عندما ارتفع معدل صفاقة إرهابي حادثة الواحات عبدالرحيم المسماري في ردوده المستفزة علي الإعلامي الكبير عماد أديب داخل إطار وإخراج تليفزيوني جانبهما الصواب بلا محاجاة دينية, أو مراجعة أمنية, حيث ظهر القاتل المأجور بعباءة ناصعة البياض مع خلفية سوداء تبرز كما اللوحات التأثيرية باستخدام التضاد بالظلال والنور الحدود والتفاصيل, بخصلات الشعر الغجرية يونانية التراث كما تماثيل الأوليمب, هيبية البوكلات كما لو كانت مثبتة بالاسبراي, وكأنه بعث جديد للمناضل جيفارا بقضيته ضد الاستعمار ليقول ما قاله من بهتان شرعية سفك الدماء, ويدعي ما ادعاه زورا عن قتل الرسول صلي الله عليه وسلم لأعمامه.. وعندما يسأله أديب عن مصحفه بآياته البينات التي يستند إليها دواعش جهاده المزعوم يتضح أن لا مصحف له أو معه, ولا قرأه أو حمله أحد من كتيبته المرتزقة التي تهتف ساعة تنفيذها الآثم الله أكبر.. ذلك التكبير الذي فجرت معه الطلقات الغاشمة رؤوس مئات الركع السجود من أطفال وشيوخ في مذبحة مسجد الروضة بشمال سيناء بدعوي تطبيق شريعة الغاب.. وعلي عكس ما زعمه الإرهابي المسماري عن رغبته في الشهادة, فإنه ما إن فرغت منه الذخيرة حتي استسلم وبات جاهزا لكي يبوح ويفصح ويقول إنه عندما طلب مصحفا وعده أمير الشرذمة المندسة شهورا كالحرباء في باطن الجبل بنسخة سوف يرسل له في طلبها مع الذخيرة القادمة بعون الله.. تشتم من الإجابات البوهيمية رائحتها.. تستشعر تأثيرها بما تخلفه من هذيان وتدمير وخراب.. تقرأ من بين فتاويها التكفيرية مدي دهائها وكيدها.. تقرأ سطورها التآمرية المختلقة علي جباه المغيبين المساقين المنقادين الذين جري غسل عقولهم بالفاشية الدينية بالطريقة التي تجعلها تفقد صلتها بالحياة.. الإسرائيليات.. الإسرائيليات, وهي كل ما دسه أعداء الإسلام من اليهود وغيرهم علي التفسير والحديث من أخبار صنعوها بخبث نية, وسوء طوية, ثم دسوها علي التفسير والحديث ليفسدوا بها عقائد المسلمين, وغالب ما يروي من خرافاتها وأباطيلها يرجع في أصله إلي مصدر يهودي, واليهود قوم بهت, وهم أشد الناس عداوة وبغضا للإسلام والمسلمين كما قال سبحانه في سورة المائدة لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود.... ولقد حذر القرآن منذ بدايات الدعوة الإسلامية من تزوير اليهود وتلفيقهم للنصوص المقدسة, وكشف أنواع التحريف والتزوير الذي يمارسونه بالقول: وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون علي الله الكذب وهم يعلمون( سورة آل عمران: آية78), وتارة تزوير بالكتابة فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون( سورة البقرة: آية79), وتارة تحريف للكلمات عن مواضعها ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم( سورة المائدة: آية41), أو يكون بإخفاء الحقائق عن الناس يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين( سورة المائدة: آية15). ولوفاة والدي رحمه الله وكان مرجعي الآمن في أمور ديني ذهبت أبحث عن مفهوم الإسرائيليات لدي المراجع والكتب فوجدت العديد منها الإسرائيليات في التفسير والحديث للدكتور محمد حسين الذهبي, والإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير للدكتور محمد بن محمد أبو شهبة, والإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير للدكتور رمزي نعناعة.. وراعني أن أجد المفسرين جميعهم من عهد ابن جرير والطبري إلي عهد السيد محمد رشيد