الشاعر الكبير «أحمد غراب»، أحد المتمسكين بالشعر العمودى فى مصر وصاحب مشوار طويل من الإبداع، واحتفل مؤخرا بصدور الجزء الثالث من أعماله الكاملة بعنوان «المرايا»، فى مجلد يزيد على 500 صفحة .. ويمتلك ذاكرة صافية ومعينا لاينضب من القصائد الرومانسية التى تتغزل فى المرأة وجمالها وتعرض الكثير من مناحى الحياة.. ويحرص على نشر ابيات رقيقة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» يوميا وهو ما شجعنا على محاورته، فإلى نص الحوار: كيف كانت بداياتك مع الشعر؟ بدأت فى مرحلة مبكرة....خلال المرحلة الابتدائية بمدرسة الأقباط ببورسعيد... وكنا ندرس الأناشيد، وكانت تقتصر على قصص الحيوانات لأمير الشعرا أحمد شوقى. وأذكر منها... «برز الثعلب يوما فى ثياب الواعظينا.... ومشى فى الأرض يهدى ويسب الماكرينا»، فقلدت هذا المقطع فأعجبت هذا المدرس.. وانطلقت بعدها بتشجيع من أستاذى الأزهرى الجليل الشيخ حافظ الذى مكننى من دخول مكتبة المدرسة واستعارة «اللزوميات» ودواوين «المتنبى» و«البحترى» و«حماسة أبى تمام» و«الشوقيات» بكل أجزائها ....وحفظت كل هذه الكتب عن ظهر قلب، ومن وقتها اكتشفت قدرتى على حفظ القصيدة بمجرد قرائتها مرة واحدة فقط ومازلت بفضل الله أتمتع بهذه المقدرة. هل كتابة القصيدة تشبه المخاض كما يردد البعض وهل ثمة شيطان للشعر ؟ جربت «الولادات الشعرية».. ففى اوروبا تعرفت بمجموعة من الشعراء الألمان والتشيك، وكانوا يمارسون الكتابة الميكانيكية..أى كتابة القصيدة دون إعداد مسبق.. بزعم هبوط الوحى عليهم فى أثناء الكتابة. وغالبا ينتج عنها مايشبه الحشرجات..وكتبت القصيدة التى تتولد فى الوجدان فى لحظات يطلقون عليها «اللحظات الزرقاء»، وأيضا مارست كتابة القصيدة «الفيل»، وتعبير «الفيل» كناية عن ثقلها اللغوى...وهى قصيده تتطلب وقتا طويلا وعناية فائقة تتخللها وقفات عديدة ..لكننى أميل بطبعى للقصيده اللحظية. أما موضوع شيطان الشعر، فأنا لاأستطيع أن أؤكده أو أنفيه.. لأننى كثيرا ما استمعت إلى قصائد بداخلى، وإن كنت أعتقد انها نوع من الإلهام .. والغريب ان هذه القصائد تأتى من نهايتها أحيانا وأحيانا من نصفها. وكثيرا ماضاعت منى قصائد الكثير من هذه بسبب عدم كتابتها فى حينها. هل تؤمن بتجاور الابداعات الشعرية ...عمودى ...حر... نثر؟ مررت بجميع التجارب الشعرية حتى استقرت سفائن إبداعى على مرفأ القصيدة العمودية وهى التحدى الاكبر. بمعنى ؟ أن التخلى عن الموسيقية هو اهدار ل 88 سيمفونية تشكلها البحور الخليلية مقلوباتها ومجزوءاتها...إضافة إلى أن ذلك الوجدان العربى لم يتناغم مع التفعيلة، أما النثر فهو كارثة الكوارث وسيكون المسمار الأخير فى نعش الشعر العربى، ودعاة الشعر الحر يدعون أن القصيدة العمودية لا تلبى احتياجات الحداثة، وأعتقد اننى استطعت فى وقت قصير فتح القصيدة العمودية لاستيعاب الرمزية والصورة الممتدة وذات الأصوات المتعددة والسريالية مما أصبح يندرج الآن تحت مسمى «مدرسة أحمد غراب الشعرية الجديدة».. والمشكلة فى يقينى هى فى تصدى من لايملكون الموهبة ويحاولون الصعود للقمر بحبال دخانية تمضغها الرياح. فى كثير من قصائدكم لاحظت اهتماما زائد بالمرأة فما سبب هذا؟ أهتم بالمرأة جدا ولا أخجل من إعلان ذلك على الملأ.. فنحن لم نعط المرأه حقها من التكريم أو الاهتمام... وتصفح معى دواوين الأقدمين ستجد المرأة فى بيتين أو ثلاثة فى مطلع القصيدة...أما الموضوع الرئيسى فهو المدح.. ويرص الشاعر الصفات والفضائل الإنسانية لممدوحه، الذى غالبا ما يكون شيخ قبيلة أو حاكما مستبدا أو فارسا مشكوكا فى فروسيته كسيف الدولة.. إذن المرأة كائن هلامى أو طيفى عاش مغتربا فى عصورنا الاولى، وهذه السقطة الثقافية تستوجب منا التساؤل والتعمق، فقد سكتنا طويلا وآن الأوان لنقدم حزمة ورود ربيعية لنصف الدنيا. شاركت فى حرب اكتوبر .. فكيف تفاعل الشاعر بداخلك مع هذا الحدث الضخم؟ نعم حاربت فى أكتوبر، وكنت برتبة رائد وتوليت قيادة إحدى الوحدات الأمامية. وكنت مندفعا كالطوفان متدفقا كالفيضان مرة سمعت بعض الجنود مرة يقولون عنى.... «دا عاوز يموت بأى طريقة».. وفكرت فيما قالوه فقد كنت أرى ابتسامه الشهداء على شفاههم وكانت تبهرنى وعملت المستحيل فى كل المواقع لكننى لم أمت برغم ذلك.. وانصهرت فى المعارك فقد كنت أشبه بترس فى آلة ميكانيكية ضخمة. وكانت مصر تتغلغل فى ذرات من ذرات كيانى وعشت أروع لحظات العمر خلال اكتوبر 73 ما جعلنى أشعر بالفخر للانتماء لهذا الشعب حقيقه أعظم ما فى مصر هو شعبها... فنحن شعب باسل قادر على الصمود والتحدى.. كان الجندى البسيط يعتلى ظهر الدبابة الاسرائيلية بجرأة منقطعة النظير.. وبالفعل كنا نقود جنودا كالأساطير التى لاتنسى ما جعلنى أومن بعمق أن مصر لاتحتاج سوى لمجرد إعادة النبض لقلبها الكبير الذى كان يسكن حناياها فى اكتوبر 73. أين أنت من جوائز الدولة أو اين هى منك؟ هناك تجاهل واضح لى ومن الممكن رؤيته بالعين المجردة، ويحق لى التساؤل: بأى حق يترك أشباه المثقفين وأنصاف المتعلمين 20 عاما وأكثر فى لجنة الشعر؟. إن الشللية تفرض نفسها أيها السادة الكرام إننى لا أطلب جائزة من جوائزكم، فلقد فزت بالعديد من جوائز الخارج.... وتم ترشيحى من الخارج أيضا لأكبر جائزة فى الكون فمتى تستحون؟ أنا أريد فقط أن ينازلنى كل أعضاء لجنة الشعراء الموقرة فى مباراة جماهيرية سأكون فيها وحدى وأنتم جميعا معا. ويتخير الجمهور الموضوع والبحر والقافية لكى تعرف جماهير مصر من هو شاعرها؟... من.....هو......شاعرها؟