الكتابة عن مدينة القاهرة تمثل تحديا، ومتعة لأي كاتب. لأنه لا توجد مدينة في العالم تمت الكتابة عنها مثل القاهرة. حيث سجل الرحَّالة الذين زاروها حتي قبل الميلاد انطباعاتهم عنها، وعن أهرامات الجيزة. وكتب عنها العديد من قاطنيها من المؤرخين، والمسئولين الذين تولوا إدارتها، وتخطيطها عبر التاريخ، وإلي العصر الحديث، كما استخدم كثير من الأدباء أحياءها وشوارعها خلفية لرواياتهم. وهذا كله يجعل الكتابة عن القاهرة خيارا ممتعا وشاقا في آن. وهو ما اجتازه، وحقّقه، الكاتب «نزار الصياد» أستاذ العمارة والتخطيط بجامعة كاليفورنيا. في كتابه «القاهرة تواريخ مدينة»، منطلقا من فرضية بسيطة أن تاريخ المدينة، بصفة أساسية، تاريخ أشخاص وأماكن وأحداث. وخصص لكل فصل من الاثني عشر مكانا يمثل تاريخ فترة معينة، ثم يصف تلك الفترة، وحياة بعض أهم أشخاصها، ممن لعبوا دورا مهما في إنشائها، وأهم الأحداث، ووما كتبه عنها بعض الرحّالة، والسُكان المحليين كمحاولة لاستحضار المكان والزمان، والشخصيات. ويقول «نزار الصياد»، في مؤلفه الصادر عن المركز القومي للترجمة، إن هذا المنهج محدود، ولا يلتزم به في كل الفصول. لذا نجد بعضها يعبر عن قرن أو قرنين بطولهما، وفصول أخري تعرض لعقدين فقط، ولهذه الطريقة أهميتها، فهناك أحداث محددة أهم من غيرها، وشخصيات أثرت في تاريخ القاهرة أكثر من سواها، لهذا يسرد الكتاب تاريخ كل حقبة علي حدة، من دون هيمنة المنهج علي السرد. ويشير مترجم الكتاب «يعقوب عبد الرحمن» إلي أن د.«نزار الصياد»، يقدم دراسة متوازنة عن القاهرة، بعيون أهلها من المؤرخين أو الأدباء تارة، وغيرها بعيون الرحالة والمستشرقين. ويتنقل المؤلف بمهارة من زمن إلي آخر، ليبرز دور التاريخ، والعمران في تشكيل المشهد الحضري للقاهرة، ويعرف كيف يمزج بينهم ليخدم قضية الكتاب الأساسية، والتغييرات التي حدثت للمدينة، بفعل النظم الحاكمة، والثورات الشعبية، والكوارث الطبيعية. ويضيف يعقوب عبدالرحمن: «يمكنك أن تشتم رائحة التاريخ، وأنت تطالع صفحات الكتاب الذي تختلط فيه الجغرافيا والتاريخ والهندسة المعمارية في تناغم رائع، ومعاصرة شخوصه وهم يصنعون التاريخ، وتعيش معهم مشاعر إنسانية مثل الفخر، والبهجة، والأحزان. ويقول «تيموثي ميشيل» الأستاذ بقسم لغات وثقافات الشرق الأوسط وآسيا بجامعة كولومبيا: «هذا الكتاب عظيم بقدر عظمة المدينة التي يتحدث عنها، عندما يروي الصياد قصة القاهرة فإنه يضع في المقدمة آثارها المعمارية العظيمة وشخصياتها التاريخية التي قامت بتشكيل تطورها ويتم رسمها مقابل خلفية فنية من رسم التاريخ السياسي لمصر». وتقول «جانيت أبو لغد»، الأستاذ بقسم الاجتماع بالكلية الجديدة في نيويورك، وأشهر مؤرخي القاهرة الحديثة:«يمكن أن يعتقد المرء أن الكتابات الهائلة التي صدرت عن مدينة القاهرة شملت كل شىء عنها، وسبق أن قبلت مرارا وتكرارا، لكننا نعثر، هنا، علي كتاب جديد إبداعي، وغير عادي، يستغرق رحلة كاملة لقطاع من تواريخ المنطقة، ولا أعتقد أن هناك تأريخا آخر للمدينة يمكن أن يلمس الفترة الزمنية الكاملة الواقعة، بين الحقبة الفرعونية والعصر الحديث، ويحيط بضفتي المسار المتغير لنهر النيل، ويمتد إلي الصحراء المحيطة به، والصياد واع لفكرة استمرارية الثقافة المصرية والتناقضات المستمرة في البلاد بين الانفتاح والتسامح من جانب، والتحولات الدينية والأيديولوجية الشرسة من جانب آخر. مؤلف الكتاب الدكتور نزار الصياد، معماري ومخطط، ومؤرخ المناطق العمرانية، وأستاذ العمارة والتخطيط بجامعة كاليفورنيا، وهو خريج كلية الهندسة جامعة القاهرة، وعمل مستشارا للعديد من المؤسسات العامة في أنحاء العالم العربي، وقام بتأليف العديد من الكتب فضلا عن المشاركة في تأليف وتحرير الكثير من الكتب والمطبوعات معظمها بالإنجليزية، وترجمة العديد منها، مثل «شوارع القاهرة الإسلامية وتصميم وتخطيط المساكن»، و«مدن وخلفاء»، وغيرها.