رضا قد وقعوا في رواية الإسرائيليات, ولكن علي تفاوت بينهم في ذلك قلة وكثرة, وسكوتا عنها وتعقيبا عليها.. روعت وإن هدأ من روعي أن هناك من اليهود وأحبارهم من أسلموا وإن بقوا علي ما كان عندهم مما لا علاقة له بالأحكام الشرعية مثل( بدء الخليقة) وهؤلاء مثل كعب الأحبار, ووهب بن منة, وعبدالله بن سلام, ومحمد بن السائب الكلبي, ومحمد بن مروان السدي, فامتلأت التفاسير من المنقولات عنهم, وإن لم يزل الفأر يلعب في عبي تجاه بعضهم منذ أيامهم في القرون الهجرية الأولي حتي الآن.. وذلك تماشيا ونسقا لما نشعر به مع بعض من انشقوا علي تنظيم الإخوان, تخوفا من أن تكون التوبة إدارية وليست فكرية, فليس بيننا وبين هؤلاء بفتة ناصعة البياض, ولا حليب يا قشطة!!.. روعت وإن هدأ من رباطة جأشي أن المجلس الأعلي للشئون الإسلامية بواسطة لجان من علماء الأزهر وغيرهم قد قام بكتابة تفسير للقرآن الكريم مجردا من الإسرائيليات والموضوعات, وتم نشره علي العالم الإسلامي, ولكنه كما يقول الدكتور محمد حسين الذهبي أستاذ علوم القرآن والحديث بكلية الشريعة جامعة الأزهر تفسير مختصر, يصلح للترجمة, ولا يسد حاجة المسلمين إلي معرفة أوسع بما حواه كتابهم الكريم الخالد... وخرجت من عندهم لأستطيع القول بأن: االتفسير لا يحتاج إلي الإسرائيليات ولكنه يستفيد منها وذلك علي هدي ما رواه جابر بن عبدالله في البداية والنهاية من أن عمر بن الخطاب أتي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه علي النبي قال فغضب وقال أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم به بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسي كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني.. أما لماذا لقيت الإسرائيليات لدي قلوب العامة رواجا وقبولا فالجواب وجدته يعود إلي عدة أمور منها أن اليهود قوم ألسنتهم تقطر عسلا مزيفا, وقلوبهم قلوب الذئاب, فمن السهل عليهم أن يحبكوا أي قصة في خبث ومهارة, ثم يذيعونها بين العامة فإذا بها تنتشر ليتلقفها الناس منسوبة إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو منها ومن قائليها براء, ولقد صور لنا ابن قتيبة مبلغ تأثير القصاصين اليهود علي قلوب العامة فقال: ومن شأن العوام القعود عند القاص ما كان حديثه عجبا خارجا عن حدود العقول, أو كان رقيقا يحزن القلوب, ويدمع العيون, فإذا ذكر الجنة قال: فيها الحوراء من مسك أو زعفران, وعجيزتها ميل في ميل, ويبوئ الله وليه قصرا من لؤلؤة بيضاء, فيه سبعون ألف مقصورة, في كل مقصورة سبعون ألف قبة, في كل قبة سبعون ألف فراش, علي كل فراش سبعون ألف... فلا يزال في سبعين ألف كأنه يري أنه لا يجوز أن يكون العدد فوق السبعين ألفا ولا دونها.. وفي بعض كتب التفسير من الإسرائيليات التي تقدح في عصمة الأنبياء وتصور الإسلام في صورة دين خرافي يعني بأباطيل لا أصل لها, كلها من خيالات جماعات مضللة, ومن أمثلة ذلك ما يروي في صفة آدم عليه السلام من أن رأسه كان يبلغ السماء فيحتك بها فاعتراه لذلك صلع, ولما هبط علي الأرض بكي علي الجنة حتي بلغت دموعه البحر وجرت فيها السفن, وما يروي في شأن داوود عليه السلام من أنه سجد لله تعالي أربعين ليلة وبكي حتي نبت العشب من دموع عينه.. الإسرائيليات التي كادت تصرف الناس عن الغرض الذي أنزل القرآن من أجله وتلهيهم عن التدبر في آياته, والانتفاع بعبره وعظاته, والبحث عن أحكامه وحكمه, إلي توافه لا خير فيها, وصغائر