فى محاولة لإنقاذ البلاد من الفراغ الحكومى والسياسى الذى تعيشه المانيا منذ انتهاء الانتخابات التشريعية نهاية شهر سبتمبر الماضي..وبعد عدم نجاح مساعى الرئيس الألمانى شتاينماير فى إيجاد أرضيه مشتركة تجمع بين الأحزاب المتصارعة لتشكيل حكومه ائتلافيه تقود البلاد خلال السنوات الأربع المقبلة.. أعلنت أندريا ناليس رئيس كتلة الحزب الإشتراكى فى البرلمان الجمعه الماضى موافقة الحزب على بدء محادثات مع تحالف المستشارة انجيلا ميركل. ولكن تصريحات مارتن شولتز زعيم الحزب حول إمكانية تشكيل حكومة أقلية.. أحدثت صدمة لدى الأوساط السياسية ومقر المستشاريةحيث إن هذا الطرح لن يحقق الاستقرار للحكومة ويمهد لإعادة الانتخابات التشريعيه..وهو الأمر الذى دعا الرئيس الفرنسى مانويل ماكرون ورئيس الوزراء اليونانى اليكس تسيبراس للاتصال بشولتز فى محاوله لإقناعه بضرورة التحالف مع ميركل لتحقيق الاستقرار للاتحاد الأوروبي وعلى الرغم من هذه الخطوة الإيجابية التى إتخذها الحزب الأشتراكى المعروف برفضه التعاون مع ميركل ..إلا أن المراقبين يتوقعون عدم نجاح هذه المفاوضات خاصة بعد تصريحات شولتز والتى قال فيها «إن المانيا بحاجه إلى ثقافة حكم جديده وأن أى تحالف مع ميركل سوف يتطلب تغيرات فى الحكم». ومن هنا زادت التوقعات بأن تمتد أزمة تشكيل الحكومة إلى ما بعد شهر يناير المقبل نتيجة لعدم وجود تفاهمات واضحة حول العديد من القضايا الداخلية والخارجية الخاصة بالاتحاد الأوروبى حيث يصر شولتز على إقامة «الولاياتالمتحدة الأوروبية» بحلول عام 2020 وفقا لسياسة ضريبية ودستور واحدو يجمع الدول الأوروبيه مشددا ان الدول التى سترفض هذا الأقتراح عليها الرحيل. بالطبع هذه التصريحات وعدم استقرار ميركل على كرسى المستشارية خلق شعورا من عدم الارتياح لدى الاتحاد الأوروبى لما يحدث فى أروقة أقوى دوله أوروبيه استطاعت قيادة سياسته.. وهنا أبدى الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون قلقه بشأن المأزق السياسى بعد فشل مباحثات تشكيل حكومه ائتلافية برئاسة ميريكل وقال فى محادثة تليفونية معها «انه ليس فى مصلحتنا ان يصبح الوضع متوترا وإننا فى حاجه إلى المضى قدما» وكان شولتز الذى تولى ايضا فى وقت سابق رئاسة البرلمان الأوروبى أنه تلقى رسائل عديدة من قادة الدول الأوروبية لحثه على حل الأزمة مع المستشارة الألمانية. المأزق السياسى الذى تمر به المانيا اليوم والذى جاء على خلفية خسارة الحزبين الاشتركى والمسيحى لنسبة كبيره من مقاعد البوندستاج فى الانتخابات التشريعية الأخيرة.. أدخل البلاد فى أزمة لن يتم حلها إلا وقفا لثلاثة سيناريوهات محتمله طرحتها القوى السياسية المختلفه.السيناريو الأول هو نجاح المفاوضات التى ستجريها ميركل لتشكيل ائتلاف حاكم مع الحزب الاشتراكى الديمقراطي..