يمكن القول ان الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 كانت نقطة تحول فى الرؤية الأمريكية لسياسة التدخل العسكرى تكرست فى انسحابها الاستراتيجى من منطقة الشرق الأوسط والاعتماد أكثر على تفعيل لعبة الحروب الدينية من أوروبا إلى المشرق العربى استعدادا لمواجهة الدب الروسى والمارد الأصفر الصينى فى الصراع المرير على منطقة الأوراسيا. ................................................ فى المقابل تظهر الإستراتيجية الخفية لشنغهاى مساعى لتشكيل حلف عسكرى مواز يشكل عالما متعدد الأقطاب فى مواجهة الغرب. وبالتالى فان الجغرافيا السياسية التى خشى منها مفكرو أمريكا أصبحت حقيقة واضحة, متمثلة فى عبارة واحدة هى الحزام الاقتصادى وطريق الحرير، وهو ما ركز عليه الباحث السياسى عمرو عمار فى كتابه الجديد « القرن الأمريكى وبداية القرن الأوراسى..الحزام الاقتصادى وطريق الحرير». 4 محاور وفقا للعبة الأمريكية التى أصبحت القوة العظمى الوحيدة بعد انهيار الحقبة السوفيتية, فقد حددت النخبة فى واشنطن 4 محاور جيوستراتيجية مهمة لتحقيق المصالح التى تضمن السيطرة ومنها: مد النفوذ السياسى والعسكرى الأمريكى على المحيط الأوراسى الغربى القريب عبر دول أوروبا الغربية مع تحقيق التوازن النووى، وتطويق اللاعب الشرقى المتمثل فى كل من روسياوالصين. ثانيا: محاصرة النفوذ السياسى والعسكرى للصين, و بالمنظور الأمريكى يجب أن يظل الشرق الأوسط منطقة تسودها الصراعات السياسية لضمان السيطرة على تدفقات النفط وإحكام السيطرة على البحار والممرات المائية من قبل لاعب واحد وهو أمريكا. لكن الكاتب يؤكد أن السياسات الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية منذ إعلان الحرب على الإرهاب عام 2001 شكلت أدوات انهيارها كقطب واحد, مع ظهور مدارات جديدة وقوى صاعدة تعيد تشكيل موازين القوى العالمية وتنهى رواية أحادية القطب. فقد فاق الدين العام لأمريكا عام 2011 حاجز ال 14,750 تريليون دولار مما يمثل 99% من الناتج المحلى الإجمالى. ولذا انسحبت أمريكا من أفغانستان ابتداء من 2014 واعتمدت على إستراتيجية الحروب بالوكالة هروبا من الخسائر الفادحة فى سوريا والعراق وليبيا واليمن خلال ثورات الربيع العربى دون تدخل عسكرى برى يرهق الاقتصاد الأمريكى. وبالرغم من هذا ارتفع الدين العام مجددا بنهاية 2014 إلى 17,824 تريليون دولار بما يناهز 102,98% من إجمالى الناتج المحلى للبلاد. وهو ما ذكره تقرير صادر عن معهد الدراسات الحربية داخل الولاياتالمتحدة عام 2015 إذ حذر من تراجع قدرة الولاياتالمتحدة على شن الحروب بكفاءة. لذا رفع ترامب خلال حملته الانتخابية شعار «أمريكا أولا» للعودة إلى أمريكا الصناعية ..وفق السياسة الانعزالية والحمائية. صنائع العم سام الإرهابية طبيعة العلاقة بين أمريكا وصنائعها من التنظيمات الإرهابية هى علاقة حب وكراهية، بينما تدخل موسكو من ناحيتها فى عداء عنيف مع تلك الجماعات التى تراها أداة لإضعاف الأمن الروسى ومن ثم بلقنة روسيا على غرار يوغوسلافيا. واشنطن تستخدم التيار المتشدد كحائط صد يمنع تمدد روسياوالصين ويحقق للبحرية الأمريكية استمرارية السيطرة على الموانى والممرات المائية الدولية فى البحر الأحمر والمتوسط ومن ثم قطع شرايين الممرات التجارية البحرية لطريق الحرير الصينى وحرمان روسياوالصين من الثروات المعدنية والاحتياطات الضخمة من الغاز والنفط الموجودة فى الشرق الأوسط. الحزام الاقتصادى وطريق الحرير تنتهى المرحلة الأولى منه عام 2021 ويكتمل بحلول عام 2049 مع احتفالات الصين بالذكرى المئوية الأولى على قيام الجمهورية الشعبية عام 1949. هذه المبادرة ضمت بجوار الصينوروسيا ومنغوليا كل الدول والجمهوريات القديمة للاتحاد السوفيتى ودول البلقان التى تفككت، بجوار دول جنوب أسيا بالإضافة إلى العديد من دول الشرق الأوسط التى تشهد صراعا إقليميا مشتعلا على أنقاض ثورات الربيع العربى. إذا أمسكت القلم وتتبعت مسار الحزام على خريطة العالم, فستجد خريطة كاملة لرقعة الأوراسيا على حدود الاتحاد الأوروبى القريب من الولاياتالمتحدةالأمريكية والصراع الممتد على جزيرة العالم. أما النفوذ الأمريكى فقد بدأ فى التراجع ولم يعد فى جعبته سوى محاولات بائسة تستهدف قطع أواصر الممرات بتوسيع قاعدة الإرهاب العالمى والمساعدة على تمدده فى الشرق الأوسط والقوقاز ووسط أسيا. انها لعبة الموت الأخيرة فى النعش الأمريكى. وبالتالى يترقب المجتمع الدولى بعد مبادرة الحزام والطريق, ولادة عالم اقتصادى مواز لاقتصاديات الغرب يزحف من جهة الشرق الأوراسى محاولا التخلص من هيمنة الدولار الأمريكى على النظام المالى العالمى.