لا وزن لها, وتفاصيل لا يعدو أن يكون الانشغال بها والبحث عنها عبثا, ومضيعة للوقت, ومن أمثلة ذلك: الكلام عن لون كلب أهل الكهف واسمه, وعن عصا موسي من أي شجرة كانت, وعن اسم الغلام الذي قتله الخضر, وعن طول سفينة نوح وعرضها وارتفاعها, وأسماء الحيوانات التي حملت فيها, وغير ذلك مما طواه القرآن الكريم وسكت عنه لعدم فائدة تعود علي المسلمين من ذكره لهم ومعرفتهم به. أما موقف المفسرين من الإسرائيليات فمن أشهر كتبهم, أولها التفسير الكبير لمقاتل بن سليمان البلخي المولود بخراسان ومنها رحل إلي البصرة, حيث المزيج من الأجناس المختلفة التي تتضارب بينها الآراء في السياسة والعقائد مما أثر علي مقاتل في تفسيره للقرآن الكريم, وكان علي صلة بخلفاء بني العباس الذين حاول التزلف إليهم بعرضه أن يضع لهم أحاديث, وذكر أنه قال للمهدي: إن شئت وضعت أحاديث في العباس, فقال المهدي: لا حاجة لي فيها.. وعندما أراد البخاري الاستهانة بمقاتل قال عنه منكر الحديث ولا شيء البتة, وقد رحل مقاتل إلي مكة ثم إلي بيروت غير أن إقامته لم تطل بهما ليلقي عصا الترحال في البصرة التي توفي فيها سنة150 ه, ويعد تفسيره أقدم تفسير كامل للقرآن, وهو مخطوط توجد منه نسخة بمعهد المخطوطات بالجامعة العربية, وتفسيره مملوء بالإسرائيليات.. وفي تفسيره للآية(1) من سورة فاطر يزيد في الخلق ما يشاء قوله:( إن في الجنة نهرا يقال له نهر الحياة يدخله كل يوم جبريل عليه السلام بعد ثلاث ساعات من النهار يغتسل فيه وله جناحان ينشرهما في ذلك النهر, ولجناحه سبعون ألف ريشة, فيسقط من كل ريشة قطرة من ماء, فيخلق الله عز وجل منها ملكا يسبح لله تعالي إلي يوم القيامة, فذلك قوله تعالي يزيد في الخلق ما يشاء, ويتأثر مقاتل بالإسرائيليات ليذهب في تفسيره في قوله تعالي في آية الكرسي: وسع كرسيه السماوات والأرض مذهبا أقرب ما يكون إلي الخرافة, فقال ما نصه: يحمل الكرسي أربعة أملاك, لكل ملك أربعة وجوه, أقدامهم تحت الصخرة التي تحت الأرض السفلي مسيرة خمسمائة عام, وما بين كل أرض مسيرة خمسمائة عام, ملك وجهه علي صورة الإنسان وهو سيد الصور وهو يسأل الله الرزق للآدميين, وملك وجهه علي صورة سيد الأنعام وهو الثور, يسأل الرزق للبهائم, وملك وجهه علي صورة سيد الطير وهو يسأل الله عز وجل الرزق للطير, وهو النسر, وملك علي صورة سيد السباع وهو الأسد وهو يسأل الرزق للسباع... ولم يذكر مقاتل الإسناد الذي اعتمد عليه, مع أن السمعيات لا تقبل إلا إذا وردت في القرآن أو رويت عن الرسول صلي الله عليه وسلم. والثاني جامع البيان في تفسير القرآن لابن جرير بن كثير الطبري(224 310 ه) المولود في طبرستان والمتوفي ببغداد, وكان جامعا للعلوم, ويعتبر تفسيره من أقدم التفاسير وأشهرها والمرجع الأول لدي المفسرين حتي ليقال عنه لو سافر رجل إلي الصين حتي يحصل علي كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيرا عليه, وهو في تفسيره الجامع لمعظم التفاسير في عصر الصحابة والتابعين يكثر من رواية الإسرائيليات لكنه يسندها إلي أصحابها, بل يتعقبها أحيانا, فيفسر قوله تعالي: فألقي عصاه فإذا هي ثعبان مبين فينقل ابن جرير عن وهب بن منبه أن الثعبان حمل علي الناس فانهزموا منه, فمات منهم خمسة وعشرون ألفا, قتل بعضهم بعضا, وقام فرعون منهزما حتي دخل البيت. والثالث تفسير الكشف والبيان عن تفسير القرآن لأبي إسحق إبراهيم الثعلبي المتوفي سنة427 ه ويوجد منه نسخة غير كاملة بمكتبة الأزهر وبدار الكتب المصرية, وكان مكثرا للغاية من رواية الإسرائيليات حتي فاق في ذلك جميع المفسرين, وقد جاء في تفسيره لقوله تعالي في سورة يوسف: إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ذكر الثعلبي( أن رجلا من اليهود يقال له قيسان أتي النبي صلي الله عليه وسلم, فقال: يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف ساجدة له ما اسمها؟ فلم يجبه, فنزل جبريل فأخبره بأسمائها, فقال: جريان, والطارق, والذيال, وذو الكنفات, وقابس, ووئاب, وعمردان, والمصبح, والفيلق, والفروخ, والقرع, والشمس, والقمر, رآها يوسف نزلت من السماء فسجدت له, فقال اليهودي: أي والله, إنها لأسماؤها. والرابع تفسير معالم التنزيل للفقيه أبو محمد الحسين المعروف بالبغوي المتوفي في510 ه الناقل للكثير من الإسرائيليات بلا تدقيق فيما يأخذ به من الأسانيد, ومما نقله في تفسير قوله تعالي: وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون من سورة النمل أن الدابة طولها ستون ذراعا بذراع آدم عليه السلام, لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب, وأن لها من جميع دواب الأرض مشابهة تامة في كل عضو من أعضائها: منها وجه إنسان, ورأس ثور, وعين خنزير وأذن فيل.. وعند قوله تعالي: واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر, قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين, قال البغوي في تفسيره: كان سبب قربانهما علي ما ذكره أهل العلم: أن حواء كانت تلد لآدم عليه السلام في كل بطن غلاما وجارية, وكانت جميع ما ولدته أربعين ولدا, أولهم( قابيل) وتوأمته( إقليما) وآخرهم( عبدالمغيث) وتوأمته( أمة المغيث) ثم بارك الله عز وجل في نسل آدم عليه السلام, واختلفوا في مولد قابيل وهابيل فقال بعضهم: غشي آدم حواء بعد مهبطهما إلي الأرض بمائة سنة, فولدت له قابيل وتوأمته إقليما في بطن واحد, ثم هابيل وتوأمته( لبودا) في بطن, وكانت أخت قابيل أحسن من أخت هابيل, فرضي هابيل وسخط قابيل قائلا: هي أختي أنا أحق بها ونحن من ولادة الجنة, وهما من ولادة الأرض, فقال له أبوه: إنها لا تحل لك فأبي أن يقبل ذلك وقال: إن الله لم يأمره بهذا وإنما هو من رأيه. فقال لهما آدم عليه السلام: فقربا قربانا فأيكما يقبل قربانه فهو أحق بها... والخامس تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي الغرناطي(481 546 ه) الذي تولي القضاء بمدينة المرية بالأندلس, وقصد المغرب ليتولي القضاء بمدينة مرسية ومنها إلي الرقة, ويعد أكثر المفسرين بعدا عن الإسرائيليات معلقا عليها بأنها قصص لا تصح ومنكر غريب جدا.. والسادس تفسير الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل لأبي القاسم الخوارزمي الزمخشري(467 538 ه) المولود في بزمخشر إحدي القري الكبيرة في خوارزم وكان هاويا للأسفار والتنقل في البلاد وآخرها مكةالمكرمة ليعاوده الحنين إلي وطنه, ليزور قبره ابن بطوطة فيما بعد, وكان الزمخشري شديد الرغبة للاعتزال, وهو الإمام الكبير في التفسير والحديث والنحو والأدب واللغة, وكان موقفه متناقضا من الإسرائيليات مع منهجه العقلي الذي اتخذه في التفسير, فمثلا يقول في تفسير الآية الكريمة: فألقي عصاه فإذا هي ثعبان مبين( سورة الأعراف: آية107) ليروي أنه كان ثعبانا ذكرا أشعر فاغرا فاه, بين فكيه ثمانون ذراعا, وضع فكه الأسفل في الأرض, وفكه الأعلي علي سور القصر ثم توجه نحو فرعون