من تحت عقب الباب تمر خيالات أرجل ترتقب أن ينخفض صوت انفاسي اللاهثه وأغفو، لكى تتسرب كدخان أسود ،ثم تنقض على تخترقنى من فتحات أنفي وفمى الذى ظل معلقا على فتحة الصراخ ، فتغزونى تعبث باعضائي وعقلى ودمى فابدو أمام الجميع منهكة مريضة، تحولنى الى عجوزة شمطاء لايقربنى أحد ،أظل وحيدة منبوذة لكى تستقر بداخلى تتغذى على وتتلبسنى لتتذوق طعم حياة البشر،هكذا أصبحت أنا بعد ما ركبنى جن . ذاق كل من حولى الأمرين فى تحليل وتفسير مرضي الغامض الذى يباغتنى بآلام مختلفة فى مواضع متنوعة الى حد أن الأطبا ء تهربوا منى و صارحنى أحدهم قائلا : (انا مش فاهم حالتك شوفى غيرى) على الأقل كان أمينا ولم يضرنى كغيره باعطاء أدويه للتجربه تزيدنى اعياء، فأعراض مرضى دربا من الخيال ،احيانا تصيبنى بقع زرقاء وتنفر منى عروقا مؤلمه اطلقوا عليها الجدات المخضرمات (قرص ملايكه) وشخصوها الأمهات (أنى بانام زعلانه) ورأى الاطباء أنها نقص صفائح دمويه ،أما التحاليل لم تستطيع اثبات ذلك ،وظل الأمر مبهما ، وانفتح المجال لتدخل أمور غيبية، وقيل أن الجن يعلن وجوده بهذا الجسد فلا تقربوه،و كذلك أثبت وجوده بعيناى وحط عليهما ضباب كثيف وترك فحوصات قاع العين وتحليل الزلال وقياس الضغط أمورا معلقة وكلما أفقت من عرض تفنن فى منحى آخر أكثر حنكة ، وأمام عجز الاطباء استسلمت ،وجولت بآلامى بين المشايخ والأضرحة والأولياء وختمة قرآن، وخضعت لطقوسهم بداية من الاستحمام بماء الزعفران ودم الغربان حتى ارتداء الأحجبة والفضه ورش الملح والبخور وختم قصار الصور،وتفرغت تماما لهذا العلاج باحثة عن أمل واخلصت فى ايمانى به ، حتى أنى انسقت وراء الايحاء ،فكلما تيبس ظهرى أو اصابنى الصداع تخيلت أن الجن يحاول الخروج (زى ماقالى سيدنا الشيخ )وبالطبع كنت اتابع شيخنا بكل التغيرات أولا بأول كى يتدخل عن بعد،فقد ترك بصحبتى –كما قال- بعض الجن الطيب ليحمينى، وكلما ازدادت شكواى تصعب الشيخ قائلا( اللى عليكى تقيل يا بنتى) لتكسرنى هذه العبارة كل مرة،و كلما طالت المدة بدون أى تغيير ملحوظ يتم تغيير سيدنا الشيخ بحجة أنه (مش ضليع كفاية) ونبدأ (نفصص) عيوبه التى تسد عين الشمس ،ورغم ايحائى للجميع بأنى اتحسن مدعيه ذلك ليتركونى وشأنى، كانو يهمو بايجاد شيخ آخر أكثر بركة (ما بياخدوش فلوس) وهذه صفة لو تعلمون عظيمة، لأنها تعنى أنه مسخر من الله سخره ولديه موهبة التخاطب مع الجن، ولكن سرعان ما بدا ضعيف أمام من يركبنى، ثم رحنا نجرب مشايخ الطريقة وخدام بيوت الله الذين يرتدون أثواب الورع ( الحلنجى) شيخ بدرجة مقطع السمكة وديلها، بحكم عمله بالموالد والاسواق ومزارت الأضرحة ،وقداخترع لنفسه طريقة لسحب المال من المسحور أو الملبوس فهو لا يطلب المال (لأنه مش نصاب لا سمح الله) لكنه يطلب طلبات باهظة الثمن من فضه وأحجار وماء ذهب ليكتب عليها الحجاب المطلوب لطرد الجان ثم يأخذها ليدفنها فى مكان ما ،وبدلا من دفع المئات تدفع الآلفات، ووسط كل هذا ذهب تركيزى بالطبع الى ذلك المخلوق الذى تلبسنى وقلب موازيينى ،وأصبحت أقرأ القرآن لأجله وأذكر الله لأجله وتوقفت دعواتى بالشفاء وتحولت الى أمل فى الخلاص من غياهب سكنت بداخلى فى لحظات يأس، خضت التجربة لآخرها وطرقت أبواب الغيب ومالكى زمام الجان فى كافة المحافظات -وهم كثر- يشكلون مافيا سريه تتناقل أخبارها سرا بين الباحثين عن ملاذ آخر سوي الله واهمين انفسهم بان الله سخر لهم هؤلاء،و لا أخفى عليكم لازلت أميل بأريحيه الى عالم الغيب الذى لم يكلفنى سوى الجلوس بين يدى الله اذا ما فعلت ذلك بدافع التمسك بحبال الله ليس بخدامه من الجن الطيب،و بينى وبين نفسى اعترف أنى لم أشعر بجن يتلبسنى وتلفحنى أنفاسه فى السرير، لم أحلم بوجه مخيف، لم اتخيل ظلال سوداء تسير فى غرفتى، لم انتفض عندما يقرأ لى الشيخ آيات طرد الجان ،وكذلك لم استطع بعد الاعتراف بأنى ركبنى جن. لمزيد من مقالات ناهد السيد;