ويدور السيناريو الثانى حول تشكيل حكومة أقلية تحت قيادة ميركل مع حزب الخضر أو الحزب الديمقراطى الحر، إلا أن ميركل ستحتاج حينها إلى تأييد عشرات من أصوات الكتل الحزبية الأخرى فى البرلمان لهذه الحكومة..وهو الأمر الذى ترفضه بشدة مؤكدة انها تفضل اللجوء إلى سيناريو ثالث وهو إجراء انتخابات مبكرة، إلا أن الطريق لهذا السيناريو محفوف بالمخاطر، لأنه لا يمكن إجراء انتخابات مبكرة إلا بعد انتخاب مستشار جديد للبلاد. وسيضطر رئيس البلاد فى هذه الحالة لاقتراح شخص لتولى منصب المستشارية. وإذا اقترح الرئيس اسم ميركل وتم انتخابها فى البرلمان من قبل أغلبية ضئيلة وليس أغلبية كبيرة كالمعتاد لتولى هذا المنصب، فإنه يمكن للرئيس حينها أن يعينها مستشارة لحكومة أقلية، ويمكنه أيضا حل البرلمان وإعلان إجراء انتخابات مبكرة فى غضون 60 يوما. هذا الموقف الذى لا تحسد عليه أقوى امرأه فى العالم والذى بات يهدد مركزها على كرسى المستشارية دفعها إلى مد يدها للحزب الاشتراكى مبديه رغبتها فى إجراء مفاوضات معه دون قيد أو شرط وذلك بهدف تجنيب البلاد مخاطر إعادة إجراء الانتخابات حيث اكدت فى تصريحات صحفية أن حزبها يتطلع لاجراء محادثات جادة مع الحزب الاشتراكى على غرار ما تم مع الديمقراطى الحر والخضر وقالت انها تهدف من وراء ذلك تشكيل حكومة مستقرة تستطيع مواجهة التحديات التى فرضت نفسها على الساحة الأوروبية والدولية.. إلا أن شولتز تحفظ على هذه التصريحات وقال ان قرار الحزب بالموافقه على فتح حوار مع ميركل ليس معناه الموافقه على تشكيل حكومه إئتلافيه وانه علينا الانتظار حتى إنتهاء المفاوضات. هذه التصريحات الايجابية التى أدلت بها ميركل وقابلها شولتز بتصريحات حادة وقاسية تعكس مدى اتساع الفجوة بين الفريقين ..الأمر الذى جعل أكثر المراقبين تفاؤلا يذهب إلى أن أزمة تشكيل الحكومه الألمانيه سوف تأخذ أبعادا مختلفة.والغريب هنا ايضا ان هذه التصريحات جاءت تقريبا عقب اللقاء الذى جمعهما وهورست زيهوفر زعيم الحزب المسيحى الاجتماعى البافارى مع الرئيس الألمانى فالتر شتاينماير بقصر بلفيو بالعاصمة الألمانية برلين والذى كانت ميركيل تعول عليه كثيرا..حيث راهنت على نجاح الرئيس الذى ينتمى الى الحزب الأشتراكى فى إقناع حزبه بالمشاركة فى الحكم إلا أن رهانها خسر أمام تعنت شولتز. وهنا أيضا نجد شتاينماير حائر بين كونه ينتمى الى الحزب الاشتراكى الرافض للاشتراك فى حكومة ميركل وبين كونه رئيسا اتحاديا يريد أن يجنب البلاد الدخول فى سيناريوهات قاسية ولذلك نجده أطلق تصريحات تعكس انحيازه إلى الاصطفاف من أجل المانيا, حيث حذر من أن البلاد بدأت تدخل فى أزمة غير مسبوقه لم تحدث منذ 70 عاما مؤكدا أنه لابد من تجنب إجراء إنتخابات مبكره من شأنها إضعاف المانيا واوروبا وطالب من المحافظين والاشتراكين والخضر والليبرالين بتحمل البحث عن حلول توافقيه لتشكيل حكومه تحقق الأستقرار للبلاد.