ليأخذه, فوثب فرعون من سريره وهرب.. والسابع تفسير مفاتيح الغيب لفخر الدين الرازي(544 606 ه) الذي أخذ عنه العلم نحو ثلاثمائة طالب في الفلسفة وعلم الكلام والفقه والأصول والطب والكيمياء والنحو والأدب والتفسير وغيرها من العلوم, ووصف بأنه اجتمع له خمسة أشياء ما جمعها الله لغيره وهي: سعة العبارة في القدرة علي الكلام, وصحة الذهن, والاطلاع الذي لا مزيد عليه, والحافظة المستوعبة, والذاكرة التي تعينه علي ما يريده في تقرير الأدلة والبراهين, وكان رافضا لكل رواية تطعن في عصمة نبي من الأنبياء, كذلك رفض كل رواية تعرضت لتفصيلات سكت عنها القرآن, ولم يجيء بها حديث صحيح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم, ولم يكن للعلم بها فائدة, فمثلا يقول في تفسير قوله تعالي: ولا تقربا هذه الشجرة من سورة البقرة, إنهم قد اختلفوا فيها فقال مجاهد وابن عباس: إنها السنبلة, وروي السدي عن ابن مسعود: أنها الكرم, وعن مجاهد وقتادة: أنها التين, وقال الربيع بن أنس: كانت شجرة من أكل منها أحدث, ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث, ويعلق الرازي علي ذلك بقوله: ليس المقصود من الكلام أن يعرفنا عين تلك الشجرة, وما لا يكون مقصودا في الكلام لا يجب علي الحكيم أن يبنيه, بل ربما كان بيانه عبثا, ويقول في موضع آخر: اختلفوا في العصا عصا موسي فقال الحسن: كانت عصا أخذها من بعض الأشجار, وقيل: كانت من الجنة, طولها عشرة أذرع علي طول موسي ولها شعبتان تتقدان في الظلمة, ويعلق الرازي علي ذلك بقوله: والذي يدل عليه القرآن أن مقدارها كان مقدارا يصح أن يتوكأ عليها, وأن تنقلب حية عظيمة, ولا تكون كذلك إلا ولها قدر من الطول والغلظة وما زاد علي ذلك فلا دلالة عليه, والسكوت عن أمثال هذه المباحث واجب والأولي تركها.. والثامن التفسير الجامع لأحكام القرآن لأبي بكر القرطبي المتوفي عام671 ه وكان من العلماء الزاهدين المشغولين بأمور الآخرة, وبلغ زهده أن صار يمشي بثوب واحد, وأوقاته كلها معمورة بالتوجه إلي الله وكتابة ما ينفع الناس, وفي تفسيره الجامع أسقط القصص والتواريخ وأثبت عوضها أحكام القرآن, أما في موقفه من الإسرائيليات فنجده يروي أحيانا غرائب القصص الإسرائيلي في التفسير, فعن قوله تعالي: قالوا يا موسي إن فيها قوما جبارين... من سورة المائدة يقول القرطبي الذي قام بشرح أسماء الله الحسني في كتاب مستقل حول القوم الجبارين أن كان بينهم( عوج الأعنق) وكان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا, وكان يحتجن السحاب, أي يجذبه بمحجنه ويشرب منه, ويتناول الحوت من قاع البحر فيشويه بعين الشمس ثم يرفعه إليها ثم يأكله, وحضر طوفان نوح عليه السلام ولم يجاوز ركبتيه, وكان عمره ثلاثة آلاف وستمائة سنة, وإنه قلع صخرة علي قدر عسكر موسي جميعهم ليرضخهم بها, فبعث الله طائرا فنقرها ووقعت في عنقه فصر عته, وأقبل موسي عليه السلام وطوله عشرة أذرع وترقي في السماء عشرة أذرع, فما أصاب إلا كعبه وهو مصروع فقتله, وقيل ضربه في العرق الذي تحت كعبه فصرعه فمات ووقع علي نيل مصر فجسرهم سنة, أي صار لهم جسرا يعبرون عليه, ويعجب القارئ للقرطبي في كيفية إضاعة وقته في كتابة مثل هذه الخرافات التي لا تعطي الفكر إلا خبالا بينما كان هدفه أن يخرج للناس كتبا ينتفعون بها. والتاسع تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل لعبدالله بن محمود النسفي المتوفي سنة701 ه وهو كتاب التفسير