنظيم الحزبي والسياسي الواحد الذي كان يحكم البلاد وقتذاك. أما وقد انتقل النظام السياسي من مرحلة الحزب الواحد إلي التنوع والتعدد الحزبي, فلامعني للاصرار علي هذه النسبة.. والغريب ان هذه النسبة المقدسة كانت تتعارض مع الدستور الذي عاشت وترعرعت في ظلاله حيث كان ينص علي أن المصريين جميعهم متساوون في الحقوق السياسية. وفي ظل صنم ال50% لا يجب ان نستغرب أسباب التعثر في اقامة نظام سياسي تعددي حقيقي يؤمن بفكرة التداول السلمي للسلطة من خلال صناديق الاقتراع, بل والفشل في جذب رؤوس الأموال من الخارج بالشكل الذي كانت تطمح إليه خطط التنمية, وايضا الفشل في اقناع الطبقة الجديدة من رجال الاعمال الذين اغترفوا من أموال مصر والمصريين في الاحتفاظ بأموالهم داخل الوطن والاستثمار في مشروعاته التنموية.. وبالتالي الفشل في اللحاق بالفرص الحقيقية للخروج من عنق الزجاجة.. ذلك العنق الذي كسر اعناق الرجال. {{ الصنم الآخر الذي تحدثت عنه كان مجانية التعليم وأعرف انها منطقة شائكة واعترف بأنه لولا هذه المجانية التي رسخها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر, ربما كنت شخصيا ومعي الآلاف من أبناء الطبقة الوسطي والفقيرة, قد حرمنا من فرصة التعليم العالي.. ولكن يقيني أن منظومة التعليم منذ سبعينات القرن الماضي وحتي الآن قد اختلت فلسفتها وآلياتها ولم تعد كما كانت, بل تراجعت الي أدني المستويات.. وفي هذا العام 2006 كتبت أقول ان الزعيم الهندي جواهر لال نهرو سبق أن قال: لأن الهند فقيرة فلابد من زيادة ضخ الأموال في البحث العلمي.. ذلك البحث العلمي الذي مكن الهند فيما بعد من خوض التحديات الكبري في عالم التكنولوجيا وصولا الي دخولها النادي الذري وكسب قوة الردع والاحترام الدولي. ماذا دهانا في مصر؟!.. وما الذي جعل حياتنا في كل شيء خاصة في المجال العلمي مجرد كلام في كلام الي أن تدهورت أحوالنا العلمية الي الأكثر سوءا علي مستوي العالم؟. الذي حدث اننا خلقنا صنما وظللنا علي عبادته عاكفين.. صنم مجانية التعليم.. تلك المجانية الأكذوبة التي أوصلت الأسرة المصرية الي انفاق آلاف الجنيهات سنويا من اللحم الحي علي الدروس الخصوصية فقط من أجل أن يحفظوا ويتلقنوا.. وبمجرد انتهاء الامتحانات تتبخر كل معلوماتهم التي حشروها في أدمغتهم حشرا.. والنتيجة أنهم يلتحقون بالجامعة أميين ويتخرجون منها أيضا أميين الا من رحم ربي.. ناهيك عن البحث العلمي الذي أصبح مجرد أبحاث علي الورق معظمها مسروق من أبحاث قديمة, وهي في مجموعها لاتساوي سوي خناقات وصراعات بين الأساتذة الأجلاء من ناحية, وبينهم وبين الطلبة والباحثين خاصة القلة النابهة منهم من ناحية اخري.. والنتيجة تخريج أجيال جديدة من الباحثين كل همهم تعويض ما سبق أن عانوه من الذل علي أيدي الأساتذة, ونهب أموال تلاميذهم سواء في صورة كتب ومذكرات أو دروس خصوصية.. ومن المضحكات المبكيات أن تحرص الأسرة المصرية علي إلحاق أبنائها في مرحلة الحضانة والابتدائي والاعدادي والثانوي بالتعليم الخاص وما يتكلفه من آلاف الجنيهات, ثم تدخلهم الجامعات المجانية التي اصبح حالها كما اوضحنا. وعندما نحطم صنم مجانية التعليم فان الأمر لن يتسبب في أي ضرر بالأسرة المصرية, خاصة في الريف لأن المجانية يجب ان تبقي وتستمر في مرحلة التعليم الأساسي بحيث تكون الدولة مسئولة عن ضمان الحد الأدني من التعليم لكل أبنائها.. وايضا ضمان عدم تفشي الأمية من خلال تعليم حقيقي لا يتسرب منه التلاميذ وليس من خلال اكذوبة برامج محو الأمية التي ادخلتنا في حلقة مفرغة منذ60 عاما ولا نجد أميا واحدا قد محيت أميته بشكل جاد.. اما التعليم الثانوي العام فلابد ان يخضع للترشيد.. واذا كان المتقدمون لامتحان الثانوية العامة يفوق رقم ال400 ألف, فان هذا الترشيد سيعمل علي خفض هذا الرقم بنسبة كبيرة تتيح للنافذين الي التعليم الجامعي والعالي فرصا افضل للاستفادة من تعليم جامعي حقيقي. منظومة التعليم والبحث العلمي لابد ان تكون منظومة متكاملة مترابطة وهي تستحق اعادة النظر جذريا في فلسفتها واهدافها اذا كنا حقا جادين في أن نصبح أمة محترمة. ومادمنا بصدد كتابة دستور جديد يعبر عن الدولة المدنية التي نادت بها ثورة يناير فلابد من اثارة مسألة تفعيل المشاركة السياسية للأقباط من خلال حصولهم علي نسبة معقولة من التمثيل البرلماني تتوازي مع وضعهم الديموجرافي.. وفي العام2006 ايضا كتبت أقول أن عدم تمثيل الأقباط بالشكل المطلوب في المجالس النيابية حتي الآن إنما يرجع أساسا إلي عزوفهم عن العمل السياسي أكثر مما يرجع إلي أية عوامل أخري يريد البعض أن يروج لها بدعوي التمييز. وانطلاقا من تفعيل مبدأ المواطنة أري أن يكون هناك نص دستوري يتيح للأقباط المزيد من المشاركة التي تقطع الطريق تماما أمام أية دعاوي تريد أن تفتت من وحدة الوطن.. والاقتراح ببساطة هو أن يتم إغلاق دوائر انتخابية بعينها علي المرشحين الأقباط بحيث لا يتنافس فيها إلا الأقباط من مختلف التوجهات والتيارات السياسية.. وهذه الدوائر يتم اختيارها علي أسس يتم الاتفاق عليها ويراعي فيها أن تكون نسبة قاطنيها من الأقباط مرتفعة ولا أقول تشكل الغالبية لأنه لن توجد أي دائرة علي مستوي الوطن تحقق هذه الغالبية وإذا افترضنا أن دائرة واحدة فقط سيتم تخصيصها للأقباط في20 محافظة علي الأقل, فإن40 مقعدا سيكون قد تم حجزها مسبقا للأقباط من جميع التوجهات السياسية والفكرية ينتخبهم السكان المسلمون مع اخوانهم المسيحيين. المزيد من مقالات محمد السعدنى