أن تصلك دعوة «شيك جدا» لزيارة معرض للصور الفوتوغرافية تحت عنوان « أثر البركة» حيث تدور موضوعات الصور حول قصص الكرامات و المعجزات والرقية و دفع السحر و الأذى والحسد و المس .. كل هذا أمر وارد و طبيعى .. لكن المدهش حقا أن تكون تلك الصور ملتقطة بعين مصور أمريكى شاب ،هو ديفيد ديجنر , و أن يكون المعرض فى قلب منشية ناصر بحى الجمالية و لا تصل اليه إلا بعد المرور بحوارى و أزقة و شوارع تعج بالعشوائيات كما تتميز بالفن الأصيل فى الوقت نفسه، لتجد نفسك فى نهاية المطاف فى مسجد السلطان قايتباى وتحديدا فى مركز مقعد السلطان قايتباى للفنون . كل هذه التركيبة كانت تستحق البحث وراءها ، ومحاورة صاحب هذا المعرض ، الذى ذهبت إليه وفى ذهنى أننى سأرى مستشرقا انجليزيا عاشقا لمصر و أهلها و تفاصيلها و متيما بتاريخها ومهموما بحالها.. وكان هذا الحوار : طفت الكثير من بلاد العالم و تنقلت بعدستك من شرق الكرة الأرضية إلى غربها .. لماذا اخترت مصر بالتحديد لتجعلها محل إقامتك كل هذه السنوات ، منذ عام 2010 و حتى الآن؟! أنا مصور صحفى أسعى دائما وراء الحدث . كما أننى لا أنسى عندما وقعت هجمات الحادى عشر من سبتمبر كنت مازلت طالبا فى المرحلة الثانوية ، و أدركت تماما الفجوة بيننا و بين الشرق الأوسط ، فى هذا الوقت قررت أن أكون مصورا صحفيا … و أن أعمل فى الشرق الأوسط فكانت مصر بالنسبة لى هى الاختيار المثالى نظرا لموقعها الحيوى وأيضا لاستقرار أوضاعها الأمنية مقارنة بجيرانها من الدول الأخرى. أما عن لماذا أقمت فيها كل هذا الوقت ، فربما لأن العمل كصحفى فى مصر يتطلب الكثير من التحديات كما تعلمين ، خاصة و أننى صحفى أجنبى ، حيث يتعامل الناس و الحكومة معى بحذر و شكوك . و كان العمل وسط كل هذه التحديات بالنسبة لى ممتع إلى حد كبير. عن أى شيء كنت تبحث فى وجوه المصريين الذين التقطت لهم كل هذه الصور ؟ هل الهوية المصرية ؟ أم ثقافتهم ؟ أم معتقداتهم؟ كان والداى يفهمان مصر جيدا و قالوا لى الكثير عنها ، و أخبرانى أنها تتقبل الأغراب.. و أنها تضم تركيبة من عدد مختلف من البشر، لذلك جئت إلى هنا و أنا أعرف أنها مختلفة لكن سيكون لى مكان بها على كل حال، و حاولت من خلال الكاميرا أن أسجل كل ما أراه، و حاولت أيضا أن أكمل الدوائر غير المكتملة فى فهم منطقة الشرق الأوسط. لقد لمست فى هذا المعرض على وجه التحديد نقطة شديدة الخصوصية فى حياة المصريين و هى حياة الأولياء و الكرامات و التماس الناس للبركة .. ألم تتردد فى التعرض لهذه الفكرة ؟ لا على الاطلاق .. لسبب بسيط و هو أننى أخاطب الجمهور الأجنبى الذى يريد أن يرى مصر ،حتى المثقفين الموجودين داخل مصر أعتقد أنهم أيضا مختلفون حول حقيقة هذه الأمور ، و يعتبرونها جدلية ، فمنهم من يرى أنها محض خرافات و دجل و منهم من يؤكد أنها صادقة تماما و تمس الروح. إذن لماذا اخترت هذا المكان الذى يقع وسط كل هذه الحوارى و الأزقة لاقامة معرضك للصور ؟ كما ذكرت لك ، فإن اختلاف الكثير من المصريين حول حقيقة هذه الأمور سيجعلها جدلية ، و أنا هنا ليس لاثبات صحتها من عدمه . لكنى أعتقد أننى جئت لأمد يد المساعدة فى فهم الآخر و مساعدة الآخر أيضا فى فهم نفسه. لقد سمعت بالتأكيد الكثير من الحكايات وراء كل صورة التقطتها ، ما هى الحكاية الأغرب على الاطلاق ؟! القصص الغريبة كثيرة بالفعل ، و أتذكر منها قصة القطة التى يعتقد أنها جنى متمثل فى هيئة قطة فى الاسماعيلية ، و قد عرفتها بالفعل من خلال فيديو شاهدته على يوتيوب . لذلك ، كانت هناك دائما قصة خلف كل صورة ، أسمع بداية عن المعجزة أو الكرامة ثم أذهب إليها لأراها بنفسى ، و ألتقط لها صور لأسجلها بعينى. كما أتذكر قصة وقعت خلف منزلى فى المنيرة حيث أسكن بالقرب من مسجد السلطان الحنفى ، و رأيت الناس يزورون المسجد آتين من أماكن بعيدة ليشربوا من الماء الموجودة فى البئر المحفور داخل هذا المسجد حيث يعتقدون أن الماء الموجود بها يمكنه مساعدتهم فى حل مشكلاتهم فى الحياة. رأيتهم يأتون أفرادا و جماعات ،و يتصرفون هناك بتعاون ملفت .. أتذكر أيضا مشهد أولئك الذين يذهبون إلى أحد الأديرة فى إسنا لاشعال الشموع طلبا للبركة و قضاء الحوائج كالعلاج مثلا ، و ذلك بعدما فقدوا الأمل فى العلاج فى المستشفيات العادية… هناك العديد من القصص التى يصعب حصرها . المحررة فى أثناء حوارها مع المصور من واقع رحلات العمل التى قمت بها حول العالم .. هل لمست ذلك الشغف فى طبائع الناس بالتفكير فى القوى الخارقة للطبيعة و المعجزات و الكرامات و ما إلى ذلك؟ بالطبع هناك العديد من المجتمعات التى تؤمن بمثل هذه المسائل , فالصين مثلا مجتمع يحفل بمثل هذه المعتقدات ، لكن فى مصر التجربة لها خصوصيتها على كل حال. هل تعتقد أن الواقع الثقافى فى مصر يمثل بيئة خصبة لأى فنان لعرض انتاجه الفكرى ؟ لا.. لا أعتقد ذلك. لماذا؟ للأسف العمل هنا بالنسبة لأى فنان محفوف بمخاطر الاصطدام بالرأى العام أو بعض المسئولين . هل حدث أن رفض لك عرض أى من أعمالك فى مصر إما من جانب الدولة أو بسبب مخاوف مجتمعية؟ العمل فى مصر مليء بالكثير من التعقيدات و التداخلات و الكثير من التحديات ، ربما أهمها من وجهة نظرى هو التواصل والتقارب مع الناس ومساعدتهم فى فهم حكايتهم و فى سماع بعضهم البعض وسماع الآخر. و ما هى خططك المستقبلية بعد هذا المعرض ؟ فى الحقيقة سأتجه إلى غرب ليبيا لأمكث هناك 9 أشهر ، لا أعرف بعدها إن كنت سأعود أم لا . فأنا عادة ليست لدى خطط بعيدة. فأنا أعيش اليوم و أرتب للغد و لا أشغل بالى بما سيحدث بعد غد. شاهدت على الموقع الاليكترونى الصور الخاصة برحلتك إلى سيناء مع مجموعة من الاصدقاء مشيا على الأقدام.. أخبرنى المزيد عن هذه الرحلة. كانت تجربة رائعة ذهبت إليها بصحبة عدد من الأصدقاء المصورين والتقطت فيها الكثير من الصور من هذا المكان الذى لا يعرفه الكثيرون. فعادة ما يقترن اسم مصر بمنطقة الأهرامات و لا يعرف الآخرون الكثير عنها. كان الأمر ممتعا بالنسبة لى على المستوى الشخصى ، فقد كنت أرى هذه المناطق الرائعة للمرة الأولى. إلى هنا انتهى الحوار ، لكنى خرجت منه بأسئلة أكثر مما ذهبت بها. خاصة و أن هناك الكثيرين جدا من شباب المصورين الصحفيين المصريين أكثر موهبة و ابداعا لكنهم لم يحصلوا على عٌشر الفرصة التى يحظى به ديفيد ولا تتوفر لهم قاعات للعرض و لا قليل من هذا الاحتفاء و الدعم الإعلامى ، وكأن : حرام على بلابله الدوح .. حلال للطير من كل جنس؟.