المقرر والمعتمد لطلبة المعاهد الأزهرية بالمرحلة الإعدادية والثانوية وكان تفسيره خاليا من البدع والأباطيل, ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل, ومن موقفه من الإسرائيليات كان مقلا في سردها إذا ما قيس بغيره من المفسرين المكثرين, مجتهدا في ألا يكون فيها ما يخالف العقل دون أن يعقب عليها, وفي تفسيره لسورة النمل وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون قال النسفي: روي أن معسكر سليمان كان مائة فرسخ, خمسة وعشرون للجن, وخمسة وعشرون للإنس, وخمسة وعشرون للطير, وخمسة وعشرون للوحش.. وكان له ألف بيت من قوارير علي الخشب, فيها ثلاثمائة مرة, وسبعمائة سرية, وقد نسجت له الجن بساطا من ذهب, وكان يوضع منبره وهو في وسطه وهو من ذهب وفضة, فيقعد وحوله ستمائة ألف كرسي من ذهب وفضة, فيقعد الأنبياء علي كراسي الذهب والعلماء علي كراسي الفضة وحولهم الناس, وحول الناس الجن, وتظلله الطير بأجنحتها حتي لا يقع عليه حر الشمس, وترفع ريح الصبا البساط فتسير به مسيرة شهر.. والتفسير العاشر باب التأويل في معاني التنزيل لعلاء الدين الشيحي المعروف بالخازن واشتهر بهذا اللقب, لأنه كان خازن كتب عائلة السميساطية بدمشق(678 741 ه) وتفسيره مطبوع في سبعة أجزاء معني بالقصص الإسرائيلي الذي لا يكاد يسلم الكثير منه أمام ميزان العلم الصحيح والعقل السليم, وهو في توسعه من الإسرائيليات لا يعقب علي ما يذكره منها, ولا ينظر إليها بعين الناقد البصير, وإن كان فيما ندر يبين ضعفها أو كذبها كما في تفسيره لقوله تعالي من سورة( ص): وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إلي قوله تعالي: وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب, نراه يسوق قصصا أشبه ما يكون بالخرافة: كقصة الشيطان الذي تمثل لداود في صورة حمامة من ذهب, فيها من كل لون حسن, وجناحاها من الدر والزبرجد, فطارت ثم وقعت بين رجليه, وألهته عن الصلاة, وقصة المرأة التي وقع بصره عليها فأعجبه جمالها, فاحتال علي زوجها حتي قتل رجاء أن تسلم له هذه المرأة التي شغف بحبها, وغيرها من الروايات الغريبة.. ولكنه يأتي بعد كل هذا ليقول: فصل في تنزيه داوود عليه الصلاة والسلام عما لا يليق به وينسب إليه ويفند في هذا الفصل كل ما ذكره مسبقا مما يتنافي مع عصمة نبي الله!! التفسير الحادي عشر القرآن العظيم لعماد الدين ابن كثير(700 774 ه) من أوسع العلماء اطلاعا وقام في تاريخه بالتنبيه علي بطلان منكرات الإسرائيليات, وفي موقفه منها أنه عندما يرويها يعقب عليها بما يفيد بطلانها مثل تفسيره لقوله تعالي في سورة الكهف: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه... الآية ذكر ابن كثير أقوالا في إبليس واسمه, ومن أي قبيل هو؟ ثم عقب علي ذلك بقوله: وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف غالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها بحال كثير منها, ومنها ما قد يقطع بكذبه لمخالفته للحق الذي بأيدينا, وفي القرآن غناء عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة, لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان.. والثاني عشر تفسير الدر المنثور في التفسير المأثور لجلال الدين السيوطي(849 911 ه) الذي بلغت مؤلفاته ما يزيد علي الخمسمائة مؤلف, والذي قال بأنه يحفظ مائتي ألف حديث وله من المؤلفات المشهورة ترجمان القرآن وفي موقفه من الإسرائيليات لا