مازال الجسد مسجى فى الغرفة المظلمة، الأبناء يفتشون ملابسه ويقتسمون الأموال التى عثروا عليها فى خزانته، يزيحون شهادات التقدير والأوسمة ويلقون فوقها الصحف التى تحمل مقالاته، والحوارات التى أجريت معه، بينما كانت البنت مشغولة بازالة طلاء الأظافر فى الحمام باستياء، وزوجته أمام خزانة ملابسها تفاضل بين ملابسها السوداء لاختيار المناسب لأظهار جمال وجهها بدون مساحيق، قلقة من صراخ الطفل المختلط بصوت الآيات العالية، ومن تأخر النائحات التى اتفقت معهن منذ الأمس وسط ضجيج عمال الفراشة الذين يرفعون الأعمدة لينتصب السرادق المتدلى منه مصابيح فاخرة، وليكن فى المقدمة لمواجهة كاميرات الفضائيات التى ستقوم بتصوير المشهد. ........................... روح بفرح طفولى ترك رأسه لصدر أمه التى لم تأته منذ سنوات، حكى لها عن عذاباته فى غيابها، بكى كأنه لم يبك من قبل، ارتفع نشيجه فتوقفت عن تربيتها ظهره وكفت أصابعها عن مداعبة شعره الأسود المجعد، ثم بدأت تختفى تدريجيا حتى سمع صفع باب الغرفة بقوة..قام منتفضا مضطربا يلهث يتخبّط فى ظلام الغرفة، بصعوبة أضاء نور الغرفة..فى المرآة غمره الشيب وزحف الصلع وثنيات العجز حول الرقبة، رموشه سقطت من عينين ضعيفتين. أطلت من الركن العلوى للمرآة زوجته الشابة شبه العارية نائمة تغط فى أحلامها على السرير الآخر. .......................................... القطة والسيدة ماءت القطة.. ولما اشتد وعلا صراخها صاحت السيدة الراقدة على كنبتها قرب الباب - لا أحد هنا غيرى ياقطتى..الأولاد خرجوا وأغلقوا الباب رغم تحذيرى لهم بأن يتركوه مواربا لتدخلى وأكلك جاهز واللبن. هدأت القطة وهدأ خمش أظافرها على الباب، بينما راحت نظرات المريضة تجوب الصالة التى ليس بها منفذ سوى شاشة تليفزيون مفتوح دوما وشباك غرفة وحيدة بعيدة، محجوب ضوؤها وصورة باهتة لرجل - أعلى الشاشة- داخل برواز غمره التراب والقدم، تركها ورحل، لا تعرف عنه شيئا غير فتات أخبار..يعيش فى بلد بعيد ..تزوج ثم انفصل ..ثم مرة ثالثة..ثم انفصل..ثم..يسأل عن الأولاد كل عام نجحوا أم رسبوا؟ هل ماتت المريضة أم مازالت على قيد الحياة؟. يكاد هذا القابع فى البرواز المتآكل أن يقفز كقط، والقطة تقفز بصعوبة الى شباك المطبخ المطل على السلم، ومن فتحة صغيرة تنكمش وتتصاغر حتى فلتت للداخل، ترمى جسدها فى حضن المرأة وهى تموء مواء متواصلا كأنها آتية من غربة، وتلتقط أقراص العلاج وتضعها فى فمها، تنط على الأرض، تمط جسدها، تمسك بين شفتيها الوجبة الباردة الملفوفة بالسيلوفان والتى تركها الأولاد على الطاولة ولم تفلح يد أمهم الأمساك بها فوقعت. تعلقت ابتسامة باهتة ثابتة للمرأة على صورة قط الرواز، بينما برز الخوف فى عينى القطة التى أخذت تمسح وجه السيدة ورقبتها وتلعق يديها وقدميها كأنها تغسلها غسل الصباح.