واقعة تهجير عائلة فى كفر الشيخ وتغريمها مليونى جنية فى خصومة ثأرية فى إحدى الجلسات العرفية جراء مقتل شخصين من العائلة الثانية أثار حفيظة بعض نواب البرلمان وخرجوا يشهرون اسلحتهم على الجلسات العرفية عبر الاعلام وكأنها وباء أصاب المجتمع. فمنهم من يراها بوابة للظلم واعتداء صارخ على الدستور والقانون ، لدرجة أنّها اصبحت – فى رأيه - من أهم المآخذ التي تؤخذ على الدولة المصرية بالخارج، حيث تعترض التقارير الدولية على وجود جلسات وأحكام عرفية حتى الآن بمصر . وأخرون يروا أن الجلسات العرفية مصدر من مصادر التشريع، وهو أحد أساليب التعايش المشترك في الدولة المصرية بل وتساعد على استقرارها وعن تجارب كثيرة فإن "المجالس العرفية" أو "القضاء العرفى " أوكما يحلو لنا تسميتها ب " قعدة عرب " ليست بالجديد علينا فهى منذ القدم وسيلة متعارف عليها للتحكيم بين الخصوم وأحكامها لها قوة الإلزام الفاعلة بين العائلات الكبيرة بمصر وأحيانا كثيرة يكون حكمها موثقا من الجهات الأمنية والرسمية بالدولة ،و قد تلجأ إليها الدولة أحيانا أخرى لفض المنازعات الكبيرة بين العائلات الكبيرة للقضاء على الثأر. ولمن لايعرف فإن منظومة القضاء العرفى وسيلة ناجحة وفعالة جدا فى حل المشكلات ، إذا كان المعتدى عليه يرضى بالتعويض المالى والاعتذار . و لا تبدأ جلساته أبدا إلا بكفيل غارم مقبول وحسن السمعة ومعروف بالصدق لكل من الطرفين المتنازعين لضمان عدالة الحكم ،أو الحصول على ضمانات مالية ملموسة، وأيضا وعود شَرف تؤخذ من ألسنة كبار عائلات الأطراف المتنازعة . وللعلم ايضا القضاء العرفى يستند إلى القرآن والسنة ، وهو أحد مصادر التشريع الخمسة ولا يستطيع الحكم بعقوبات الموت أو الإيذاء الجسدى أو عقوبات سالبة للحرية كالسجن مثلا ولكنه يحكم بالدية فى حالات القتل و يستطيع الحكم بإبعاد شخص ما عن مكان ما منعا للشر وإثارة الأوجاع واستذكارها والتفكير فى أخذ الثأر وهو ما يعرف بالتهجير أو التغريب . ويعمل بالقضاء العرفى في أكثر منازعات قبائل مصر بالوجهين القبلى والبحرى وسيناء على الآخص وفقا لظروف البيئة حتى الأن . ويلجأ القضاة والداخلية اليه كثيرا خاصة فى الارياف لحل الخلافات فهو سند للدولة في تطبيق القانون وليس مخالفا له كما يدعى البعض حيث أنها تحل حوالي نصف مليون مشكلة في العام، والناس تلجأ للعرف هربا من طول أمد التقاضي . طبعا فى ظل ارتفاع تكلفة التقاضي والمحامين. واذا كان هناك اعتراض من بعض السادة نواب البرلمان مشرعى القوانين على التهجير ، فقرار العرف بالتهجير دائما ما يكون حقناً للدماء وليس عقابا، وخروج القاتل واهله من القرية يمنع تجدد أى مناوشات أو اشتباكات تحسبا لمشاعر أهل المجنى عليه الذين تسوقهم مشاعرهم عندما يجدون القاتل أمامهم إلى تجديد فكرة الانتقام بداخلهم مرات ومرات ، وعلى من يتذرع بالمادة 63 من الدستور " على أنه يحظر التهجير القسرى التعسفى للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم " فعلينا أن نتذكر أن القانون نفسه يحكم على القاتل بعد خروجه من السجن بعدم السكن قرب منزل القتيل خوف على حياته ومنعا لتجدد النزاعات مرة أخرى والحقيقة التى لابد ان نقرها ولا نغمض أعيننا أمامها هو تنامى دور العرف امام تراجع دور القانون والقضاء المدنى فى التعامل مع الصراعات القبلية والطائفية. فالآليات العرفية انهت العديد من الخصومات والمشكلات بين القبائل والعائلات علاوة على أن المتنازعين يفضلون الجلسات العرفية للابتعاد عن الطرق الرسمية والقانونية لإنهاء الخلافات بين العائلات طرفى النزاع . ففى المجالس العرفية لا مجال للطعن أو الرفض أو التأجيل فالحكم واجب النفاذ دون تأخير وفى جلسة واحدة وعلى المتنازعين تنفيذ قرار الجلسة . واندهش من امثال هؤلاء الذين يعيبون على " قعدات العرب " كما يحلو لنا تسميتها فهى بالنسبة لنا وسيلة ناجحة تحقق لنا العدالة الناجزة التى نفتقدها فى القضاء الذى يتسم بتباطؤ إجراءاته القضائية ولا نعرف لماذا ؟ فهل هذا من قلة عدد القضاة مثلا ام من قلة المحاكم فى مصر, فهناك حوالى 32 ألف قاض وحوالى 7 آلاف محكمة تفصل فى منازعات ما يقرب من 25 مليون مواطن ويزيد عدد القضايا المعروضة كل عام عن مليون قضية,مع مراعاة زيادة عدد الجرائم وحالة عدم الاستقرار الأمنى خاصة فى مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير.علاوة على ذلك ان المجالس العرفية هذه تحظى بمصداقية كبرى فى المناطق الريفية والقبلية, فمن اهم مزاياها المعايشة اليومية لبيئة الصراع وغالبا ما تكون على اراضى او مشاجرات او خلافات مالية واحيانا القتل وتتمتع بسلطة أخلاقية تنبع من توظيفها الروابط الاجتماعية المختلفة فى جهود تسوية النزاعات، وقدرتها على الاحتواء المبكر للصراعات ومنع تصعيد الأزمات، والاهم هو انتشار ثقافة الخوف لدى بعض المواطنين من الاقتراب من الشرطة والنيابة علاوة على انها مقصد الفقراء بالأساس، لأنها لا تكلفهم أموالا باهظة كالتى يطلبها المحامون لمباشرة قضاياهم وبعد هذا كله هل مازلنا مصريين على ان قعدات العرب مخالفة للقانون ؟ و بعد ان عرفنا ان هذه المجالس العرفية تخفف يوميا العبء عن كاهل القضاء وتحقن دماء كثير من الابرياء وترد الحقوق للضعفاء والمظلومين وتقتص من القتلة والمتجبرين وتحفظ الاعراض وتحمى العهود والاتفاقات . فلماذا الافتراء عليها ؟ [email protected] لمزيد من مقالات سعاد طنطاوى;