يتعقب المدسوس منها, وإن كان يروي بجانب الباطل منها الصحيح, غير أنه لا يميز بين هذا وذاك إلا بعزوها إلي مصادرها.. والثالث عشر تفسير السراج المنير في الإعانة علي معرفة معاني كلام ربنا الحكيم الخبير للإمام شمس الدين الشربيني القاهري المتوفي في977 ه وجاء تفسيره في أربعة أجزاء موجزة العبارة يغلب عليها الجانب القصصي مع الدقة المصاحبة بالتفسيرات, وفي تفسيره لبعض القصص الإسرائيلي يذكر الغريب وإن كان بدون تعقيب, فمثلا عند تفسيره لقوله تعالي من سورة النمل: وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون نري السراج يقص لنا قصة غريبة فيها بيان نوع هدية بلقيس لسليمان, وما كان من اختبارها له, وما كان من سليمان عليه السلام من إجابته علي ما اختبرته به, وإظهاره لعظمة ملكه وقوة سلطانه مما يبعث الدهشة, ومع ذلك لا يعقب بكلمة واحدة علي ما رواه من غرائب عندما دخل في باب التفسير!! ويأتي التفسير الرابع عشر روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للعالم محمود الأندلسي(1217 1270 ه) المولود ببغداد ليغدو أشهر علماء العراق رافضا لروايات الإسرائيليات فيقول: ليت كتب الإسلام لم تشتمل علي هذه الخرافات التي لا يصدقها العاقل, لأنها أضغاث أحلام, ورغم رفض الألوسي الشديد للإسرائيليات فإنه ينساق مغلوبا علي أمره في تيارها الكاسح فيقوم بتفسير قوله تعالي في سورة الأعراف: وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء.., فيفسرالألوسي:( واختلف في عدد الألواح وفي جوهرها ومقدارها, وكاتبها, فقيل عشرة ألواح, وقيل كانت سبعة وقيل لوحين, وأنها كانت من زمرد أخضر, أمر الرب تعالي جبريل عليه السلام فجاء بها من عدن, وروي ذلك عن مجاهد, وعن سعيد بن جبير قوله: كانوا يقولون إنها كانت ياقوتة, وأنا أقول إنها كانت زمردة, وعن الحسن أنها كانت من خشب نزلت من السماء, وأن طول كل منها عشرة أذرع, وقيل أمر الله موسي عليه السلام بقطعها من صخرة صماء لينها له, فقطعها بيده وثقبها بإصبعه ثم قال الألوسي:( والمختار عندي أنها من خشب السدر).. والخامس عشر تفسير المنار للسيد محمد رشيد علي رضا(1282 1354 ه) المولود بقرية القلمون في جبل لبنان وبزغ نجمه بعد هجرته إلي مصر واتصاله بالإمام محمد عبده الذي دفن بجوار ضريحه بالقاهرة, وكان التفسير قد نشر علي هيئة فصول في مجلة المنار ابتداء بأول القرآن, وانتهاء عند قوله تعالي في الآية(101) من سورة يوسف: رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين.. وكان رشيد رضا علي الدوام نافرا من الإسرائيليات ينعي علي المفسرين التفاتهم إليها وانشغالهم بها, وكان منهجه علي نسق نهج الإمام, فلا تقيد بأقوال المفسرين, ولا تحكم للعقيدة في نص القرآن, ولا خوض في إسرائيليات, ولا تعيين لمبهمات بل شرح للآيات بأسلوب رائع, ودفاع عن القرآن يرد أكثر ما أثير حوله من شبهات, وعناية بجوانبه اللغوية والبلاغية, ومعالجة لأمراض المجتمع بناجع دوائه.. استغاثة الآن وبالذات, وفي مثل هذا التوقيت غير المثالي, صعب علي أفئدتنا, ونار في صدورنا, ووعر علي أسماعنا, وحصي في مآقينا, وشوكا في حلوقنا, واستخفافا بعقولنا, أن نتلقي يوميا مع إعادة لمسلسل الجماعة درسا تفصيليا في تاريخ حسن البنا وسيد قطب المطبقة الآن بنوده التكفيرية علي أرض الواقع مهما تكن الدوافع لإعادة البث في براءة الذئب من دم ابن يعقوب!! [email protected] لمزيد من مقالات سناء البيسى;